Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2019

السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية بعد 40 عاما من الثورة

 الغد-أرياني م. طبطبائي* – (مجلس الأطلسي) 8/2/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
أربعون عاماً مرت منذ قامت جماعات مختلفة من الثوريين –العديد منهم كانوا متحدين في معارضتهم لتحالف دولة إيران الإمبراطورية مع الولايات المتحدة- بالإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي.
ومنذ ذلك الحين، حاول المئات من الباحثين والمفكرين والممارسين الأميركيين فهم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، وما هي أفضل الطرق للرد على التحديات التي تشكلها. وقد دافع البعض منذ وقت طويل عن فكرة إشراك النظام الإيراني والانخراط معه، في حين دفع آخرون نحو اتخاذ موقف أكثر تشدداً ضده. وجادل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن حملة من الضغط الأقصى سوف تجبر الملالي على العودة إلى التفاوض وإبرام صفقة حول سياستهم الخارجية بالكامل، بما في ذلك برامجهم الصاروخية والنووية، وتدخلاتهم في عدد من المسارح عبر منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا. لكن من غير المرجح أن تغير الجمهورية الإسلامية مسار سياستها الخارجية.
عندما تولى آية الله روح الله الخميني زمام قيادة الثورة الإيرانية، تحدث بشكل متكرر عن تصدير المثل العليا لحركته إلى خارج حدود البلد. ووفقاً للخميني وأنصاره، فإن الجموع المضطهدة كانت في سُبات عبر مختلف أنحاء العالم المسلم، ويمكن أن يلهم نجاح إيران في الإطاحة بدكتاتور مدعوم من الغرب المقهورين الآخرين بالاستيقاظ والإطاحة بمضطهديهم هم أيضاً.
واليوم، ما تزال الأفكار السائدة التي تهيمن على الكثير من النقاش حول سياسة إيران الخارجية تصوِّر النظام في ذلك البلد على أنه ما يزال مكرساً لتصدير الثورة. ويثبت دعم طهران للجماعات الإرهابية والميليشيات في الشرق الأوسط وخارجه –إلى جانب تدخلاتها في أفغانستان، والعراق، وسورية واليمن- أن الجمهورية الإسلامية لم تنفصل أبداً عن تلك الجذور الثورية. لكن تقييماً أوثق لسياسة النظام الخارجية يكشف عن إيران أكثر براغماتية بكثير، وواحدة تتشكل سياستها بخبراتها التاريخية وثقافتها.
بعد وقت قصير من انهيار نظام الشاه وتشكيل الجمهورية الإسلامية، قام عراق صدام حسين بمهاجمة إيران، بادئاً بذلك صراعاً مدمراً استمر على مدار ثماني سنوات، أسفر عن وفاة مئات الآلاف وتسبب بما بلغت قيمته مليارات الدولارات من الضرر لاقتصاد البلد وبنيته التحتية. وقد خرجت إيران من الحرب من دون أن تُمنى بخسارة في الأراضي. لكنها عندما شرعت في إعادة الإعمار، شرعت أيضاً في تطوير عقيدتها العسكرية وسياستها الخارجية لما بعد الثورة وما بعد الحرب، والتي صمددت بشكل أساسي حتى صعود تنظيم “داعش” في العام 2014.
وفقاً للتفكير الذي ساد في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، كان الإيرانيون مهتمين بشكل أساسي بتجنب صعود فاعلين من الدول، والذين يستطيعون تحدي سيادة بلدهم ووحدة أراضيه. وقد استفادوا من روابطهم الدينية والعرقية مع قطاعات من السكان في الدول المجاورة لتشكيل تحالفات مع مجموعات مختلفة. ومكَّن ذلك إيران من زيادة نفوذها في أنحاء المنطقة بكلفة منخفضة نسبياً. ومن أفغانستان إلى لبنان، استطاعت إيران إضعاف السلطات المركزية، وتقاسم الاستخبارات، وردع خصومها واستعراض القوة. وساعدت السياسة الخارجية الأميركية لما بعد 11/9 إيران في تحقيق ذلك إلى حد كبير، عندما قامت القوات الأميركية بالإطاحة بطالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق.
