Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Oct-2019

فاز المعلمين وانتصر الوطن… الاعلام الموجه وإستراتيجية الحكومة في إدارة الأزمات وتقدير الموقف … وماذا بعد؟*احمد عبد الباسط الرجوب

 راي اليوم-ابدأ مقالي من حيث أعلن القائم بأعمال نقيب المعلمين الأردنيين فجر يوم الاحد 6 أكتوبر / تشرين1 2019، في مؤتمر صحافي إنهاء الإضراب وتفاصيل الاتفاق قائلا ” نعلن ايقاف أطول إضراب في تاريخ الأردن، وحصول المعلم على مطالبه في العلاوة والاعتذار “، وأضاف المعلم أخذ اليوم ما أراده من العلاوات، … لقد فاز المعلمين وانتصر الوطن… ومن الجدير ذكره في هذا الموضوع فقد سجل إضراب المعلمين رقماً قياسياً كأطول إضراب نقابي شهدته البلاد، بعد توقف نحو 86 ألف معلم عن التدريس في أكثر من 3800 مدرسة حكومية في محافظات المملكة كافة، وتوقف 1.5 مليون طالب وطالبة عن اللحاق بمدارسهم. وتوقف أولياء الأمور عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، لتؤكد نقابة المعلمين في البلاد أن نسبة التزام منتسبيها بالإضراب بلغت 100 في المائة في مدارس المملكة، طيلة أيام الإضراب…

