Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Aug-2019

«أنيموس» للأديبة صفاء أبو خضرة.. رواية الحلم الذكوري الضائع

 الدستور-عمر أبو الهيجاء

بعد إصدارها مجموعتين شعريتين، صدر للشاعرة والروائية الأردنية حديثا، روايتها الأولى «أنيموس» عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن، تقع في زهاء 186 صفحة من القطع المتوسط.
و رواية «أنيموس» هي رواية البحث عن الهوية، والبحث عن الحلم الذكوري الضائع، وبطلها (تيم) ضحيةُ الانبثاقات التي نتجتْ عن عالمهِ الداخليّ (الأنا)، والتي عجزَ فيها عن قمع الأنا في «لاوعيهِ» بمقدار الخضوع للمحرضاتِ الخارجيةِ التي جعلت منهُ ضعيفاً ضائعاً في مواجهة القوى الداخلية وقدرات الوعي، وقد عانى كما قد يعاني أيّ شخص مرّ بتجربةٍ رهيبةٍ وقاسيةٍ مثل تجربته التي فقد خلالها ذكورتهُ بعمر الرابعة عندما أُجريت لهُ عملية ختان، وقد كان ينمو ضعفهُ داخلَه، وتدخلَ في تقلُّباتهِ المزاجية والفكرية والحياتية، حتى تحول كل ذلك إلى نوباتٍ من الهلع والخوف، وقد وصلَ به هذا الضعف إلى فقدانهِ لهويتهِ الجنسية المتأرجحة ما بين الأنوثة والذكورة، حتى وصل إلى العجز التام.
ومن خلال تيم أرادت الروائية أبو خضرة أن يصل القارئ إلى  أنَّ النفس البشرية ليست وحدة واحدة،  إنما مكونة من تجمع مركبات متناقضة، فهي عادةً ما تكتفي بذاتها ولا تُراعي الاعتبارات الإنسانية ولا الأفراد، فعندما يتأهّب فعلٌ ما في اللاوعي تختزنهُ وتحتفظ به دون الاهتمام بمعرفة فيما إذا كان الوعي قد شعر بنقصه أم لا، فيصبح الوعي هنا مصدراً ضعيفاً، بينما يقف اللاوعي في أوجه، وهنا، حيث نجد  تيم على  أهبة التشظي الدائم، والهروب من ذاته إلى لاوعيهِ، الذي اختزنَ فيه طرقاً عديدةً للهروب من وضعه المأساويّ دون تخطيطٍ معلنٍ ودون اعتباراتٍ مسبقة لما سيحلّ بعائلتهِ جراء فعلتهِ بتحويل جنسهِ، ونظرة المجتمع له ولهم على حدّ سواء، وهنا نرى اصطدامه بالواقع أثناء بحثهِ عن ذاته وجسده الذي عاشَهُ دون هوية محددة، حتى أودت به إلى توجُّهاتٍ خاطئةٍ حيثُ لا تُحمَدُ عُقبى أفعالهِ وبحثه.
وإذا ما أردنا التحدث عن الأنيما والأنيموس «حراس الخلفيات المعتمة» أو حارسيّ العتبة (حسب الثيوصوفيين) فالصورة الكامنة في لاوعي الفرد هي الصورة التي قد لا نجدُ لها تفسيراً وفق منظومة وعينا، وإذا ظهرت الأنيما عند الرجل بملامح امرأة، فإن «الأنيموس» عند المرأة يتلاشى ويظهر بملامح متعددة،  «تيم» شخصية مركبة ما بين الخير والشر، بين الأنوثة والذكورة، بينَ الماضي والحاضر، بينَ الثبات والتشظي، إنهُ عالمنا الذي يحتضر بذاته، يعيشُ على بذور فنائهِ، التائهُ في عوالم غريبة عنه، ونستغربَ من خلال السرد الروائي وصول تيم إلى تنظيماتٍ إرهابية، ربما هذا التحول طبيعي جداً من وجهة نظر أبو خضرة، لأنّ من تعمّق في التفاصيل سيجد ما آل إليهِ حال بطلنا بحثاً عن حبّه الضائع وذكورتهِ التي لم ينلها منذ البدء، فهل النفس البشرية بحدّ ذاتها متزنة داخلياً، هل هي إلا نتاج إرهاصات متحولة تختلف من شخص لآخر، كلٌّ حسب البيئة الحياتية والنفسية التي يترعرع فيها فكرهُ ووعيهُ، وكانتْ فرصة قد سنحتْ خلالهُ أن أُلقي الضوء على الواقع الأليم الذي عاشهُ و يعيشه عالمنا العربي من خلال بعض أبطال الرواية الذين يمثلون مجتمعاً بأكمله، عبرّ تنظيمات سياسية أودتْ بأمانهِ وساعدتْ على تشظيهِ وانحساره في حضيض الألم والوجع والضياع وفقدان الهوية بكل ما تعنيه لاكتمال حياة تنعم بالحياة، وقد أردت أن تصرخ الروائية عبرَ روايتها، أنّ هذه الحياة ليست سهلة، ليست معاشة عبثاً، ولا نحنُ نمر عبرها جذلينَ فرحين، وأن هناك محظورات هرمنا نخفيها في صفحات صفراء مهترئه، آن الأوان لنكتب الحقيقة، الحقيقة بكل وجوهها كما تقول صفاء أبو خضر، حقا إنها رواية البحث عن الهوية والحلم الذكوري الضائع كما تعني كلمة «أنيموس» عنوان الرواية.