Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-May-2019

الشاعر الإماراتي محمد البريكي: بيت الشعر حلم الشعراء والمبدعين.. رؤية حاكم الشارقة

 الدستور-حاوره: عمر أبو الهيجاء

«أنا من عشاق الرمز الشعري، لأن الشاعر في كل الأحوال يمتلك القدرة على المراوغة الشعرية»، هذا ما ذهب إليه الشاعر الإماراتي محمد البريكي، مؤكدا أنه يذهب إلى القصيدة المفتوحة التي تتلون فيها حروفه وتنبعث منها أفكار مبهمة، ويرى أيضا أن البحر هو لحظة التقائه بماء القصيدة، وهو هذا الرذاذ الذي بلل الروح بمفردات لم يكن يعرفها.
محمد البريكي، شاعر وإعلامي، أصدر مؤخرا مجموعته الشعرية «عكاز الريح» ويعمل حاليا مديرا لبيت الشعر بالشارقة وعمل مشرفاً ومعداً ومقدماً للبرامج في قناة نجوم الصيد، فاز بالمركز الأول في مسابقة الشيخ سعيد بن زايد آل نهيان الشعرية في عام 2005 كما فاز بالمركز الثاني في مهرجان الشعر العماني الثالث في 2009 عن قصيدة «أنثى البدايات»، حكم  العديد من المسابقات الشعرية مثل الدورة الأولى لبرنامج شاعر الشعراء في عام 2007 في الجمهورية العربية السورية، وكتب العديد من مقدمات البرامج التلفزيونية بما في ذلك الفوازير الرمضانية، وصدر له العديد من الكتب مثل:»ديوان زايد وهمس الخلود وسكون العاصفة وساحة رقص وكتاب على الطاولة وهو مجموعة قراءات في الساحة الشعرية الشعبية الإماراتية». 
* لنبدأ من لحظة الاكتواء بجمرة الشعر وحرارة القول، متى لسعتك جمار القصيدة؟
ـ تعود بي الذاكرة إلى زمن بعيد كنت ألهو فيه بالحروف وأجرب الأنغام في الفضاء الفسيح دون أن أدري ما الذي أبحث عنه، حتى داهمني الشعر في ليلة الفرح، ومنذ تلك اللحظة وأنا أعاني عذابات القصيدة، وأتحمل هجماتها المباغتة، وكثيرا ما أستسلم لها وأنا معبأ بطاقة الحب بمعناه الواسع الذي يشمل الكون بأكمله.   
* المتتبع لتجربتك الشعرية يلحظ تشظيات الروح وأسئلة الوجود وقلق الحياة، ماذا عن قلق الشاعر فيك؟
ـ للشعر سطوته ومقامه العالي، ونحن الشعراء نلمس في كل حين الجمال الذي يسكن هذا الوجود، ولأن الشاعر مزيج من المعاناة والفرح فإن عامل القلق هو هاجس يربك حياة الشاعر ويجعله دائما يفتش عن الأمل رغم أنه يظل مثل السراب، لكن الشاعر مرغم على أن يقتفي أثره وأن يوجه بوصلته إلى حيث يكون الأمل، لذا فالقلق هو نعمة الشاعر التي تجعله ينشد دون أن يعبأ بأي شيء وهو مطمئن إلى أن قلقه الوجودي سيجعله أكثر انفتاحا على الشعر، وأكثر التصاقا بمادته التي هي سر حياة الشاعر.
* أنت شاعر مسكون بالبحر ويسكنك بطقوسه، هل أخذك البحر إلى أقاصيه لترسم لنا بانوراما الروح المبللة بالسفر؟
ـ إنني حين قلت: «بدأت مع البحر» كنت صادقا جدا إلى درجة لا يتصورها إنسان، فالبحر هو لحظة التقائي بماء القصيدة، وهو هذا الرذاذ الذي بلل الروح بمفردات لم أكن أعرفها، البحر يسكنني منذ طفولتي، لقد أطلت عيناي على الشواطئ البعيدة، ورأيت كيف تولد القصيدة من موجة هادرة في لحظة الغروب، ولم أزل أنتمي للبحر، فهو عباءتي التي أختال بها حين أردد ما استجمعته روحي من شعر كان البحر هو مصدره الأول.    
* يعد الشاعر محمد البريكي من الأصوات الشعرية المهمة والبارزة في المشهد الشعري الخليجي والعربي، كتبت القصيدة بأشكالها: العمودية والتفعيلة، والقصيدة النبطية، أين تجد نفسك في هذه الأشكال؟
ـ أنا ابن الشعر.. طائر حر وطليق، أحيانا أجد نفسي متلبسا بقصيدة عمودية، فأتفرغ بكامل طاقتي لكي أستقبلها بما يليق بزخارفها وبهارجها وأوزانها المفخخة، وأخيلتها المنطلقة بلا هوادة، في هذه الحالة مثلا أشعر بأنني لا أعرف شيئا من أنماط الشعر سوى القصيدة العمودية، وفي بعض المساءات المباغتة تستحوذ على روحي أنغام القصيدة النبطية، فأرفرف في حدائقها وألهو في مغانيها وأستحضر دون وعي ميراث آبائي من الشعراء الأوائل الذين أسسوا لهذه القصيدة، فأحس أنني أستكمل رحلة الوطن، لأن القصيدة النبطية بكل أشكالها هي جزء أصيل من تراب بلادي، وعندما تستنجد الروح بكل شيء مغاير أجدني أذهب إلى القصيدة المفتوحة التي تتلون فيها حروفي وتنبعث منها أفكار مبهمة، ساعتها تتشكل أمامي قصيدة التفعيلة بكل جمالها الأخاذ وروحها العصرية المتجددة.   
* في منتجك الشعري ثمة تشكيلات لغوية ورموز دلالية اشتغلت بعمق اللغة واكتشافاتها عليها والتي لا تخلو من الوجد الصوفي وسمو الحرف، أليس كذلك؟
ـ أنا من عشاق الرمز الشعري، لأن الشاعر في كل الأحوال يمتلك القدرة على المراوغة الشعرية والبناء الشامخ دون أن يطرق له جفن، لأنه يمتلك القدرة على أن يقول ما لا يتوقعه الآخرون، وعندما يغرد في ناحية ما فهو يتعمد التأويل وأن يؤخذ ما يقول على احتمالات بعيدة، وبالنسبة للحس الصوفي فهو يتجذر في داخلي لأن هذا اللون من الأدب يمتلك مفاتيح القصيدة الغنية بالمواجد والتغريد خارج السرب، لكن من المهم ألا يقع الشاعر في دائرة التقليد، لأن الأدب الصوفي ملهم وساحر وجذاب وكفيل بأن يحول حياة أي شاعر إلى ثراء معرفي لا ينتهي، فالانتماء للشعر الصوفي لا يمكن أن يتم التسليم به إلا عندما يتأكد الشاعر بأنه قادر على كتابة قصيدة لا ينازعه فيها غيره.   
* حصلت على العديد من الجوائز، برأيك ماذا تضيف الجوائز للمبدع؟
ـ أنا أؤمن دائما بأن الشاعر الذي كتب شيئا يرضي ذاته أولا ويرضي الذائقة ثانيا فقد حصد أكبر جائزة في حياته، ولا أنكر أبدا أن حصول الشاعر على الجوائز يجعله في حالة من السعادة والاطمئنان، فهي بمثابة تكريم حقيقي لمنجز أدبي محتفى به ومعترف به أيضا، لكن ليست الجوائز كل شيء في الإبداع الشعري، وفي هذه المرحلة أشعر أن أكبر جائزة ممكن أحصل عليها هي أن أكتشف شاعرا جديدا أقدمه للناس، في هذه اللحظة أحس أنني أكمل المسيرة الشعرية وأقدم الواجب الحقيقي تجاه من يمتلكون الإبداع الحقيقي في الشعر.
* يقال بإن الشاعر إلى وصل ذروة الإبداع إن - جاز التعبير- هل يتنحى جانبا ويتكئ على موروثه الشعري؟
ـ من منظوري الخاص أجد أن الشاعر الحقيقي هو من تكون لديه رؤية وقضية وإحساس حقيقي برسالة الشعر في الحياة، لذا فمن المستحيل أن يكون هناك شاعرا مطبوعا ويقول للناس عندما يصل إلى ذروة النجاح أنه قد اكتفى بما قدم، لأن الشاعر بطبعه منجذب للحياة ومجرياتها، ومتدفق المشاعر ويتفاعل مع كل ما يحيط به من أحداث، أما الشعراء الذين صعدوا دون أن يكون لديهم رصيد حقيقي يؤكد مسيرتهم فإنهم من الطبيعي أن يتوقفوا لأنهم لا يتكئون على شيء، وأنا لا أؤمن أن من الممكن أن يأتي زمان على الشاعر ويكون بلا مشاعر وكأن نهر الشعر الذي بداخله قد جف، والدليل على ذلك أن الشعر العربي يحفظ لنا شعراء ظلوا يكتبون الشعر حتى آخر لحظة من العمر، وأن هناك عدد كبير من شعراء العربية القدامى الذي عمروا وظلوا أوفياء للشعر.  
* بعد أكثر من عمل شعري ما الذي يريده الشاعر محمد البريكي من القصيدة؟
ـ بعد هذه المسيرة التي عشت فيها مع الشعر لا أستطيع أن أجزم أنني وضعت يدي على شيء أو أستطيع أن أقول أنني قلت ما أريد، ولهذا لا يمكنني أن أقول لأحد ما الذي أريده من القصيدة لأن ما أريده لا يقال مثلما قال الشاعر العربي نزار قباني: إن الحروف تموت حين تقالُ.