Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Oct-2017

الناجحون في التوجيهي وأمور تربوية - صبحي عساف الحجاوي

 

الراي -  أبناء الجيل الذين تقدموا لامتحان الثانوية العامة (المترك) حتى مطلع ستينيات القرن الماضي وأنا منهم، كانوا يمنحون الشهادات ويكتب للناجح أمام كل مبحث: ناجح بامتياز، ناجح بتفوق أو مقبول، أي أن الوزارة كانت تشهد خطياً للناجح بأنه ناجح.

واستمر الاعتراف خطياً للناجح على شهادته وكشوف العلامات بأنه ناجح، فالكلمة حقيقية وليست مزورة. وهذا الاعتراف حاصل لكل من يتقدم لأي فحص حتى لو كان الحصول على رخصة أو أن الجندي الثاني قد خضع لاختبار ترفيع إلى جندي أول. استمر الوضع على هذا المنوال حتى بعد أن أصبحت سنوات الدراسة اثنتي عشرة يتقدم الطلبة في نهاية السنة الأخيرة إلى امتحانات شهادة الدراسة الثانوية العامة، والتدرج في تعديل الأنظمة معروف لمن عاصروا الامتحان حيث أصبح التشعيب إلى الفرعين الرئيسيين العلمي والأدبي، ثم التجاري والزراعي، وتلا ذلك في مراحل لاحقة الشرعي وغيره من التخصصات، مع تحويل الطلبة ذوي المعدلات المتدنية للدراسة في المراكز المهنية بفروعها المتعددة للبنين والبنات. وفي كل سنة يكتب للناجح على شهادة الثانوية العامة بأنه ناجح وكذلك على كشوف العلامات التي تمنحه إياها وزارة التربية والتعليم.

 
مرت فترة طويلة على النظام التربوي وفق قانون التربية رقم 16 لسنة 1964 أن من يرسب في مبحث واحد أو أكثر وأراد الإعادة يعيد الامتحان في جميع المباحث، ولم يكن الطلبة يفزعون ولا يضجون ولا يحتج آباؤهم وأقاربهم ولا يعتصمون، والعامل الرئيسي الذي كان يجعل الوضع طبيعياً أن نسبة الراسبين في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في أكثر السنوات كانت تقل عن 30 ،%والراسبون هم راسبون حقاً، قد ينفعل أحدهم يوم ظهور النتائج ثم لا يلبث أن يهدأ في الأيام اللاحقة، ومن كان يرسب كان ممنوعاً أن يعيد الدراسة في المدارس الرسمية، وإن أراد ذلك يعيد في مدرسة خاصة أو دراسة منزلية وفي جميع المباحث.
 
أنا أُصرُّ في أحاديثي أو من خلال الكتابة في الشأن التربوي بأن الخطوة الأشد وقعاً على مستوى تحصيل الطلبة كانت إلغاء امتحان الشهادة الإعدادية نهاية الصف الثالث الإعدادي، حيث كان ينجح من المتقدمين للامتحان حوالي 70 ،%وهم الذين تصل النسبة العظمى منهم إلى الصف الثالث الثانوي ويتقدمون لامتحان التوجيهي، وكان ينجح منهم حوالي 70 ،%وبعد إلغاء الامتحان لنهاية المرحلة الإعدادية صار الطلبة الدارسون يصلون إلى الصف التوجيهي وحين يتقدمون للامتحان تخرج نسبة الناجحين حوالي 40 ،%أي أن الراسبين هم مجموع فئتي الراسبين في امتحان الشهادة الإعدادية وفي امتحان التوجيهي.
 
فأنا كتربوي من الذين دعوا، ولا يزالون يدعون إلى إعادة إقرار العمل بامتحان الشهادة الإعدادية، والناجحون فيه هم من يترفعون ويتقدمون لامتحان التوجيهي في نهاية المرحلة الثانوية. وهذا يلزمه إعادة الصف العاشر للمرحلة الثانوية لتعود ثلاث سنوات كما كانت.
 
أعود للناجح وللراسب، حيث كثرت أعداد الراسبين ولا سيما أن الطلبة يزداد عددهم سنة بعد أخرى، فقد ازداد التململ وعلا الضجيج والاحتجاج، فراحت وزارة التربية والتعليم تلجأ (للطبطبة وإرضاء الخواطر)، إلى أن اهتدت ولفترة طويلة تقول للراسب أنت غير مستكمل، ولست راسباً، أعد المبحث أو المبحثين أو أكثر مما لم تستكمل شرط النجاح فيه، هدّىء من روعك، وتعال أعد دراسة المادة أو المادتين في مدرستك الحكومية وادفع مائة دينار ولا داعي للذهاب لمدرسة خاصة ودفع قسط سنوي بالآلاف!
 
