Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2018

مأساة أوجدت نقيضها - د. نبيل الشريف

 الراي - لم يستسلم الشعب الفلسطيني لقدره أول أمس وهو يستعيد فصول الذكرى السبعين للنكبة التي أريد لها أن تتزامن مع قرار نقل سفارة أميركا إلى القدس المحتلة، فقد زف عشرات الشهداء في مسيرات العودة التي لم تتوقف طوال الأسابيع الماضية وعبر بأعلى صوت عن رفضه لكل الظلم الذي مورس عليه ومايزال.

لقد كان يوما دمويا مؤلما بكل معنى الكلمة، ولكنه كان أيضا يوما تعملق فيه الشعب الفلسطيني وقدم نموذجا يحتذى في البذل والعطاء والصمود والتضحية عز نظيره في العالم كله. ومن المهم أن نرى الوضع بهذه الصورة المتوازنة كي لانمعن في القسوة على أنفسنا وفي جلد ذواتنا.

لم يكن ذلك حتما هو المشهد الي كانت تتمناه إسرائيل وأميركا، فقد كان يوما موجعا بكل معنى الكلمة اجتمعت فيه ذكرى مأساة خلت منذ سبعين عاما مع حدث مزلزل آخر ألا وهو الإحتفال بنقل سفارة أميركا إلى القدس، ولكنه كان أيضا يوما للبطولة والفروسية والتحدي، ولابد من رؤية المشهد من هاتين الزاويتين معا وعدم الإكتفاء بالجانب المأساوي المؤلم دون الإشارة إلى العطاء البطولي الذي قدمه الشعب الفلسطيني.
لو أن أحداث ذلك اليوم اقتصرت على إستذكار النكبة ومواجهة فصول الإستفزاز المتعمد الجديدة لقلنا أن الصورة سوداوية بكليتها وليس فيها ما يدعو للأمل، ولكن الماساة أوجدت نقيضها من خلال بطولة وشجاعة أبناء فلسطين وتسابقهم على الشهادة في مواقف بطولية ملحمية.
إن دولة تخشى مواطنا مبتور القدمين وأطفالا يرفعون أعلاما وصحفيين يحملون الآت تصوير فتطلق عليهم النار بهدف قتلهم لاإخافتهم هي – بكل المقاييس الموضوعية – كيان قلق مذعور يخشى مواجهة الحقائق المقلقة التي بدأت تتجمع في الأفق.
لقد أرسل شعب فلسطين رسائل واضحة لكل العالم مفادها أنه لن يفرط في حقوقه ولن يتنازل عن أرضه وحلمه في إقامة دولته وعاصمتها القدس رغم بطش المعتدين وتامر المتآمرين. ولاشك أن أعداء الشعب الفلسطيني قرأوا هذه الرسالة أيضا بكل هذا الوضوح. فشعب مايزال يفيض حيوية وعنفوانا ورفضا بعد سبعين عاما من التشريد والتعذيب والسجن والقتل لايمكن الإستهانة به أو تركيعه أو فرض الأمر الواقع عليه.
وقد وجد الشعب الفلسطيني في موقف الأردن قيادة وشعبا النصير والسند ، فقد عبر جلالة الملك في أكثر من مناسبة عن رفض الأردن لأية إجراءات تستهدف القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، موضحا جلالته أن القدس – وهي عاصمة الدولة الفلسطينية شاء من شاء وأبى من أبى- ستبقى خطا أحمر بالنسبة للأردن ، مشددا على هذا الموقف التاريخي الواضح في كل المحافل الدولية وأمام زواره من قادة العالم، بمن فيهم أركان الإدارة الأميركية. وأمر جلالته بتعزيز قدرات المشفى الميداني الأردني في غزة الموجود هناك منذ سنوات ليواصل دوره الإنساني في تقديم العلاج لأشقائنا في القطاع الصامد. كما هب الشعب الأردني بكل مكوناته رفضا للعدوان وتضامنا مع شعب فلسطين كأوضح وأقوى مايكون التضامن.
إن هذا لايعني أن المؤامرات ستتوقف وأن العدوان سيتراجع، فقد بدأت خيوط مؤامرة جديدة في ذلك اليوم من خلال إشارة كوشنر إلى وحدانية الهيمنة الإسرائيلية على القدس، مما قد يشير إلى فصول مؤامرة جديدة تحاك لمنازعة الأردن على وصايته الدينية والتاريخية والشرعية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وقد تعلو هذه النغمة في الأيام والأسابيع القادمة وتتولى العزف أياد أخرى.
ولكن أحداث ذلك اليوم رسمتإطار الحركة للمرحلة القادمة، فكما أن المؤامرات والإعتداءات ستستمر من قبل إسرائيل وداعميها في العالم ، فإن رد الفعل المقاوم والرافض لها التآمر سيتسع وسيأخذ أبعادا جديدة بإتجاه إحباط المؤامرات ولجم عدوانية ودموية من يقفون ورءاها.
قد يقول قائل إن الأردن وفلسطين لايستطيعا وحدهما إيقاف المؤامرة في ظل حالة الشلل العربية وعلى ضوء الخلافات المندلعة بين العواصم العربية، وقد يكون هذا صحيحا، فلم يكن أعداء الأمة ليجاهروا بعدائهم وإستهدافهم لفلسطين بهذا الشكل لولا أنهم لمسوا وضعا عربيا « مثاليا» من وجهة نظرهم من حيث كثرة الخلافات وإنشغال الكثير من الدول العربية بأوضاعها الداخلية، ولكن شعلة الأمل المنبثقة من صمود الشعب الفلسطيني ودعم الأردن الرسمي والشعبي تمثل البوصلة الحقيقية للوجدان العربي. وهي شعلة سوف تتسع ويشع نورها على المدى في أقرب الآجال.