Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Jun-2020

الكورونا تعيد شيطنة العلم

 الدستور-د. غسان إسماعيل عبد الخالق

 
 
مضى حين من الدهر، تداخل فيه العلم مع الكهانة والسحر والشعوذة والخرافة ؛ فباء العلم جرّاء هذا التداخل بغير قليل من حنق الناس وتوجّسهم وشكوكهم. إن هذا التداخل الذي وصل حد اعتقاد بعض الفلاسفة والعلماء بإمكانية استحداث الذهب، هو فيما نرجّح السبب الذي مازال يديم في لاوعي الناس هذا الارتياب الشديد بمقاصد العلم وسلوكيات العلماء التي لا تخلو أحيانا من أعراض النرجسية المفرطة أو الهوس الشديد أو الرغبة العارمة في امتلاك السيطرة.
ورغم أن هوليوود قد سبق لها أن قدّمت، ما لا يعد أو يحصى من صور المختبرات العلمية المشبوهة والعلماء المارقين المسكونين بهواجس التفوّق والتميّز، دون أي رادع أخلاقي أو إنساني، إلا أن ما رافق جائحة الكورونا من أخبار عن تورط بعض الجامعات أو المختبرات أو العلماء في أبحاث أدت إلى انتشار الفيروس، أعاد للأذهان أيضا، العديد من روايات الخيال العلمي المسوقة بالتحذير من سطوة العلم واستبداد العلماء.
ومن البديهي أن تستأثر رواية (عالم رائع وجديد) للكاتب البريطاني الدوس هكسلي، بالاستعادة والمراجعة على صعيد شيطنة العلم، نظرا لأسبقيتها الزمنية (1932) ونظرا لما اشتملت عليه من توصيف ساخر ودقيق لدكتاتورية العلماء. مع ضرورة التذكير بأن كل ما كتبه ونشره الدوس هكسلي، كان ومازال موضع جدال عنيف بين النقاد والباحثين، جرّاء الطابع الاستفزازي الذي يسمه.
في رواية (عالم رائع وجديد) يرسم الدوس هكسلي المدينة العلمية النموذجية الكاملة ؛ المدينة التي يسودها الضبط والربط العلمي الصارم بعيدا عن المشاعر والعواطف والأحاسيس، والتي لا يحتاج سكانها لبذل أي جهد لأن كل ما يحتاجونه أو يرغبون به رهن إشارتهم بكبسة زر فقط، والتي يسيطر فيها العلماء على الناس بوساطة العقاقير والأكاسير المطوّرة فتجعلهم يتوهمون السعادة، إلى درجة أنهم يضربون عن الزواج ويقبلون بتحديد نسلهم ويرضون بأن يصنّف أبناؤهم الذين خصّبوا في المختبرات في زمر ثابتة لا يجوز لهم أن يغادروها أو يتمردوا عليها!
ولا ريب في أن هكسلي قد استشعر في هذه الرواية، ذلك الخطر الذي لاح له ولكثير من الكتاب والمفكرين بعد الحرب العالمية الثانية، وأعني بهذا الخطر تصاعد سلطان العلم والعلماء على حياة الناس ومستقبلهم، إلى درجة أن الغرب قد غامر بكل مقدّراته الاقتصادية لتحقيق طموحات العلماء التي لا تحدّ، بما في ذلك الطموحات التكنولوجية العسكرية التي يمكن أن تتكفل بإلحاق هزائم منكرة بالأعداء.
إن هوس أوروبا بالعلم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، قد تمخض بطريقة مباشرة وغير مباشرة، عن إفناء عشرات الملايين من البشر، فضلا عن تدمير عشرات المدن وتشريد سكانها. وأما بخصوص ما لحق بالمنظومة الأخلاقية الجمالية في العالم فحدّث ولا حرج؛ لأن كل ما شهدناه ونشهده حتى الآن، من نزعات فوضوية وعدمية وتشاؤمية، في حقول السياسة والفكر والأدب والفن، ليس أكثر من امتداد لتلك الصدمة الهائلة التي أصابت الناس جرّاء خيبة أملهم بالعلم والعلماء قبل قرنين من الزمان!