Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Feb-2019

قراءة في ديوان «في كفها حناء شمس» لردينة آسيا

 الدستور-أ.د. عبدالرحيم مراشدة

قبل الحديث عن ديوان «في كفها حناء شمس»، للشاعرة ردينة آسيا، أرى من الجدوى الإشارة إلى قلة الكتابات النسوية في عالم الشعر والأدب، على خريطة الشعر المحلي، على الأقل، وهذا يعطي حافزا كامناً لدى المتلقين للإطلاع على الأدب النسوي، وصولاً إلى الوقوف على المنتج الإبداعي الخاص بهذا النوع من الكتابات، كما ويعطي تشجيعاً للناقد لرصد المنتج النسوي من الإبداع، مقارنة بغيره من الإبداعات المحايثة والمصاحبة له، ولعل هذا ما شجعني على كتابة هذه المادة، وشجعني أمر آخر، وهو لا بد من أن يحتفي الدرس النقدي الحديث بمنتج الشباب والأخذ بأيديهم، وعدم الإقلال من شأنهم.
لقد اختارت الشاعرة (ردينة) في هذه المدونة شكلاً شعرياً، يمكن تصنيفه بسهولة في شجرة الأجناس والأنماط الإبداعية، فقد اختارت جنس الشعرالعربي العام، واختارت نمطا تقليدياً معروفاً من الشعر العربي، وهو الشعر الكلاسيكي، القائم على الالتزام بالوزن والقافية وتحديدا العامودي منه، هذا يضع الشاعرة أمام اختبار صعب، حيث الذي يريد أن ينحى هذا المنحى سيجابه بالسؤال: ما الجديد؟ وما هي الإضافة الممكنة على ما كتب من السابقين، في عصورنا التاريخية التي نعلم، والإجابة على مثل هذه الأسئلة يتطلب العودة للمدونة الشعرية الموسومة: (في كفها حناء شمس)، ولهذا سأبدي الملاحظات التالية:
1- المشهد الشعري في الأردن في المرحلة الأخيرة أصابه ارتباك لافت، وقلة هم الذين تابعواالتحولات المنهجية والتطورات الشعرية العربية والعالمية بشكل مرضٍ، ووهذا هو حال الشعر في كثير من الأقطار العربية، ولعل انفتاح تقنيات التواصل الاجتماعي أصبحت تؤثر سلباً أو إيجاباً على على رواج النصوص، غثها وسمينها، وهذا يضيف عبئاً على التمييز بين النصوص لتحديد الجنس، والنوع والقيمة، وحيث الشعر يعرف مما ليس منه، فلا بد من الإشارة إلى وجوب التفريق بين المصطلحات بشكل ينم عن وعي بالذات ووعي النص والعالم، فمثلاً في حالة الكتابة الشعرية لابد من التفريق بين الشاعرية والشعرية، كثير ممن يمتلكون الشاعرية والإحساس والعواطف ولكنهم لا يتقنون مكونات الشعرية، ولا يتقنون التعامل معها. 
2- إذا كنت تريد تقليد شاعر ما فقلد شاعرا لم يولد بعد، هذا كلام لأدونيس على حين حوار، وهو محق هنا لخلق حالة من التفرد والتميز، والنص الأجمل باعتقادي هو ذلك النص الذي لم يكتب بعد، فلا يعتقد مبدع أنه كتب النص النهائي والمكتمل، هنا يسقط في دائرة الوهم والجهل. من هنا يمكن القول: إن على الشاعر أن يتخلص من الشعر الذي يتشكل في إطار جاهز أبداً، فالشعرالمتميز هو الذي يقع في دائرة الإبداع- الخلق- ولا يرتضي الانضغاط في قالب يتأسس له سلفاً، شكلا ومضموناً، فهذا مزلق يقع فيه كثير ممن يحاولون الكتابة الشعرية.
