Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Jan-2021

إلغاء صفقة

 الغد-معاريف

 
بقلم: الون بن دافيد
 
22/1/2021
 
عند سماع التعابير الحماسية التي رافقت مراسم التنصيب هذا الأسبوع، كان يمكن الاعتقاد بأن العجوز الذي يدخل الى البيت الابيض أنه طرد الشيطان. وبالفعل، فإن الطريقة التي خرج فيها ترامب من واشنطن كانت خلاصة موجزة لولايته: بشعة، تافهة ودون ذرة ذوق. وهو سيسجل في التاريخ الأميركي كالرئيس الذي بعث بالمتظاهرين لتهديد الديمقراطية، ولكنه في تاريخ منطقتنا سيسجل كالرئيس الذي غير وجه الشرق الأوسط خيرا، وهذا لا يمكن قوله عن أي رئيس آخر في العقود الأخيرة.
جورج دبليو بوش الذي كان مشبعا بالنوايا الطيبة، خرب النظام القديم والمستقر في المنطقة وأدى به الى الفوضى. جاء باراك أوباما فبث ريح اسناد في “الربيع العربي” وقضى بالموت على مئات الآلاف، والبؤس على الملايين. وفي الطريق أعطى إيران أيضا الضوء الأخضر والقدرة الاقتصادية على الانتشار في العراق، سورية، لبنان واليمن ونشر بشرى إرهابها. كارتر وكلينتون أعطيا شرعية متأخرة للاختراق الذي حققته إسرائيل بنفسها مع مصر، الأردن والفلسطينيين. أما ترامب مقارنة بهم فكان مغيرا حقيقيا للعبة.
بنصف سنة حقق أربعة اتفاقات اعتراف وسلام بين إسرائيل ودول عربية وأعاد قطر الى حضن الأمة العربية. ما كان ملزما بأن يفعل هذا. كان يمكن لترامب أن يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء مقابل صفقة سلاح، ولكنه أصر على أن يتضمن الاتفاق اعترافا بإسرائيل. كان يمكنه أن يبيع F35 للإمارات دون أن يرمش له جفن، ولكنه أصر على أن يكون هذا في إطار اتفاق سلام مع إسرائيل.
سيدعي المتذمرون بأنه حقق اتفاقات مع دول لم تكن لها علاقات عداء مع إسرائيل، ولكن الحقيقة هي أن أيا من أسلافه لم يحقق هذا. في أثناء الأشهر الأخيرة صب ترامب الأساسات لحلف إسرائيلي-عربي ضد إيران وجعل إسرائيل شريكا شرعيا للعالم السني. هذا التغيير سيبقى لسنوات أخرى بعد رحيله، وكذا الاعتراف الأميركي بعاصمة إسرائيل سيبقى حقيقة قائمة. اذا كانت لبايدن الحكمة لاستخدام الزخم الذي بدأه ترامب، فسيكون ممكنا حقا أن يتأسس هنا شرق أوسط جديد.
في هذه اللحظة يتمثل ميل بايدن في أن يلغي بسرعة كل ما فعله سلفه. فمن اللحظة التي جلس فيها في الغرفة البيضاوية بدأ يجري تراجعا (Undo) عن كل قرارات ترامب، تماما مثلما فعل ترامب بقرارات أوباما. واضح أن ترامب خلف وراءه الكثير من الخراب والضرر الذي يتعين إصلاحه، ولكن سيكون من الخطأ أن تلغي الإدارة الجديدة إنجازاته في الشرق الأوسط.
سلسلة تعييناته لا تبشر بالخير. يكاد يكون كل رجال أوباما، مهندسو الاتفاق النووي البائس مع إيران، وضعوا في مواقع أساسية: مستشار الأمن القومي جيك سلبيان، رئيس السي.اي.ايه بيل بارنس، نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان، وفوقهم المهندس الرئيس للاتفاق جون كيري، الذي سيكون عضوا في كابينت بايدن. كل هؤلاء يبعثون على قلق في إسرائيل لا تهدئه حتى رسائل التهدئة التي بعث بها وزير الخارجية المرشح توني بلينكن.
