Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Sep-2020

السلطان والرئيس: القوى الاستعمارية القديمة تتنافس على النفوذ في لبنان

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
تقرير خاص – (الإيكونوميست) 3/9/2020
 
تنافس القوى الاستعمارية القديمة وغيرها من القوى الخارجية على النفوذ في لبنان قد يجر البلد إلى مزيد من الصراعات.
* * *
بيروت – مع أن الاحتفالات ظلت مستمرة، كان الأمر كئيبًا. قبل قرن من الزمان، وقف المسؤولون الفرنسيون في قصر الصنوبر المهيب (فيلا السفير الفرنسي) في بيروت، وقاموا بإخراج لبنان من نطاق انتدابهم في سورية. وفي الأول من أيلول (سبتمبر)، سافر إيمانويل ماكرون إلى هناك لإحياء ذكرى ذلك الحدث وليحاضر بالسياسيين الذين ساعدوا على تحويل لبنان إلى دولة فاشلة ويعنفهم.
لطالما كان لبنان دمية في أيدي القوى الأجنبية. وقد تدخلت كل من أميركا، وإيران، وإسرائيل، والسعودية وسورية في السياسة المعذبة لهذه الدولة الصغيرة. ومع غرق لبنان في أزمة اقتصادية وإنسانية، يبذل اثنان من أسياده الاستعماريين القدامى؛ فرنسا وتركيا، مساعي مقلقة من أجل استعادة النفوذ هناك.
كانت هذه ثاني زيارة يقوم بها السيد ماكرون منذ أدى انفجار هائل في ميناء بيروت في 4 آب (أغسطس) إلى مقتل ما يقرب من 200 شخص. وقد استقال رئيس الوزراء، حسان دياب، بعد ذلك بوقت قصير. وعلى مدى أسابيع، رفض الرئيس ميشال عون استشارة البرلمان بشأن من يخلفه. لكنه استدعى النواب فجأة للاجتماع في الحادي والثلاثين من آب (أغسطس). وشبه المتندرون خطوته بطفل يندفع لإنهاء واجباته المدرسية قبل عودة الأب إلى المنزل.
يتحدث السيد ماكرون باسم الكثيرين عندما يدعو إلى تغيير سياسي في لبنان الذي حكمته لعقود من الزمان مجموعة من العجائز الفاسدين الذين يوظفون الخوف ويستغلون الولاءات الطائفية للبقاء في السلطة. وقال ماكرون: “من الواضح أن الهدف من هذه الزيارة هو وضع نهاية لفصل سياسي”. ومع ذلك، فإن الرجل الذي سيقود هذه البداية الجديدة لا يمثل قطيعة عن الماضي حقاً. كان الاختيار غير المتوقع لمنصب رئيس الوزراء هو مصطفى أديب، سفير لبنان في ألمانيا، الذي حصل على دعم 90 نائبًا من أصل 128.
بالنسبة للكثيرين، فإنه هذا الدعم بالذات هو الذي يجعل السيد أديب موضع شك. إنه شخص غير معروف سياسيًا، لكنه ليس دخيلًا أيضاً. فقد عمل مستشاراً لنجيب ميقاتي؛ رجل الأعمال الملياردير الذي خدم فترتين كرئيس للوزراء وما يزال يصارع تهماً للفساد. وحصل السيد أديب على دعم سعد الحريري، وهو أيضاً ملياردير ورئيس وزراء سابق والسياسي السني الأبرز في البلد. كما أن الحزبين الشيعيين الرئيسيين؛ حزب الله وحركة أمل، وحلفاء السيد عون المسيحيين يقفون وراءه أيضاً. ومن غير المرجح أن يعمد رجل اختارته المؤسسة إلى مواجهتها.
وحتى لو جاء مصلح حقيقي، فإن مشاكل لبنان سوف تربكه وتغمره. فقد انهار اقتصاده البلد، وفقدت العملة 80 في المائة من قيمتها في السوق السوداء منذ تشرين الأول (أكتوبر)، وبلغ معدل التضخم السنوي 112 في المائة في تموز (يوليو)، وقفزت أسعار المواد الغذائية إلى أربعة أضعاف، ويعيش أكثر من نصف اللبنانيين في فقر.
