Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Dec-2018

فعفطة ومزاج شعبي غير مستقر* ابراهيم عبدالمجيد القيسي
الدستور -
 
الفعفطة؛ مصطلح قد لا يكون سليما لغويا، أو ربما هو صيغة مبالغة من فعط، وقد نفهم الزيادة عليه بأنه نحت في اللغة، أو ربما هي تعبير عن مدى اتساع لغتنا العربية، ودقتها في الوصف..الله يسعد السعيدين باللغة، ويهدّي بال المفعفطين بها.
لا مجال لرصد هذه التقلبات في المزاج الشعبي بلا أدوات مناسبة، حيث يلزمنا «سيستم» كمبيوتر، يعتمد نظريات في التصنيف والترتيب، مبنية على مبادىء علم النفس والاجتماع، ونحتاج الى بنك معلومات كبير، و»سيرفرات» سريعة تبحر في قواعد البيانات لتستخلص لنا بضع جمل وتركيبات وأرقام، تبين لنا حجم انحدار الذائقة العامة، وانهيار القيم والأخلاق في مجتمع كان وما زال وسيبقى محافظا نظيفا.
أصبحت الفعفطة اليوم تكنولوجية، تلمسها على صفحات التواصل في عالم افتراضي يسوده الجهل، والجهل هنا لا يمكن نسبته للعرب وحدهم او للشعوب النامية، بل إن كل شعوب العالم أصبحت جاهلة نسبيا، مقزّمة جدا، حين تنوي مجاراة هذا الدفق الهائل من ابتكارات الذكاء الصناعي الذي يتجلى في التكنولوجيا، كيف لنا أن نجاري سرعة «الطلق» حين يخرج من بندقية؟ وكيف لنا أن نخفف من حدة وخطر كلمة مسيئة يكتبها او يلفظها أحدهم عبر الانترنت؟ ..ليس بغير القانون يتحقق عدل او أمن.
تموج صفحات التواصل الاجتماعي بهجمات من كل الأحجام على الدكتور ممدوح العبادي، بسبب كلام ذكره في إحدى محطات التلفزة، ولا يمكنني أن اتهم التلفزة ولا المحطات ولا المقابلات او الحوارات، بل على العكس تماما، فنحن بحاجة لمزيد من حوار وكلام حول قضايانا وأسئلتنا الكثيرة، لكننا وبصراحة نحتاج أكثر الى أخلاقنا وقيمنا وأعرافنا التي نعرف، والتي تعرضت لمسخ بسبب التكنولوجيا والعولمة والسرعة والأمراض النفسية المستعصية..
الحكومات والأحزاب وكل الجهات التي تدعي المسؤولية عن الشأن العام، بحاجة للعودة الى الشارع الأردني، ومحاورته، وتقريب وجهات نظر الجهات المتخالفة في الرأي، وهذه ممارسة فكرية سياسية انسانية، تنتهجها كل الشعوب المستنيرة، فكلنا بحاجة دوما الى الحوار كحاجتنا للحقيقة، لكن لماذا ينحو الحوار الى الخلاف والصراع؟.. ولماذا ينقلب الى مجرد «فعفطة» بالكلام؟! ..كل الناس عباقرة زمانهم وكلهم لديهم اجابات عن السؤال السابق، ولا إجابة صحيحة ما دامت بعيدة عن المنطق والأخلاق والقانون.
افضل الوزراء هم الذين يأتون من الشارع الأردني، يخرجون من بين الناس، فهم الأقدر على تلمس وفهم حاجات الناس، وهم الأقدر على مخاطبتهم، فوزير كمثنى الغرايبة، وإن تحفظنا «قليلا» على توقيت وظروف انضمامه لحكومة الرزاز، فإنه من الجهة الايجابية خيار تقدمي جميل، بغض النظر عن قناعاته التي تتم نسبتها إليه حين كان حراكيا يتجول مع الأردنيين ويتخذون من الشارع منبرهم وساحتهم، يمارسون حقهم الديمقراطي في التعبير والرفض.. ولا أخفيكم سرا بأنني كنت من المستهجنين لنبأ ضمه للفريق الوزاري، على خلفية سقف طروحاته حين كان يقف في الشارع، لكنني يجب أن أعترف بأن رأيي كان مبنيا على التوقيت والظرف العام «يعني مش وقته»، هكذا كنت أفكر، علما أنني لم يسبق لي لقاء الشاب، ولا يمكنني أن أتبنى بعض المعلومات التي تتحدث عن سقف الطرح الذي كان يقدمه الغرايبة، فالمسألة في النهاية قانون، ولو كان الغرايبة متهما او مدانا بجرم واقع على الدولة أو مخلا بالشرف لكان حديثنا مختلفا، لكنه مواطن اردني متعلم، وغير محكوم بأية تهمة مخلة بالشرف، ومعه «عدم محكومية»، ومن حقه أن يصبح وزيرا ومسؤولا، وهو خيار يعبر عن مدى تمسكنا بالقانون واحترامنا لأنفسنا وللأردنيين.
حين يتحدث د. ممدوح العبادي بأن الوزير الغرايبة قادم من الشارع، فهي ليست تهمة ولا تعريض بالوزير، بل هي لغة سياسية معروفة، يستخدمها اليمين واليسار وكل النخبة السياسية والمثقفة، لكن قول العبادي جاء في خضم مقارنة مع وزراء آخرين مدججين بخبرة في العمل العام الرسمي، مقارنة بشاب حراكي لم يسبق له أن عمل في مواقع المسؤولية، وهذا بالنسبة لكثير من الأردنيين شيء جديد، قد يتوقفون عنده مؤقتا، لكنهم يتمتعون بمقدار كبير من الوعي، وسرعان ما سيفهمون بأنه خيار تقدمي في تفكير رؤساء الحكومات، إيجابي، ويؤكد بأن لا فرق بين أردني وآخر، فكلهم تحت القانون وكل الملتزمين بالقانون مؤهلون ليصبحوا وزراء ورؤساء حكومات.
ممدوح العبادي رجل سياسة؛ مشاربه الفكرية يسارية، ومن الطبيعي أن يتحدث بمثل هذه اللغة، فهي لغة سليمة ونخبوية، ولا يمكن تأويلها بأنها كيل اتهامات وتقليل شأن للوزير الغرايبة أو لغيره، فنحن ما زلنا مجتمعا نظيفا، نقيا، ويسهل تعكير مزاجه، والتأثير عليه سلبيا بسبب الصخب الذي يلغي التفكير والتروي حين نتناول تصريحات السياسيين والمثقفين أو الرسميين أو حتى المواطنين البسطاء.
لا ترجموا الرجل وتحملوا كلامه معاني لم يذكرها ولا يمكن له أن يذكرها أو يعتمدها في خطابه..فكّونا من التسرع و»الفعفطة».