ينتظر رئيس الوزراء المكالمة الهاتفية الأولى مع بايدن كرئيس كي يفهم اذا كان يعتزم العودة الى الاتفاق النووي السابق كنقطة بداية، أم أنه منفتح على صياغة اتفاق نووي جديد ومحسن. وفقط بعد هذه المكالمة سيقرر نتنياهو اذا كان سيعود للعمل ضد الإدارة، مثلما فعل في عهد أوباما أم سيعمل مع الإدارة كي يحسن الاتفاق. يميل نتنياهو للتفكير بأنه لا يمكن تحقيق اتفاق محسن.
لقد أجملت قائمة الأماني المثالية في إسرائيل حيال ايران على نحو جميل في وثيقة الـ”12 نقطة” لوزير الخارجية السابق مايك بومبيو. وهي تتضمن قيودا متشددة على البرنامج النووي الإيراني، على التوسع في المنطقة، على دعم الإرهاب ونشر الصواريخ الباليستية. لا أحد يقع في الوهم بأنه سيكون ممكنا تحقيق كل القائمة، ولكن من استطلاع غير علمي أجريته في الأسابيع الأخيرة في القيادة الأمنية لإسرائيل يوجد إجماع حول نقطة واحدة: “فقرة الغروب”. هذه هي الفقرة التي تقول إنه في 2025 سترفع القيود عن البرنامج النووي، أي تمنح إيران رخصة لإنتاج سلاح نووي -وهي واجبة الشطب.
باستثناء هذه الفقرة الإشكالية -تنقسم الآراء. ثمة من يعتقد أنه يجب التركيز على تشديد القيود على البرنامج النووي، وثمة من يدعي بأن من الأفضل التركيز على تقليص النفوذ الإقليمي لإيران. والأغلبية تعتقد أنه اذا واصل بايدن الضغط الأقصى للعقوبات على ايران، فسيكون بوسعه أن يحقق اتفاقا أفضل لإسرائيل. ويبدو إعلان الحرب على إدارة بادين في هذه اللحظة كالإمكانية الأقل نجاحا من ناحيتنا.
فما بالك أن نتنياهو سيستصعب الآن تجنيد الكونغرس ضد الرئيس مثلما فعل في الماضي. فإدارة بايدن تكاد تكون بلا عوائق. فهو يتمتع بسيطرة في مجلس النواب وبقدرة على تحقيق أغلبية في مجلس الشيوخ. من بين التوازنات البارزة لمبدأ فصل السلطات لم تتبق الا السلطة القضائية، حيث تمكن ترامب من تعيين قاضية محافظة يمكنها أن ترجح الكفة وتجعل المحكمة العليا كدية. وبالتالي ففي موتها أيضا أسهمت القاضية روت بايدر غينسبرغ للديمقراطية الأميركية.
مظاهرة الازدواجية
يتعين على بايدن أن يجد توازنات وكوابح للسلطة الرابعة والأهم التي تقف حياله: الشبكات الاجتماعية. ففي مظاهرة مذهلة من الازدواجية والتزلف أسكتت الشبكات الاجتماعية ترامب ومؤيديه في أواخر أيامه، وذلك بعد أربع سنوات فعل فيها العجائب في أروقتها. “فيسبوك” و”تويتر”، اللتان تعطيان منصة لكل الدنس البشري، واللتان تضخان أنهارا من التلوث والمجاري الى عقولنا، تذكرتا فجأة بأنهما مسؤولتان أيضا عن المضمون الذي ينشر فيهما.
بعد أربع سنوات من إضرام الكراهية ونشر كل رسالة نكراء، فهم أصحاب الشبكات بأن المشرعين الأميركيين يوشكون على أن يتخلصوا منها وسيفرضون عليها قيودا ومسؤولية. وخرجت الشبكات الآن عن طورها لمداهمة بايدن ومحظور عليه أن يزوغ بصره من هذه الملاطفة. فإذا ما أصبحت “تويتر” و”فيسبوك” فجأة حساستين جدا لنشر الرسائل موضع الخلاف، فلتتفضلا وتغلقا أيضا حسابات الدكتاتوريين الوحشيين، منظمات الإرهاب وداعميها، اللاساميين وباقي باثي السموم. من يرغب في أن يجلب بشرى التغيير ملزم بأن يوقف تسيب الشبكات الاجتماعية.