في السنوات الماضية، ربما كان لبنان قد تطلع إلى الخليج ولجأ إليه من أجل الإنقاذ. وكانت المملكة العربية السعودية راعياً منذ فترة طويلة للطائفة السنية في لبنان. لكن إحباطها من السياسة اللبنانية جعل المملكة تتراجع في السنوات الأخيرة.
وترك ذلك فرصة لدخول رئيس تركيا؛ رجب طيب أردوغان، الذي عمد هو وبطانته إلى إقامة علاقات مع السنة في المناطق المهملة من البلد. وقامت وكالة المساعدات الخارجية التركية ببناء مراكز ثقافية ومولت مشاريع أخرى. وحصل آلاف اللبنانيين على منح للدراسة في تركيا. وحصل آلاف آخرون على الجنسية على أساس أنهم ينحدرون من أصول تركية. وزار نائب الرئيس التركي بيروت بعد الانفجار وعرض مساعدة بلده في إعادة بناء الميناء.
على النقيض من السعوديين، لم يضع أردوغان دعمه وراء حزب سياسي. لكنه كوّن مع المقربين منه مجموعة من الأصدقاء الأقوياء في البلد. أقام هاكان فيدان، رئيس المخابرات التركية، علاقة مع نظيره اللبناني النافذ عباس إبراهيم. وكان الحريري ضيفاً في حفل زفاف ابنة أردوغان في العام 2016.
يثير نفوذ تركيا المتزايد قلق الكثيرين في البلد. لم تكن أيام احتضار الحكم العثماني فصلاً ممتعًا في تاريخ لبنان: فقد قتلت المجاعة التي بدأت في العام 1915 نصف سكان هذه المنطقة الجبلية. ويشعر أفراد الجالية الأرمنية الكبيرة بالقلق بشكل خاص؛ حيث ينحدر الكثير منهم من اللاجئين الذين فروا من الإبادة الجماعية في العهد العثماني في شرق تركيا قبل قرن من الزمان، التي يعد لبنان واحداً من البلدان العربية القليلة التي تعترف بها.
كانت هناك حادثة معبرة هذا الصيف، عندما وصف نيشان دير هاروتونيان، وهو مذيع تلفزيوني لبناني أرمني، السيد أردوغان بأنه “عثماني بغيض” على الهواء. ويواجه السيد دير هاروتونيان الآن المحاكمة. وقد أثارت كلماته احتجاجات خارج الاستوديو وشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي من لبنانيين من أصل تركي. وأعلن أحد أعضاء هذا المجتمع نفسه “فخورًا بالمجزرة التي ارتكبها أجدادنا العثمانيون”.
في الوقت الحالي، لبنان في حاجة ماسة إلى المساعدة، بغض النظر عن مصدرها. وقد أمهل ماكرون، الذي يخطط لعقد مؤتمر للمانحين، السيد أديب شهرين لإجراء إصلاحات. ويقول ماكرون إن فرنسا “تطالب، ولا تتدخل”، وأنها تحاول “تحرير” السياسة اللبنانية وليس فرض بديل. لكن الأمور نادراً ما تكون بهذه البساطة في لبنان. فسياسيوه مترددون في الإصلاح، وغالبًا ما يتعامل رعاتهم الأجانب مع البلد على أنه صراع محصلته صفر.
قد تجد فرنسا وتركيا نفسيهما على طرفي نقيض أيضًا. فالدولتان تتنافسان مسبقاً في شرق البحر الأبيض المتوسط. ويمكن لدور تركي أكبر في لبنان أن يجر الإمارات العربية المتحدة إلى البلد، وهي دولة صغيرة، لكنها نافذة، والتي تنظر إلى نسخة السيد أردوغان من الإسلام السياسي باعتبارها تهديدًا وجوديًا. وقد يتحول الفصل المقبل في لبنان إلى صراع جديد بين حكامه القدامى فحسب.
 
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: The sultan et le president: Old colonial powers are bidding for influence in Lebanon