Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Apr-2019

قــراءة فــي روايــة «قـصـة حـلـم» لسنـاء أبــو شــرار

 الدستور-محمد المشايخ

تتحدث هذه الرواية عن امرأة تعيش حياة سعيدة وتقليدية منذ طفولتها، ثم تتحول حياتها بشكل جذري، وتفقد كل شيء حولها، تضعها الحياة في مفترق طرق بين الفقد المادي الكامل وبين إيجاد الذات المعنوي، وإيجاد الذات في خضم الأزمات والمعاناة يبدو صعباً ويعجز عنه الكثير من الناس حين يفقدون كل شيء. فالثراء المادي منفصل عن الثراء المعنوي، الثراء المادي قد يبقى وقد يزول، ولا يمنح بالضرورة ثراءا روحيا عميقا؛ أما الثراء الذاتي المعنوي فهو ما يجعل الانسان يقاوم ويستعيد نفسه من جديد رغم كل الظروف الصعبة. بطلة الرواية تتجه إلى تصوف روحي ونقاء فكري لتتجاوز تلك الأزمات وتؤمن بعمق أن حلمها البعيد سيتحقق، لقد عاشت حقيقة الحلم قبل أن تعيش وجوده على أرض الواقع، لقد آمنت بأن الله على كل شيء قدير، وأن تلك القدرة المطلقة تحيط بجميع البشر ولكن هناك من ينساها وهناك من يتجاهلها وهناك من لا يؤمن بها، ولكنها آمنت بها بكل ذرة بكيانها، وحين تحقق الحلم البعيد، لم تتوقف عند جماله وروعته بل توقفت عند جمال الخالق الودود الذي حين تغلق كل أبواب الحياة يُبقي بابه مفتوحاً لمن يتوجه إليه وكذلك لمن يدير ظهره ويرحل، فرحمته تنادي تشمل القريب وتنادي البعيد.
تعتبر رواية (قصة حلم) للروائية سناء ابو شرار، في طليعة الروايات الاجتماعية  العربية، التي تعالج قضايا إنسانية عامة، وتخوض في القضايا المسكوت عنها في عالم المرأة العربية عامة، وفيها سرد ينحاز للصوت النسوي في مواجهة القهر الذكوري حينا، والطبقي الأنثوي في أحيان أخرى، للإنسانة المسحوقة داخل مجتمعها، من خلال فن الرواية المستند لعلم النفس الاجتماعي، وما توصل إليه من حقائق، استفادت منها الروائية، فكتبت رواية سيكولوجية، اتخذت ابعادا كونية على صعيد المكان، أما على صعيد الزمان، فكان دائريا، يتراوح بين الحاضر والماضي، دون أن ينسى استشراف المستقبل الأجمل للمرأة العربية.
سناء ابو شرار، القاصة، والروائية، التي كتبت مجموعتين قصصيتين، و 12رواية، أدخلت في روايتها الشمولية هذه، أكثر من قضية عامة، منها العلاقة بين الشرق والغرب، لا كما صوّرها الطيب صالح في روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، بل كما صارت بعد الحادي عشر من سبتمبر، حيث يعتبر الغرب كل العرب إرهابيين، الأمر الذي دفع الكثير من الشباب العربي الذي لم يستطع التأقلم هناك إلى الإنتحار، وتخوض في الأدب البوليسي، لا كما كتبته»إجاثا كريستي»، فلسناء ابو شرار المحامية وجهة نظر أخرى، تنتصر للمرأة التي يقتل المجرم زوجها، بطريقة تؤدي لاتهامها بأنها القاتلة، وبعد أن تقضي سبع سنوات في السجن، يتم القاء القبض على القاتل الحقيقي، وتثبت براءتها، وحين يتم خطف ابنتها والسفر بها إلى دولة مجهولة، تنتصر سناء لها، وتجمعها بالصدفة، وعن غير معرفة أو قصد، بتلك الابنة التي تطلب منها الصعود لسيارتها خشية المطر الغزيز، وفي السيارة يتم التعارف المدهش، وتعالج الروائية ايضا قضية الغيرة بين الشقيقات خاصة، والنساء عامة، وما فيها من أذى نفسي مدمّر، ولم تخل صفحات الرواية من شخصيات طيبة،حميمة، كريمة، تنتصر للخير في مواجهة الشر،ومن شخصيات أخرى تمارس ظلم ذوي القربى بكل ما فيه من أذى وخراب للبيوت، كما تعالج الرواية أثر الاغتراب على الشباب والصبايا، وتؤكد سناء ابو شرار في السياق، أن للبيوت اسرار، دفعتها لكتابة هذه الرواية الدرامية الإجتماعية بامتياز، لتكشف النقاب عن اسراها، وتتوقف عند المشاكل الأسرية، بهدف تحقيق الاصلاح الاجتماعي.
اتكأت الحمولة الفكرية في الرواية على الواقعية النقدية، وقدّمت مادة جاهزة لاستخلاص العبرة والتجربة منها، من أجل تحقيق التكامل بين الرجل والمرأة، دونما أي صراع، فخلقت شخصيات نسوية والصقت بها اقدارها، منها بطلة الرواية نجلاء، التي نهضت من قلب الظلم، وصبرت على القتل والسجن،والخطف، واليتم، وأكملت دراسة الدكتوراة، واصبحت استاذة جامعية، وبعضها، من الجنسين، جرى وراء السراب، وتعرض للإنتحار، أو للطلاق، والدمار، وخراب البيوت، وبعضها الذي كان يمارس النصب والاحتيال والقتل، وجد في النهاية الجزاء العادل الذي يليق به.
أجمل ما في الرواية، أن السرد فيها كان يُشعر القارئ، انه يطالع مشاهد سينمائية، وأحيانا لوحات تشكيلية، بالإضافة إلى التشويق والجاذبية، لا سيما في ذروتها، وعند العقدة، إذ لم يكن من السهل على القارئ أن يتوقف عن القراءة إلا بعد إنهاء خاتمتها، وامتازت الرواية أيضا بأسلوبها السهل الممتنع، وبلغتها الساحرة التي أعطت كل حدث وكل شخصية ما هي أهل له من تفاصيل يتداخل فيها السرد مع المونولوجات الداخلية، والحوارات، والمفارقة التي تبرز ما في الشخصيات والأحداث على الصعيدين السلبي والايجابي.