Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Oct-2018

تشوّف لمستقبل العملية السياسية في الأردن* الدكتور علي عبد السلام المحارمة
الدستور - 
تنبثق الدراسات المستقبلية التي تتبنى رؤى وسيناريوهات مستقبلية من خلال معرفة معطيات الواقع والسياق التاريخي لهذا الواقع لتكوين رؤى منطقية يمكن تبنيها عمليا بموثوقية ومصداقية مختلفة عن مسارات العرافة والعرافين...
ومفهوم العملية السياسية هو مفهوم مرن يستوعب في محتواه كافة الأنشطة والبرامج والحراكات والتوجهات السياسية التي تحدث في نظام سياسي معين؛ بحيث يشمل الافراد والجماعات المنظمة بأحزاب وأوعية سياسية واجتماعية أخرى، او تلك الجماعات التي تعمل بشكل عفوي فطري غير مقنن ولا منظم.
وفي هذا السياق يمكن ادراج مواقف سياسية عديدة متباينة تحت هذا المفهوم بحيث يشمل المشاركة في الانتخابات سواء بالترشح او التصويت، ويمكن ان يشمل التظاهر والاعتصام والمسيرات، كما يشمل التعبير بوسائل ناعمة كالكتابة او التعبير الفني او اصدار البيانات، وأذهب انا الى ان مقاطعة العملية السياسية تعتبر موقفا سياسيا له اثاره على العملية السياسية، ويجب ادراجه ضمن تفاعلات هذه العملية رغم انه قد يبدو لوهلة موقفا سلبيا لا أثر له.
وفي السياق التاريخي للعملية السياسية في الأردن نجد ان هناك العديد من الملاحظات التي تلقي بظلالها على فرص تبني سيناريوهات وصور مستقبلية لهذا النظام، وأبرزها:
أولا: تفشي حالة من عدم الثقة واليقين لدى الرأي العام الأردني تجاه نخب سياسية واقتصادية واجتماعية، والتي أفضى تصدرها للمشهد خلال العقدين الماضيين الى الأوضاع المتردية حاليا.
وهذا الامر يمكن تحليله واسقاطه على الرؤية المستقبلية للعملية السياسية بأن المشهد القادم سيحتوي بشكل كبير ظهور نخب جديدة في كافة القطاعات، وبروز شخصيات وطنية جديدة ذات طروحات غير نمطية ومختلفة عن السياق التاريخي النمطي.
وبالتالي سيخبو بريق العديد من الشخصيات التي اعتادت تقلد المناصب والمواقع القيادية تاركة المجال للنخب الجديدة، واعتقد ان هذه الصورة سوف تتجسد بشكل مباشر خلال الانتخابات النيابية القادمة بشكل اولي واساسي، ثم سيتبعها تغيرات في المواقع الأخرى التي لا يد للرأي العام بشكل مباشر في تغييرها.
ثانيا: ترسخ القناعة لدى غالبية الأردنيين أن العيب في العملية السياسية  لا يتحمل وزره الأشخاص وحدهم، بل أيضاً آلية العمل وديناميكية صنع القرار، وذلك بناء على السياق التاريخي لهذه العملية خلال العقدين الماضيين، حيث تم تغيير العديد من الأشخاص والمسؤولين والمناصب دون جدوى تذكر.
وهذا الامر يمكن اسقاطه على الرؤية المستقبلية لهذا النظام بأن المطالب ستتصاعد من اجل ادخال تعديلات واسعة على الدستور والقوانين والمنظومة التشريعية بشكل عام سعيا وراء الوصول للآلية الأنسب للارتقاء بأداء النظام وعمليته السياسية.
وبناءً على الموروث التاريخي للنظام السياسي الاردني فإن تلك المطالب ستجد حتما اذاناً صاغية لدى صانع القرار، وسوف يتم ادخال العديد من التعديلات التشريعية التي ستكون قريبة من مطالب غالبية الفاعلين في العملية السياسة بدءاً من قانون الانتخاب وانتهاء ببعض نصوص الدستور.
ثالثا: تراجع قيّم الابعاد القومية وعبر الوطنية الدينية والفكرية الأخرى لحساب الهم الوطني، وذلك بفعل الازمات الاقتصادية المتلاحقة؛ أو بالأحرى الأزمة الطويلة المستمرة والمتفاقمة منذ أكثر من عقدين، وربما كانت الابعاد عبر الوطنية هي بحد ذاتها سببا لهذه الازمات.
وفي هذا السياق نجد ان آثار التفاعلات الإقليمية العاصفة تلقي بظلالها على تفاعلات العملية السياسية للنظام السياسي الأردني أكثر من أي نظام آخر، فعلى سبيل المثال نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية ستفضي لمعطيات ومحددات جديدة في العلاقات الأردنية العراقية خلال المرحلة القادمة، وذلك له أثره على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الأردن نظرا لأهمية وحجم هذه العلاقات، ناهيك طبعا عن تفاعلات القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني والملف السوري واليمني وملفات أخرى عديدة.
ويمكن تحليل هذا الامر واسقاط معطياته على الصورة المستقبلية للعملية السياسية للنظام السياسي الأردني، فنجد ان السياق التاريخي لهذه العملية تشير الى أن تطورات وتفاعلات النظام السياسي الاردني بقيت مرتبطة بشكل وثيق في الاحداث الجارية على مستوى الإقليم، وبالتالي فإن قضية صفقة القرن او الحلول المقترحة من اميركا وعدد من دول الإقليم للقضية الفلسطينية ستكون بمثابة محور أساسي يلقي بظلاله على تشكيل ورسم السياسة الخارجية الأردنية، وفي ذات السياق على توجهات النخب السائدة، وعلى إفراز هذه النخب.
لاسيّما وأن غالبية الأردنيين يتبنون موقفا سلبيا لهذه الصفقة، ويكادون يجمعون أن تبنيها بصورتها المتداولة حالياً يعتبر بمثابة خيانة للأردن قبل أن يكون خيانة لفلسطين.
وهناك العديد من المحاور الأخرى التي يمكن رصدها حاليا لمعرفة آثارها على الصور المستقبلية للعملية السياسية للنظام السياسي الأردني، منها على سبيل المثال: وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الالكتروني الذي لا يمكن توجيهه بشكل قطعي، ومنها أيضا إسقاطات الأوضاع الاقتصادية في ظل الادراك ان الاقتصاد هو المؤثر الأكبر في العملية السياسية لأي نظام...
وبناء على ذلك، أجد ان مستقبل العملية السياسية للنظام السياسي الأردني سيكون غنياً بالتغييرات والمسارات غير النمطية، وربما يتحقق الإصلاح المنشود من خلال التغيير الذي سوف يفرض نفسه بشكل حتمي لا يقبل مزيدا من المواربة والتسويف والترقيع.
*باحث بالنظم السياسية