Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Jun-2019

رواية «عايدون».. عن ليبيا التي لم يُروَ عنها الكثير

 القدس العربي-حسن داوود

هناك تسمية أخرى لأولئك الذين يشكك أبناء البلد الأصليون بصفاء عرقهم: «العايدون»، وهذه تختصّ بالليبيين، الذين عادوا إلى بلدهم (ليبيا) بعد أن قضوا سنوات مقيمين خارجه. لا يهم هنا إن كان بلد المهجر هذا هو سوريا، وهذا حال العائلة التي تروي كوثر الجهمي حكايتها. كما لا يهم إن كان البلد تونس، وهو محط الهجرة اللاحقة لتلك العائلة التي ظلّ الترحال، القسري أو الضروري، ملازمها منذ أجيال سبقت. فأحد الأجداد كان قد هُجّر إلى اليونان، ثم هجّر منها إبان الحرب العالمية الأولى، بعد انتصار الحلفاء على جيوش السلطنة العثمانية، ثم إلى سوريا، ثم، مع جيل لاحق، إلى الولايات المتحدة التي هاجر إليها، من تشاد حيث كان يحارب، رجل العائلة المختفي، ثم إلى تونس التي قصدتها زوجته بصحبة ابنته هاربتين من جحيم عيشهما في ليبيا.
تلك الهجرة الأخيرة إلى تونس القريبة، لم تحدث بسبب الحرب الدائرة هناك بعد سقوط القذافي وحدها، فقد سبق للأم وابنتها، غزالة وحسناء، أن تعرضتا لمضايقات ولشائعات من قبْل تتعلّق بكونهما مختلفتين عمنّ هن حولهما. كانت الأم تدخّن كالرجال، بحسب ما تقول صديقة ابنتها. كما كانت الأم، وكذلك ابنتها، حاسرتي الرأس في مجتمع مغرق في محافظته. الأم تكتب مقالات تنشرها في الصحف، وتتابع ابنتها سيرتها المهنية تلك بعملها في تقديم برنامج إذاعي انتقادي ولاذع للأطراف المسيطرة في زمن ما بعد سقوط القذافي. هذا الاختلاف عن محيطهما مظهر من مظاهر ما حملتاه معهما من هناك، حيث عاشتا، كما أنه دليل على هجنتهما. لذلك، لا جيرانهما، ولا رجال الميليشيات في ذلك المجتمع المتفلّت وجدوا عذرا لهما في البقاء بينهم. كانتا تتلقيان تهديدات شتى كان آخرها إزالة التمثالين (غزالة وحسناء) اللتين أعطيا اسميهما من قبل الجد مصطفى كريتلي.
 
رواية «عايدون» فيها الكثير من ليبيا التي لم يُروَ (من رواية) عنها إلا القليل. إنها توسع المعرفة القليلة عن البلد الذي كاد اقتصر ما نعرفه من عقوده الأخيرة على ما أحاط بصورة «قائده».
 
لكن على الرغم من راهنية المشكلات التي تحيط ببطلتيها رأت الكاتبة كوثر الجهمي أن مسائل أخرى، أسلوبية وحكائية، وتاريخية أيضا، ينبغي أن تضاف إلى روايتها. في أحيان يبدو ذلك الإدخال قليل الانسجام مع مسرى الرواية. من ذلك مثلا البعد الرمزي، الإضافي، الخارج عن سياق الرواية، الذي يحمله التمثالان اللذان اختفيا كمقدّمة لاختفاء المرأتين (غزالة وحسناء) اللتين تحملان اسميهما. وهناك الحكاية الكاملة للجد (مصطفى الكريتلي) الذي ظل هو أيضا يعاني من الاستبعاد وتشكك الآخرين بكونه ليبيا مئة في المئة. ثم هناك فعل القتل الذي ارتكبه، هو الأب أو والده الجد، من دون مسوغ مقنع، أو إخراج قابل للتصديق، فبدا كأنه فاصل من رواية أخرى، أو بدا أقرب إلى حادثة عابرة ضاعت في ما تلى من أحداث الرواية ووقائعها. ثم هناك السر التشويقي، الذي ظل الجد محتفظا به حتى وفاته، والمتمثل بمعرفته بأن ابنه العقيد، زوج غزالة ووالد حسناء، لم يقتل في حرب التشاد التي أرسله إليها القذافي، بل هو حي يرزق في الولايات المتحدة. ثم ولنضف إلى ذلك كله، البلدان التي تتالت الهجرات منها وإليها، ثم الحرب الدائرة في طرابلس حيث تقيم المرأتان، ثم الخلاف مع العم الذي، بحسب تقاليد المحافظة، يجيز لنفسه الرقابة على زوجة أخيه وابنتها في غياب أخيه أو وفاته.
مسائل كثيرة أدخلتها الكاتبة في سياق الرواية التي بدت ممتلئة، بل طافحة بموضوعاتها. ولم تتأخر الأم وابنتها عن نقاش كل ذلك، سواء إحداهما مع الأخرى أو مع الآخرين من مخالفيهما. وهذا ما أدى إلى توقّف الرواية في فصولها الأخيرة فبدا الاستمرار بقراءتها أقرب إلى أن يكون استعادة لما قرئ في الصفحات السابقة، أي أن شيئا كثيرا لم يترك للصفحات التي تسبق الخاتمة فجاءت مكرّرة لما سبق في فصل سابق منها. هي محطات من روايات متعدّدة كان يمكن للكاتبة أن تنجزها واحدة بعد الأخرى. كما هي تواريخ ومسائل راهنة كثيرة جرى طرحها كلها، ربما بهاجس الأمانة في نقل ما كان قد جرى حقا، وما لا ينبغي إغفال ذكره من المشكلات الجارية الآن.
رواية «عايدون» فيها الكثير من ليبيا التي لم يُروَ (من رواية) عنها إلا القليل. إنها توسع المعرفة القليلة عن البلد الذي كاد اقتصر ما نعرفه من عقوده الأخيرة على ما أحاط بصورة «قائده».
٭ رواية «عايدون» لكوثر الجهمي فازت بـ»جائزة مي غصوب للرواية»، وقد صدرت عن دار الساقي، منظمة الجائزة، في 174 صفحة، 2019.
 
٭ كاتب من لبنان