3- وما دمنا بصدد الكتابة الإبداعية المستندة إلى نمط شعري قار ومعروف وهو الشعر العمودي والكلاسيكي، لابد حتى نكون أمام الشعر أن نعي مدى الانزياح والتجديد والاختلاف فيما نحن فيه من قراءة، مع الاحتراز هنا والأخذ بعين الاعتبار أن المدونة التي بين أيدينا هي لشاعرة تقدم باكورة إنتاجها الأول، وهذا يشفع لها عدم التقدم النوعي كثيرا في طرائق الحداثة وأساليبها، لكن تجربتها حرية بالنظر والأخذ بعين الاعتبار.
بعد هذه النقاط نود العبور إلى مدونة الشاعرة ردينة، لنرى مدى الحكمة في إنجاز هذه المدونة، ونبدأ من العتبات المقدماتية التي تتأسس عليها هذه المدونة، فهي، بوصفها منشئة لهذا المدونة، من الكتابة الإبداعية، تضع عنوانا فيه انحرافاً سياقيً ومضمونيً في آن، فعنوان المدونة، كما هو مثبت على الغلاف: (في كفها حناء شمس)، يتكون من جملتين: ظرفية وخبرية، ولا يمكن أن ننفي عن هذا العنوان شعريته، وذلك منذ العبور لمكونات هذا العنوان/ العتبة الأولى، يرى (جان كوهن) في كتابه ذائع الصيت « بنية اللغة الشعرية»: بأن الشعر، ضمن المفارقات المدهشة والخارجة عن المألوف يشكل (أثرا جماليا يصدر عن الأشياء وليس عن الكلمات... فالقصيدة الشعرية هنا – أي وفق هذه الرؤية – ليست التعبير عن عالم غير عادي، إنما هي التعبير غير العادي عن عالم عادي، إن القصيدة الشعرية هي كيمياء الفعل» (كوهن (جان) بنية اللغة الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمْري، الدار البيضاء، دار توبقال، 1986 ص113)، فالعنوان هنا يقوم على مفارقة سياقية واضحة قائمة على صورة بلاغية لكنها غير تقليدية، منحرفة عن الواقع، وإن كان لها جذور في البلاغة العربية القائمة على الاستعارة أو الكناية، ثم إن عملية الإسناد والبعد التركيبي لبنية الجملة الداخلية جاء بتقديم ما حقه التأخير، حيث تقدمت شبه الجملة (في كفها) لينطوي تحتها تقديم الذات، وتم تأخير الجملة الخبرية (حناء شمس)، لتعطي مساحة التخييل والإدهاش، وكما هو لافت من هذا السياق، نجد التوكيد على الذات، وعلى الكف، وكما نعلم أن الكف وفق هذا التعبير، تشي بالقدرة والجمالية من جهة، وعلى لفت الانتباه للكف التي هي منطلقة من الذات، وهو نوع من تمجيد الذات، من جهة أخرى، وقد يحتمل طبقات معنوية اخرى لا مجال للتوسع فيها هنا.
السؤال يبقى لافتا عن هذه الشاعرة، والذي يثير السبب وراء كتابة هذا النمط الكلاسيكي من الشعر، لعلها هنا تود القول إن الشعرية والشعر موجودة في الإبداع منذ اقدم، ولسنا بصدد موت الشعر القديم، حيث يذهب كثرة من الشباب والمبدعين إلى العزوف عن الكتابة الكلاسيكية لهذا النمط، فتحاول الشاعرة إثبات عكس مثل هذه المقولات، ولقد تمكنت بحق من الإجابة عن ذلك، من خلال إظهار قدرتها على الكتابة بهذه الطريقة، فاعتمدت أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقامت بالتنويع على البحور فلم تلتزم بحراً واحداً، لتثبت وجودها وحضورها وتمكنها.