من بين أهم الأفكار التي يجب تناولها على هامش اضراب المعلمين في بلادنا وبخاصة فيما يتعلق بإدارة هذه الازمة على صعيد رئاسة الحكومة ومؤسسات الدولة، وأيضا الاخذ في الحسبان دور إدارة الأزمات ما بين الكفاءة وعدم الكفاءة في بقاء وانتهاء الدور المؤسسي الذي تقوم عليه الحكومة في بلادنا. وفي حقيقة الأمر؛ فإن قراءة مألات اضراب المعلمين والنهج الحكومي في هذا الإطار يثبت بأن إجراءات الحكومة في رأينا لم تكن موفقة بالمطلق ابدا في إدارة هذه الازمة حيث لجات ” أي الحكومة ” إلى الأساليب غير الرشيدة في التعامل مع هذه الازمة وتركت الحبل على الغارب امام تغول منصات الاعلام المجتمعي وبعض المواقع الالكترونية الإخبارية والتي هي الأخرى اثبتت انها تنعق خارج حدود الوطن امام اجندات رخيصة تفوح منها رائحة العنصرية والإقليمية التي لفظتها السنين وداس عليها الشعب الأردني الى يوم الدين…
في قراءتي لإدارة الازمة من الجانب الحكومي فقد تعاملت معها الحكومة من بعدين … الأول سلبي، يعتمد على إنكار وجود الأزمة، وتجاهل التعامل معها أصلاً والتظاهر بالقوة والصلابة وعدم الحاجة للتعامل معها، وشواهد هذا المنهج كثيرة، لعل من أقربها منهجية تعامل وزارة التربية والتعليم ممثلة بوزير التربية وأيضا تجاهل رئيس الحكومة لاجتماعات النقابة والتربية حيث لم يكلف الرئيس نفسه بالنزول الى القاعدة الشعبية التي طالبته في اكثر من مناسبة للتحدث مع نقابة المعلمين لسرعة الخروج من الازمة وعودة الطلاب الى مدارسهم…
أما البعد الثاني فهو المنهج الإيجابي في التعامل مع الأزمة، والذي يعتمد على الاعتراف بوجود أزمة، والعمل على التعامل معها وامتصاصها، والحد من آثارها السلبية، وتشكيل فرق عمل لإيجاد الحلول المناسبة وتطبيقها على أرض الواقع والتقييم المستمر لنتائج التطبيق، وصولا إلى التخلص من جميع آثار الأزمة، والعمل على تطوير حلول مستدامة تحقق للدولة إمكانية الاستئناف بقوة، وتعويض الخسائر، ومضاعفة النتائج الإيجابية وفي مقدمتها عودة المعلمين الى مدارسهم وانتظام العملية التعليمية…
وفي ذات الصدد وكما هو متعارف ومتفق عليه ترتبط مسألة إدارة الازمات بعملية صناعة القرار داخل الحكومة واروقتها، وخصوصًا في الوقت الذي واجهت فيه الحكومة هذه الازمة، فمواجهة الأزمات تتطلب مشاركة من مختلف الأطراف المعنيين داخل الحكومة، ومن ثَمَّ؛ فإنه وفي هذه الحالة يجب أن تكون هناك درجة من درجات الديمقراطية في نقاش وطرح الحلول والحلول البديلة بين أعضاء الحكومة وبخاصة خلية إدارة الازمات ان وجدت؟ للخروج من الازمة وارضاء جميع اطراف العلاقة (المعلمين والشعب والحكومة) فلا غالب ولا مغلوب، وكلما طغت الممارسة الديمقراطية في عملية صناعة وأخذ وتنفيذ القرار على اعتبارات البيروقراطية؛ زادت القدرة على مواجهة الازمة وسرعة إيجاد الحلول لها … غير ان الذي حصل بخلاف ذلك ، حيث ظهر تباين الآراء بين أعضاء الحكومة فمنها ما كان راية الى قمع المعلمين في مهد اضرابهم وهذا ما كان في 5 أيلول 2019 المنقشع ومنها ما كان يتخبط بين الصقورية والاستسلام لعدم توفر الخبرة والحنكة الإدارية لدى غالبية أعضاء الحكومة بما فيهم الرئيس نفسة ،وهذا ما اوصلنا الى اضراب طال امدة شهرا قمريا …
وفي تحليل علمي مدروس نخلص في رأينا الى ان ما حدث في بلادنا بشأن اضراب المعلمين انما مرده نتيجة غياب التخطيط الجيد والتوقع المستقبلي بناء على المقاييس والمعايير العلمية، وترتبط بهذا مشكلة أخرى، وهي مشكلة ثقافة العمل الإداري والنهج الحكومي الذي تنتهجه حكومات بلادنا والذي اظهر بشكل لا يحتاج التفسير او الجهد لتحديد أسباب المشكلة وانما يخلص الى امر مفاده بانه لا يوجد لقواعد الإدارة الرشيدة أي اعتبار داخل العمل الحكومي كما ان الارتجالية والعشوائية في التخطيط يترتب عليهما وقوع المؤسسات في أزمات ، ويكون هذا العمل مجرد تأدية واجب وفق نظرة ضيقة لا تتجاوز محيط المهمة المكلف بها الوزير المعني او – حتى اتجاوز بالسقف – وأقول بان ذلك يندرج حتى على ربان الحكومة في سرايا الدوار الربع وعلى امتداد الحكومات المتعاقبة وليس هذه الحكومة حصريا…
الملاحظ في إدارة الأزمة أن فريق الحكومة عمل على توظيف العديد من كتَّاب الرأي وكتاب الأعمدة في الصحف المحلية للكتابة لصالح تشويه صورة اضراب المعلمين وشيطنته، وهو الأمر الذي تم التخطيط له في خضم الحدث واعتقد بان هذا الاتجاه من الصقوريين في الحكومة، وفي المقابل فقد بدأت استراتيجية اعلام النقابة في التعامل مع الأزمة باستراتيجية دفاعية توضيحية، إلى أن تبينت نوايا الحكومة  واستعدادها المسبق للحملات الإعلامية المعدة مسبقا ، عندها فقط اعتقد بان النقابة حققت قدر من التوازن، وقلب الكفة لصالح قضيتهم العادلة…
وماذا بعد …
التجربة كانت قاسية والمخاض كان عسيرا وهنا وبدون مواربة نقول يجب على الحكومة ان تستوعب الدرس وان تسعى إلى الحفاظ على النسيج المتماسك للمجتمع الاردني وحمايته من عوامل الانقسام والتشرذم، وأخطر ما يمكن أن يهدد النسيج الاجتماعي والانتماء والوطنية هو التفرقة واللامساواة، وتصنيف المجتمع لفئات، لذلك يجب ان تحرص الدولة على استثمار نتائج اضراب المعلمين على تقوية اللحمة في المجتمع الأردني والتأكيد على مبادئ المساواة والعدل والشفافية بين أفراد المجتمع، وفي هذا الإطار ان تتبنى الحكومة عدة مبادئ اجتماعية أساسية منها:
تعزيز دور مؤسسات الدعم الاجتماعي للشرائح المجتمعية المختلفة وتقوية قدراتها.
تعزيز مفاهيم الوطنية والولاء والانتماء للدولة والتأكيد عليها بعيدا عن التظاهرات الإعلامية المزيفة.
المساواة بين شرائح المجتمع الاردني وتجنب ما يؤدي لشعور أي فئة باللامساواة والعنصرية والتمييز.
تعزيز مفهوم النسيج الاجتماعي الواحد في بلادنا وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها لممارسة أدوارها بشكل مستقل وفاعل.
تعزيز القيم الاجتماعية الاردنية الأصيلة والتأكيد عليها تعليميا وتربويا وثقافيا.
إن تبني مثل هذه القيم وغيرها كفيل لبلادنا بتحقيق الأمن الاجتماعي، الذي يعتبر من العوامل الأساسية في طريق تحقيق التنمية المنشودة والرفاه المطلوب حاضرا وللأجيال القادمة..
ختاما … هنا نخلص الى حقيقة بأنه في ظل غياب سياسة رسمية حكيمة في مجال إدارة المؤسسات العامة، تتكرر مثل هذه المشكلات. حيث إن الحكومات التي تدير المؤسسات العامة على هذه الصورة تتجاهل هذه الأبعاد، ولا تكون حاضرة في أولوياتها، ومن ثَمَّ تزداد حدة هذه المشكلات، وما يرتبط بها…