وراحت العوامل التي أدت لتفاقم المشاكل تزداد وتتضاعف، معلمون غير مؤهلين، ازدياد عدد المباحث الدراسية المقررة، امتحان توجيهي يوزع على سنتين، كتب فيها حشو وتكرار، تأليف بأسلوب عقيم في العديد من المباحث، حشد مادة دراسية في الكتاب المدرسي يلزمه سنتان أو ثلاث حتى يمكن إنجاز تدريسه، وهكذا، أضف وعدّد من عوامل الإحباط والضعف... إلى أن غدا عدد غير قليل من ذوي الطلبة يحتجون في الإذاعة والتلفاز والصحافة، ويقتحمون القاعات لأنهم مدركون أن أبناءهم ضعاف لم يحصّلوا المادة الدراسية بشكل جيد، فهم حتماً راسبون.
 
وهنا يجب أن لا ننكر أن هناك فئة من الطلبة درسوا ويدرسون بكل ثقة وطمأنينة ويتقدمون لامتحانات التوجيهي وهم فرحون، أساريرهم منشرحة، وتأتيهم النتائج التي يستحقون، ونحن نرى ذلك ونلمسه في مهرجانات الفرح وإعلانات الصحف، وهذه الفئة لم تعد تقتصر على المدارس الخاصة بل نعرف جميعاً أن من هذه الفئة طلبة في المدارس الحكومية في المدن والأرياف والبادية والمخيمات، فالطالب النبيه المتمكن سينجح أينما كانت إقامته ودراسته، وهنا أذكر أن طالباً كان الأول على الناجحين في التوجيهي العلمي وكان يسكن في مغارة لا كهرباء فيها، وكان ذلك في الثمانينيات من القرن الماضي.
 
وزارة التربية والتعليم في بضع السنوات الأخيرة، وبدءاً من وزيرها السابق د. محمد ذنيبات واستمراراً بوزيرها الحالي د. عمر الرزاز، بدأت السير في الطريق الواضح المعالم وبخطوات جادة وعلمية، فالمسيرة الآن شاملة لكل المكونات التي تخدم العملية التربوية، تأهيل المعلمين قبل الخدمة، تأهيل المباني المدرسية، محتوى الكتب من حيث الكم والكيف، النظام التعليمي والإدارات في الوزارة والمديريات والمدارس، التخصصات الدراسية، أنظمة امتحانات التوجيهي وعدد المباحث المقررة، وغيرها من الجوانب التي تخدم العملية التربوية لكي نضمن مخرجات متميزة وهم الطلبة الدارسون الذين نتفق أنهم هم محور العملية التربوية. لقد وضع الأصبع على الجرح وبدأ التشخيص، ونأمل أن يستمر النهج بالجدّية التي تستحقها الأجيال الذين سيكونون مستقبلاً هم بناة المجتمع.
 
أعود للتقييم لمن يتقدمون للامتحانات العامة، الذين هم إما ناجحون وإما راسبون، والناجح لا يجوز أن نغمطه حقه، فهو ناجح بدليل إحرازه علامات النجاح، وبدليل المعدلات التي حصّلها في مباحث الامتحان، وحقه الشرعي والقانوني أن نثبت له في شهادته عبارة ناجح وبخط بارز (وفم ملآن)، وليس منطقياً إخفاؤها إن كان القصد عدم إحباط الراسبين، ومن لا ينجح نثبت له على شهادته واقعه، فهو راسب (عكس ناجح)، أو لنقل له: غير ناجح، أو غير مستكمل لشروط النجاح، ودون خوف أو وجل أو حتى حرج!
 
مسألة أخرى متصلة تتعلق بقرار وزارة التربية والتعليم بأن يحسب مجموع العلامات للناجحين من (1400 ،(هذا الإجراء سيقود الجامعات ووزارة التعليم العالي إلى تعديل أنظمتها لتتماشى مع الترتيب الوزاري الجديد في الأسس المتبعة في القبول في الجامعات، وأنا أرى أنه بعد إخراج المجموع من 1400 أن (تعطي الوزارة تعليمات للكمبيوتر) ليتبع المجموع ببند يظهر المعدل المئوي للناجح، وبذا فإن وزارة التربية والتعليم تريح وتستريح وتخدم عملية القبول في الجامعات، ويظل للطالب الفرِح من الناجحين أن يقول أنا ناجح ومعدلي 97% أو ما شابهه أو ما قرب منه!
 
بوركت جهود جلالة الملكة رانيا العبداالله في المتابعة الحثيثة للعملية التربوية، ولا سيما تأهيل المعلمين قبل الخدمة، وأعان االله وزير التربية والتعليم هو ومن معه وكل من يخدم العملية التربوية من أجل أبنائنا وبناتنا الأمانات الغالية في أعناقنا جميعاً.
subhiassaf@gmail.com