Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Dec-2017

مَنْ تفاجأ بقرار ترمب؟ - د. زيد حمزة

الراي -  ليس صحيحا قول بعض القادة العرب بأنهم فوجئوا بقرار الرئيس الاميركي دونالد ترمب بشأن القدس الذي

استهان بهم واستهتر حتى بحرجهم أمام شعوبهم ، في حين لم يتفاجأ به رجل غير عربي وغير مسلم
اسمه ايفو موراليس يعيش بعيداً عنا آلاف الأميال ويرئس جمهورية نائية فقيرة هي بوليفيا التي عانت
الأمريّن من بطش وقهر جارتها الشمالية الولايات المتحدة وظلت قابضة على الجمر وهي تحمل اسم البطل
التاريخي لاميركا الجنوبية سيمون بوليفار، كما أن هذا الرئيس البوليفي الذي صرخ في وجه اميركا معارضا
القرار وطالب باجتماع مجلس الامن الدولي لبحثه وادانته وهو فلاح بسيط من السكان الاصليين الذين
سماهم الغزاة البيض الهنود الحمر، وما كانوا هنوداً ولا كانوا حمراً، بل كانوا شعوباً لها تاريخ وشملت جغرافيتهم القارة كلها في
الشمال والجنوب والوسط ودافعوا ببسالة عن اراضيهم وتراثهم وفلسفتهم وما زال من تبقى من احفادهم يتحملون التمييز والاهمال
والتهميش والحجز في معسكرات خاصة..
نتذكر اليوم وترمب يمنح القدس عاصمة لاسرائيل اولئك الذين سّلموا لأميركا قبل أربعين عاماً كل اوراق الحل في قضية فلسطين
وسحبوها حتى من الأمم المتحدة، وظلوا يغسلون عقولنا بالكلام المعسول ويمنّوننا بالآمال الوردية طوال الوقت انتظاراً للحل المرتقب
على يدي المخلّص والراعي الاميركي لعملية السلام، وما انفك مريدوهم يتغلغلون في تلافيف ادمغتنا ويشكلون سراً وجهراً أركان
دولنا العميقة ويطالبوننا بأن نكون واقعيين ونرضى بالحل مع الذل، ثم ها هم آخر المطاف صاروا يبشروننا أو ينذروننا بصفقة القرن
على يد الولايات المتحدة ومع نفس الرئيس الذي استهلها أمس بتسليم مفاتيح بيت المقدس لنتانياهو!
أما الذين يتشبثون وسط معركتنا الجديدة بتوصيف القضية حسب مفاهيمهم الضيقة فيقزّمونها الى حد اعتبارها فريدة دون باقي
الاوطان اسطورية القيمة والمكان وحيدة عصرها على طول الزمان فانهم يسيئون لها دون أن يقصدوا ويعزلونها عن النضال العالمي
الموحد ضد العدو المشترك للانسانية ألا وهو نظام الاستغلال والظلم والاستعمار والابادة والفصل العنصري والتمييز الطبقي والجشع
حد امتصاص آخر قطرة من عرق العاملين، ويقف هذا النظام الذي تمثله الولايات المتحدة على رأس البنوك الكبرى والشركات العملاقة
عابرة الحدود والمحيطات والقارات، ويتلاحم جسداً وروحاً مع اسرائيل التوأم المثيل في المبادئ والاهداف في عداء سافر لا للفسلطينين
او العرب والمسلمين فحسب كما يتوهم البعض بل لكل شرفاء العالم ومستضعفيه، بمن فيهم شرائح واسعة من الشعب الاميركي
نفسه السوداء والسمراء وحتى الشقراء والبيضاء ممن ابتُلوا بالتمييزين الجندري والعنصري حتى بلغ لديهم الجور ذروته بأن تصاغ
لهم (!) قوانين خبيثة تجعل منهم ومنهن جناة ومجرمين يزيدون بهم زبائن السجون التي اصبحت ملكاً للشركات لتتربح منها، ومن
آخر أخبار هذا النظام الشرير في سعيه لتوسيع هيمنته وتجبّره باساليب جهنمية مبتكرة للقضاء على اي نضال أو مقاومة قد تخلخل
اركانه أن شركة تجنيد المرتزقة المعروفة باسم Water Black التي استُخدمت مقابل مليارات الدولارات من قبل اميركا وآخرين في
ارتكاب الجرائم الفظيعة في كثير من دول العالم وبعضها في منطقتنا تقدمت مؤخراً للادارة الاميركية بعطاء (!) تبيعها فيه خدمة
جديدة عجيبة تحل بها محل ال CIA التي لا يحبها ترمب ولا يثق بها، في تقديم المعلومات وتنفيذ المؤامرات والاغتيالات التي من
شأنها أن تخرب اي معارضة في اي بلد في العالم..
واليوم.. في خضم الغضب الذي يجتاح كل بلادنا ضد غطرسة القرار الرئاسي الاميركي بشأن القدس لا يسعني إلا أن اتذكر غضب
المناضلة الاميركية السوداء أنجيلا ديفس التي لا تفتأ تدافع عن فلسطين في كل مناسبة سياسية عامة اكانت في نيويورك أم في
جوهانسبورغ، ولا اقصد هنا أن أقرّع أحداً بل أومى فقط للذين ينسونها أو يتناسونها في غمرة غيبوبتهم الفكرية العاطفية أو
غطرستهم الشوفينية..
وبعد.. فأني لا اتفق مع من شبهوا وعد ترمب بوعد بلفور في ذكراه المئوية السوداء لا لأنه أقل سوءاً وإجراماً بل لأن كل شي قد تغير
في قرن من الزمان وبخاصة بعد الثورات العربية المقدَّرة عالياً من قبل ثوار العالم رغم تشاؤم المتخاذلين ونكوص اليائسين كما تغيرت
مواقف حكومات أيضاً، بضغط شعوبها فاصبح لها الآن موقف آخر.. غير خاضع كلياً لاميركا !