Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Mar-2020

«جودي» دور سينمائي مميز لـ»زيلونغر» فاستحقت «الأوسكار»

 الدستور-ذكريات حرب

«لم أفكر يومًا باحتمال أن أجسد شخصيتها على الرغم من أنًها كانت جزءًا من حياتي، ولم أكن أعرف تفاصيل هذه المرحلة من حياتها بالذات، نعم،  لقد كانت تجربة مُلهمة  بامتياز.»
تلك كلمات الممثلة (رينيه زيلونغر) التي حصدت جائزة أحسن ممثلة للدور الرئيس في أكبر مهرجانات سينمائية  ثلاثة؛ (غولدن غلوب، والبافتا، والأوسكار 2020)، والتي جسدت دور نجمة الغناء والتمثيل (جودي جارنلاد) إحدى أيقونات هوليوود في منتصف القرن الماضي، والتي سطع نجمها  في التحفة السينمائية  (ساحر أوز)، لتبدأ مسيرتها  في التمثيل والغناء، والكثير من الإنجازات، والجوائز التي حصلت عليها، وإدراجها في قائمة معهد الفيلم الأمريكي في قائمة أفضل 10 نجوم من السينما الأمريكية الكلاسيكية، جعلها إحدى ملكات هوليوود.
يتناول الفيلم الشهور الأخيرة من حياة (جودي)، والظروف الصعبة التي تعيشها، والديون المتراكمة، وعدم قدرتها على إيجاد مكان للإقامة فيها مع أبنائها،  فتضطر إلى إرسال اطفالها للإقامة في بيت زوجها السابق. وعندما تفشل في الحصول على عمل في الولايات المتحدة بسبب اضطراباتها، تقبل عرضًا لأداء عروض موسيقية في لندن؛ لِما تتمتع من شعبية كبيرة.لكن الغربة، وأعصابها المتوترة، وابتعادها عن أبنائها، وإفراطها في تناول الأقراص المنومة منذ طفولتها، والكحول والمخدرات التي اعتادت عليها فيما بعد،  تضع  حدًا لحياتها في بسبب الجرعة  الزائدة في 1969، وهي في السابعة والأربعين من عمرها.
في المشهد الأول، يعيدنا مخرج الفيلم (روبرت جولد) لفيلمها المتميز (ساحر أوز) الذي كان سببًا في انطلاقتها الفنية، والحوار الذي كان بينها وبين مدير الأستديو الذي يحدثها قائلًا: «في القرية فتيات أجمل منك، وهناك من أرنبة أنفها أرق منك، وهناك من اكثرهن طولًا منك، وهناك زوجات المزارعين اللواتي يعملن مع أزواجهن، وحياة رتيبة وروتينية، وتستطيعين أنّ تكوني مثلهن، لكنك تملكين شيئًا لا يملكه غيرك، إنّه صوتك الذي سيكون مرورًا لك للعالم الخارجي..»، لندرك أنّ لهذه الطفلة مستقبلًا زاهيًا. ثم ينقلنا المخرج للمشهد الثاني، والعلاقة الحميمية بينها وأبنائها، واستعدادهم لعرض غنائي معًا  - دون التطرق إلى حياتها المفعمة بالنجاحات والاستمرارية على قمة النجومية، ليكون المشهد الأول دلالة على مسيرتها الفنية - لكن بعد العرض، تظهر مشاكلها المادية في اللحظة التي يرفض مدير الفندق استقبالهم بسبب عدم دفع الفواتير، فتخرج عن سيطرتها، وتلجأ إلى طليقها رغبة في إيجاد مكان لمبيت أبنائها،  وبعد حوار مشحون بالعصبية  والغضب، تذهب إلى منزل ابنتها الكبرى، للتفكير بالخلاص من مشاكلها لتتعرف على زوجها الخامس فيما بعد، وتوافق على العروض المقدمة لها من لندن.
على الرغم من أنّ فيلم (جودي) لم يحقق الكثير من النجاح المتوقع، إلا أن أداء الممثلة (زيلونغر) كان اسثنائيًا، وتقمصت الشخصية بحرفية عالية، بدءًا من الشكل الخارجي للشخصية من حيث الشعر الأسود القصير الذي اشتهرت به (جودي جارنلاد) في القرن الماضي، والمكياج – رشح ضمن فئة المصنفات الفنية للأوسكار – مرورًا بتفاصيل الشخصية المتوترة المليئة بالانفعالات، والحركات الجسدية المضطربة؛ بعينيها الزائغتين، والسيجارة التي ترافقها دومًا، ورجفة يديها كلما تناولت الحبوب المهدئة التي اعتادت عليها منذ طفولتها، وهذا ما نلمسه عندما يعيدنا  مخرج الفيلم (روبرت جولد) عبر الفلاش باكإلى العلاقة التي جمعتها بأمها الجشعة التي كانت السبب فيما وصلت إليه، فقد كانت ترى فيها البيضة التي تفقس ذهبًا، وترغمها في طفولتها على تناول الفيتمامينات للعمل طوال الليل، والأقراص المنومة في النهار، لتغني ليلًا في النوادي، وإجبارهاعلى حبوب لسد الشهية  لتحتفظبوزنها، ولم تذق (الهمبورجر) إلا في أعوامها المتقدمة، عدا قوانين الاستديو الذي كان يرغمها على الالتزام بكل المواثيق بينهم، والتحكم في لبسها وشكلها حتى تبقى الصغيرة المعجزة،  ورفضهم لأول علاقة حب في حياتها مع  الممثل (ميكي روني).
جسدت الممثلة (زيلونغر) الانفعالات الحقيقية للشخصية، في كل أحوالها، فهي في الليل لا تستطيع النوم لأنّها لم تعتد على ذلك، فنراها تتقلب يمنة ويسرة، لتضطر بعد ذلك الخروج إلى الشارع، لعلها تجد ونيسًا في الليل، وفي الوقت الذي يجب أنّ تجهز نفسها للغناء، نراها إمّا في الحمام كي تشرب ما تبقى لديها من الكؤوس، وحركة جسدها التي لا تتوقف، أو أنّها مختبئة في مكان ما لتشرب بما يكفي، فتسألها المسؤولة عن الحفل:»وماذا بعد؟» ترد عليها بعصبية: «إنك لا تستطيعين مساعدتي، ولا أحد.. هل تريدين أن أغني، نعم إنك تجدين في وجبة عشاء لهم..»  وما أنّ تقف لتغني، حتى تبدأ بالضحك والهيستريا،  وقد تشتم أحد الجمهور، ثم تغني بحرقة دافئة عن وجعها الداخلي. وكلما تحدثت مع أولادها بالهاتف تزداد ألمًا ورغبة في العودة، لكنها لا تملك من أمرها شيئًا. وفي اللحظة التي تكتشف فيها صعوبة العودة إلى أمريكا بسبب رفض الجهة المعنية التعاقد معها لإحياء الحفلات، تشعر أنّ العالم قد انتهى من حولها، فتخرج من الفندق منكسرة يائسة، تتعثر بخطواتها وهي تحاول مسح دموعها، بعد المشادة الكلامية مع زوجها الخامس. ولا تجد مُتنفسًا إلا الشارع.
وعندما يلغي النادي عقده معها بسبب عدم قدرتها على الغناء، تتوسل باكية لمن سيقدم فقرته بدلًا عنها أنّ يمنحها فرصة أخرى، لتتألق في الغناء،ويعود صوتها يصدح، ليكون المشهد الأخير، ومحاولاتها اليائسة في تذكر أغنيتها المشهورة (في مكان ما فوق قوس قزح)، لكنها لا تستطيع، فيأتي صوت من الجمهور ليبدأ في غنائها، فتدندن معه، ثم يقف الجمهور يغني معها، ويصفقون معًا، لتقول لهم: «لا تنسوني، فأنا لا أنساكم.. أحبكم..» لتكون ليتلها الأخيرة في العالم.
ولم يكن هذا الدور تحديًا لموهبة  (زيلونغر) التمثيلية فحسب، بل الغنائية أيضًا، فقد قررت أنّ تغني بنفسها رافضة الاستعانة بالدوبلير، لإيمانها أنّ الدور يستحق الكثير منها، وتعلمت الغناء ، وقدمت الأغاني المشهورة لـ (جارنلاد) التي أحبها عشاقها، تقول (رينيه): «تعلمت الغناء، لذا كان علي أنّ أقوم بكل شيء بنفسي،  لقد كنت أقضي يوميًا ساعتين لتعزيز صوتي والتدرج في طبقاته لكي أتمكن من أداء تلك الأغاني، ولذا رفضت الدبلجة،لأنني أريد أنّ أكون هي، ولأكون بعدها قادرة على النظر إليها من منظور أسلوبي، وأتعلم أن هناك سمات في الأداء تمثل جودي بشكل فريد.»
الممثلة (رينيه زيلونغر) الفائزة بالأوسكار للمرة الثانية، أجادت في تجسيد الشخصية التي كانت تتفوق على نفسها في العمل، لكنها ممزقة من الداخل، هشة إثر ما كانت تتعرض له من يأس وقهر، مما دفعها إلى الإدمان الذي كانت تجد نفسها فيه. ولتؤكد أنّ المشاهير ليسوا سعداء كما يعتقد الجميع، فهناك فصول كثيرة  سوداوية في حياتهم، لا يعرفها أحد، ولم يجدوا إلا الانتحار طريق خلاصهم.