ردينة الشاعرة إذاً، كانت واعية لذاتها ولشعرية القول في كتاباتها، وأدركت أن الشعرية ليست فقط في النمط بقدر ماه في مكونات الشعرية، فاعتمادها هذه الطريقة حمّلها عبئا إضافياً لتأسيس شعريتها الخاصة عبر نمط الشعر الكلاسيكي، ومن هنا توسلت بما يلي لتجد لها مكاناً لافتا على خريطة الشعر المحلي على الأقل:
أ‌- حاولت الكتابة في موضوعات معاصرة، تتناول مستجدات الواقع، وبخاصة ما له له علاقة بالفكر العربي والحضارة العربية والظروف السائدة، ومثال ذلك القصائد: (بغداد، هنا شعبي، مليك القلب، صدام ...الخ)، فهذه القصائد تحيل إلى مرجعيات معينة منها الوضع العربي في العراق، والربيع العربي والهزائم المتتالية للعرب، وسعت لتمجيد بعض الأبطال العرب، والتوكيد على أهمية الشعوب العربية، ودورها في الفعل التحرري، أو الظلم الذي يقع على الشعوب ..الخ) ونمثل على ذلك من قصيدة بغداد، عند قولها: 
«يُنادي حلْمنا زمنًا/ جميلَ الهَدي قَدْ يبدو/ فلا حقد ٌ يُفَرّقُنا/ ويفْنى بيننا الحدُّ/ فلسطينٌ مُحررةٌ/ يصول رجالها أسْدُ/ وشامُ العزّ نخوتُها/ خيول ٌمالَها عدُّ/ ترى بيروت زينتها/ طواِئفها هي العِقدُ/ فراتٌ في جَدائِلها/ يذوبُ الحُبُّ والوجدُ/ وقاهرةٌ تغازلنا/ تراقص نيلَها الغيدُ».
ب‌- سعت الشاعرة في اتجاه يجمع بين البعد الإنساني والاجتماعي، حيث الحس الاجتماعي نتاج منظومة لها مرجعيات إسلامية عربية، وعادات وقيم وأعراف تحترمها الشاعرة وتنتمي إليها، هذا البعد يسهم في التوكيد على معالجات معينة، ومن هنا تحاول الشاعرة لفت الانتباه لها وتعزيزها، وفي الوقت نفسه تحاول نقد بعض التفاصيل الحياتية وتقدم تجاهها رؤية معينة ووجهة نظرها، وهذا المنحى يعمل على ما يعرف في المسرح والقصة، لا سيما في تقديم بعض المشاهد، باسم (التطهير) أي تنقية النفس الإنسانية من الشرور والسلبيات التي يمكن أن تصيب المجتمع وتؤثر فيه، ولهذا نجد بعض التفعيل للمشاهد الدرامية، وتسريد النص باتجاه الحكاية وقصة الذات، والآخر، وحتى قد يصل لقصة تفاصيل العالم المحيط، والشاعر لا يمكن له أن ينفصل عن العالم والكون والحياة، بتعبير (رولان بارت) المبدع والشاعر تمثل له الكتابة وسيطاً بين اللحمة /الجسد والعالم. ومن هذا النمط نجد القصائد: (فطر يا أيها المجروح، و نسيم) ونمثل منهما بهذه الأبيات:
« كفى يا أيّها العادي لعمري/ فلنْ أخشى لأحلامي انتزاعا/ ولنْ أرضى لمجرى النّهرِ سداً/ ففضْ بالعزم يا نهر اندفاعا/ فطِرْ يا أيها المجروح صبْحاً/ وطر ْ، تأبى السّما إلّا ارتفاعا/ وحلّقْ بالْجوى فالشّدو دمعٌ/ وبات الشدو في حزني يراعا».
 وفي قصيدة نسيم، تنحى الشاعرة إلى المسألة نفسها، حيث تأخذ الشاعرة أسلوب المناجاة والتوجد وحكاية الوجود والحياة ومعطياتها، وفي ذلك تبيان للحس الإنساني المتناغم مع الحس الاجتماعي المعيش، ونذا النمط حافز للتلقي والقراءة والتمثل والتامل.
