Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Dec-2019

«أجندة» الكلمة الأكثر حساسية للأردني وحراك المعلمين في «عقل الدولة» و«فيتو» بعنوان «لا تقتربوا من القطاع العام»

 القدس العربي-بسام‭ ‬البدارين

 لا يوجد ما يشغل غرفة القرار الأردنية المغلقة هذه الأيام أكثر من «مراجعة وإعادة قراءة» حراك وإضراب المعلمين الشهير الذي تميل أوساط حكومية للتخفيف من آثاره، خصوصاً أن المبلغ المالي المرصود بعد الخضوع لشروط المعلمين يجد صعوبات في «تدبيره» وتأمينه حتى اللحظة.
حراك شريحة المعلمين في المجتمع قرع كل الأجراس داخل قنوات وأروقة وغرف القرار. والمخاوف تتواصل من أن يشكل هذا الحراك الموجع سياسياً «أيقونة أو سابقة» يمكن أن تسعى لتقليدها وتقمصها شرائح أخرى في القطاع العام الرسمي من الموظفين، الأمر الذي يشغل بدوره أذرع التفكير والتخطيط ليس في الحكومة فقط، بل في المستوى الأمني أيضاً.
الخشية هنا تتضاعف وسط قناعة دوائر القرار بأن جماعة الإخوان المسلمين، وفي جملة تكتيكية مبرمجة، ساهمت بخطوة كبيرة في إنتاج مشهد حراك المعلمين، وهو ما نفاه أمام «القدس العربي» مرتين على الأقل، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد عضايلة، مصراً على أن «الإفلاس» في توقع أزمات والتعاطي مع أزمة كانت معروفة يحاول تبريره نفسه عبر توجيه الاتهام.
 
الرواتب والأسعار ملفات تجمع المواطنين ولا تفرقهم
 
الشيخ عضايلة يؤكد أن العمل النقابي عموماً لا يخضع عند التيار الإسلامي لـ»أوامر تنظيمية»، ويوضح: بالتالي، لا يمكن شراء الرواية التي تقول بأن التدخل في مطالب معيشية لشريحة المعلمين كان ممكناً بواسطة أوامر تنظيمية بالمقابل.
لكن بالمقاربة الرسمية التي سمعتها «القدس العربي» في قنوات رسمية، خاصة ما يقوله العضايلة ورفاقه، مجرد ذريعة، وكل المعطيات تؤشر إلى «حراكات أجنداتية» تم استغلالها دفعت حتى الملك عبد الله الثاني شخصياً وفي تغريدة شهيرة له، للتحذير.
وهنا يبدو أن مفردة «أجندة» بدأت تثير حساسية كبار المسؤولين في الدولة الأردنية.
ورغم عدم وجود روابط رسمية وتنظيمية فعلاً بين حركة المعلمين التي أعادت إنتاج المشهد الداخلي واستفزت أوساط القرار والحكومة وبين الحركة الإسلامية، إلا أن القناعة راسخة في المعسكر الرسمي وحتى بعض القنوات الأمنية بأن الحاجة ملحة لمنع أي طرف سياسي لاحقاً من «العبث» في مسألة القطاع العام وموظفي الدولة وأجهزتها في مرحلة حساسة وحرجة «مالياً واقتصادياً».
وتم فعلاً وضع خطة سريعة وفعالة حتى الآن لمنع أي عبث مستقبلاً. وهي نفسها الخطة التي تسعى للتحريك الاقتصادي اليوم وتتضمن حزماً من التسهيلات لتحريك الأسواق والقطاعات، وانتهت ببرنامج طموح لـ»رفع رواتب» جميع العاملين والمتقاعدين في القطاع العام ومن المؤسستين المدنية والعسكرية. ولم تقل الحكومة بعد من أين ستوفر الفائض المالي المطلوب لتغطية مشروعها الأخير في رفع الرواتب استجابة لمبادرة ملكية مباشرة على هامش حراك نشط من مؤسسات الدولة تضمن التفاتة قوية للمشهد الداخلي.
المقربون من وزير المالية الدكتور محمد العسعس، يتحدثون عن خطط تحفيز وتشغيل طموحة، وعن خطة متقشفة لخفض الإنفاق العام يساعد في توفير الفائض المطلوب لرفع الرواتب وتحسين معيشة شريحة الموظفين على الأقل.
الهدف بطبيعة الحال أبعد وأعمق، وهو على الأرجح منع التيارات السياسية من الاستثمار في الأزمة الاقتصادية وتأسيس مسافة بينها وبين الشارع وعدم تمكينها من تنشيط حراكات في عمق شرائح القطاع العام، وهو هدف تحلقت حوله اليوم جميع مؤسسات الدولة بعد «درس» المعلمين الذي تم تلقينه للحكومة وبقسوة.
عملياً، الاتهامات التي وجهت في قضية المعلمين للأخوان المسلمين أو لغيرهم خدمت قرون الاستشعار في الدولة لصالح تحفيز المسؤولين للبحث عن بدائل، والانتباه لرفع الرواتب بنسب منطقية تحدث فارقاً في حياة الأردنيين والموظفين، وفقاً لما سمعته «القدس العربي» من الوزير العسعس.
يعلم المختصون أن شريحة الموظفين في القطاع العام تحديداً هي الشريحة الأعرض في المجتمع، وتمثل عملياً نحو مليوني أردني على الأقل مع عائلاتهم، مع وجود عدد هائل من المتقاعدين العسكريين والمدنيين.
والأهم أنها نفسها الشريحة «الموالية» بقوة للدولة والسلطة، والتي تمثل على الأرجح بنية اجتماعية تعكس عصب الدولة ومؤسساتها الحيوية، بما في ذلك أبناء طبقة الموظفين من أبناء العشائر والأوساط والمكونات الاجتماعية الحليفة طوال عقود.
وعليه، من المنطقي القول بأن برنامج رفع الرواتب يهدف إلى الحيلولة دون تمكين الأخوان المسلمين أو غيرهم من «الوصول سياسياً أو حراكياً» وبأي وبكل الأوقات لشرائح موظفي القطاع العام، لأن الهتاف المعيشي سرعان ما يتحول في حالات رفع الأسعار أو الجوع إلى خطاب «إصلاحي أو سياسي». وعليه، ثمة دور للتيار الأخواني يمكن أن يشكرهم الموظف العام عليه بعدما اضطرت الدولة للتفكير برفع الرواتب. الأكثر حساسية عند الاستدراك والتقييم وعند المراجعة هو القناعة بأن حراك المعلمين تضمن «مزيجاً أو خليطاً» هذه المرة من المكونات الاجتماعية في الأطراف والمحافظات وفي المدن الكبرى.
وهو مزيج يضع المبادرة الحكومية في وضع تكتيكي مرهق لم تختبره السلطات سابقاً، ويعدّ بمنزلة تهديد لتحالفات الدولة التقليدية في المجتمع، خصوصاً أن «الرواتب والأسعار» ملفات تجمع الأردنيين ولا تفرقهم، كما يحصل في مسألة الإصلاح السياسي.