منح هذان الغزوان الأميركيان الإيرانيين مساحة عملياتية لتأكيد أنفسهم في هذين المسرحين، خاصة في العراق. لكن صعود تنظيم “داعش” جعل من الواضح أن تقويض السلطات المركزية لم يخدم إيران وحدها، وإنما ساعد عدداً من المجموعات الإرهابية أيضاً. ولذلك، سعت إيران إلى تعديل سياستها للموازنة بين هدفين متعارضين: تقويض الحكومات المركزية لضمان أن لا تصبح أي منها قوية بما يكفي لتشكل خطراً على إيران، بينما سعت في الوقت نفسه إلى الحيلولة دون انهيار هذه الحكومات بحيث تتكون أرضية خصبة للإرهابيين. وبذلك، عملت إيران مع الحكومات المركزية في أفغانستان، والعراق وسورية، بينما دعمت الجماعات من غير الدول في هذه البلدان وغيرها، بهدف الإبقاء على الدول ضعيفة والاستفادة من الروابط مع أكبر عدد ممكن من المنافسين المحتملين على السلطة –في منطقة غالباً ما تكون الحكومات فيها ضعيفة، ونادراً ما يكون بقاؤها مضموناً.
خاض ترامب حملته الرئاسية في جزء منها على قضية الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه مع إيران، وزيادة الضغط عليها عن طريق عزلها وفرض العقوبات عليها. وعندما تولى السلطة، تابعت إدارته تلك القضية بالخروج من الاتفاقية وزيادة الضغط تدريجياً على النظام في إيران، مع الهدف المعلن المتمثل في إعادة البلد إلى الطاولة للتفاوض على صفقة شاملة لكبح برامجه الصاروخية والنووية، وتدخله في الصراعات الإقليمية، ودعمه للإرهابيين والميليشيات. مع ذلك، ومع أن قادة إيران بدوا وأنهم يتصرفون بحذر على مدى العامين الماضيين لتجنب استفزاز ما يرونها غالباً على أنها واشنطن غير قابلة للتنبؤ بتصرفاتها وذات ميول عسكرية أكبر، فإن سياستهم الخارجية لم تغير مسارها بقدر يعتد به.
التزم البلد إلى حد كبير ببنود الاتفاق النووي من أجل حصد الفوائد وعزل الولايات المتحدة على المسرح الدولي. وكتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في تغريدة على تويتر: “اليوم، تحدت الولايات المتحدة المحكمة العليا ومجلس الأمن بإعادة فرض العقوبات على إيران، والتي تستهدف الناس العاديين. لكن تنمر الولايات المتحدة يأتي بنتائج عكسية… إن الولايات المتحدة –وليس إيران- هي المعزولة”. كما واصلت إيران أيضاً دعمها للعملاء من غير الدول ونشرهم في سورية. وقد فعلت ذلك، على النقيض مما يعتقد البعض، لأن سياسة إيران الخارجية اليوم تتشكل إلى حد كبير بتصوراتها للتهديدات والمصالح –وليس بالأيديولوجيا. 
لأن ملامح سياسة إيران الخارجية تبدو مرسومة بشكل أساسي بالاعتبارات السياسية، بما في ذلك الردع وممارسة القوة، فإن من غير المرجح أن تغير الولايات المتحدة سلوك البلد جذرياً. وليس من السهل تحقيق اتفاق على أساس الأطر التي وضعتها إدارة ترامب، خاصة بالنظر إلى الوقت المحدود المتاح تحت تصرف الرئيس –حيث بقيت له سنتان من ولايته الأولى. وبالإضافة إلى ذلك، أرسلت واشنطن في بعض الأوقات إشارات مختلطة إلى طهران. وعلى سبيل المثال، في الخريف الماضي، أعلن مستشار الأمن القومي، جون بولتون، أن القوات الأميركية سوف تبقى في سورية طالما بقيت إيران هناك. وبعد أسبوع من ذلك فقط، أعلن الرئيس أنه يخطط لسحب القوات الأميركية من البلد. وبالنسبة لقادة إيران، ربما يشير هذا التغيير إلى أن الولايات المتحدة ربما تريد احتواءهم، لكنها لم تقرر بعد أين وكيف. ويبدو المشهد الإقليمي مفضِّلاً لطهران، التي تمكنت من ممارسة السلطة خارج حدودها بفضل شبكتها المتنامية من المقاتلين الأجانب.
بعد أربعين عاماً من تأسيسها، لم تقم الجمهورية الإسلامية بتصدير نظامها الديني الفريد، لكنها وسعت نفوذها بقدر يعتد به. ولكن، في حين أن قادة إيران رأوا تصدير حركتهم ذات مرة كهدف يتطلعون إليه، فإنهم يرونه الآن وسيلة لمساعدة إيران على تأمين مصالحها وتعظيم قوتها. واليوم، يبدو أن إيران تنتظر خروج إدارة ترامب، وتواصل تجنب مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، من دون أن تبدو وأنها تتخلى عن مصالحها أو تتراجع عن مكاسبها.
 
*عالم سياسي مشارك في مؤسسة “راند” غير الربحية وغير المنحازة. 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Islamic Republic’s Foreign Policy at Forty