 ج – بقي نمط أخير، وقد كثر في هذه المدونة الشعرية، الذي يشكل ارتياحاً للذات الإنسانية، إذ يتداخل النص الشعري ليتشرب من موضوعات تحيل إلى الغزل، وينهل أسلوبياً من الرومانسية، فقصائد الحب تجد مكاناً لها لدى جيل الشباب من الشعراء، وهو أمر طبيعي، لا سيما وأننا مع شاعرة شابة، لكنها بحق تحاول بعناية وثقة شق طريقها بين الشاعرات لتكن مثالاً جيدا على الأدب النسوي المحلي والشعري منه خاصة. ومن هذه القصائد نجد نوعين: نمط كانت اشتغالاته الأسلوبية والموضوعية تحيل إلى المعاصرة ومعطياتها، رغم أنها تتلبس الثوب الكلاسيكي القديم من الشعر العامودي، لكن لغتها ومضموناتها لا تنفصل عن الواقعي والمعيش والمعجم اللغوي المعاصر، كما في القصائد الموسومة: (في كفها حناء شمس،وترفق، ورق القلب ..الخ) وفي مثل هذه القصائد لن تجد لغة صعبة ولا أنساق ثقافية مربكة باعثة على الإغراق في التحليل، وانما هي أقرب للتداول، ولهذا جاءت الصور والأخيلة فيها سهلة، ويمكن تفكيك مضامينها الداخلية بيسر، ونمط آخر، راح ينهل من مرجعيات لغوية وأسلوبية تحيل إلى المعجم اللغوي القديم. 
ونمثل على هذا النمط بالسياقات الشعرية التالية، من قصيدة (كؤوس الأندرينا)، وهي كما هو معلوم تتقاطع وتتعالق نصياً مع قصيدة عمر بن كلثوم، المعلقة الشهيرة التي تبدأ بالمطلع: 
«ألا هبي بصحنك فاصبحينا/ ولا تبقي خمور الأندرينا» ولهذا تكون هذه القصيدة وحكايتها مهمة في عبورها لسياق النص الشعري المعاصر،عند الشاعرة ردينة، ونقتطف من القصيدة السياق التالي:
«ألا نبكي أيا شعب السنينا/ ألا نبكي عروس الأرض فينا؟ فسلمى خلف سور القدس صاحتْ: متى تصحو عيون النائمينا؟ متى تعلو مآذننا بأقصى؟ أيبقى الدّمع في المسرى رهينا؟».
نؤكد أن في هذه السياقات تتضح موضوعة الحرب، وقصة العرب الحالية وتخاذلهم وتراجعهم، في حين تود الشاعرة المقارنة مع النخوة العربية والهمة العربية، في نفسية الفارس العربي من أمثال، عمرو بن كلثوم، فتسريد النص وعبور جنس القص على الشعر هنا جاء لاستنهاض الهمم أمام ضياع الأرض العربية والمقدسات، ومن هنا يجري تبرير مثل هذه النصوص في مدونة الشاعرة ردينة الشعرية.
وبعد، أرى في هذه الشاعرة امتلاكها لأدواتها الشعرية، ووعيها لذاتها، ووعيها للواقع الذي تعيش، ولها قدرة على استشراف الأبعاد التي تكلمنا عنها، اجتماعيا وسياسيا وإنسانيا، ويبدو جليا تمسكها بتراثها وتاريخها، وهذا ما تمثل بتوسلها نمطية القصيدة القديمة،لا سيما الكلاسيكية منها، ومن هنا تشكل هذه المنطلقات للشاعرة أرضاً خصبة للتحول والتطور مستقبلاً، لتكون شاعرة واعدة، شاعرة يمكن أن تتطور وتشق طريقها في مساحة ليست سهلة، في حقيقة الأمر، ولكم نحتاج إلى إثراء هذه المساحة، لأننا أمام تراجع لافت لإسهام المرأة بالإبداع قياساً مع الجنس الآخر، ولهذا لا بد من الأخذ بيدها نحو درب نأمل أن يكون مشرقاً لها بحول الله.