Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jan-2020

تونس: الركض بعد الثورة

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
غوردون غراي* – (ذا أراب ويكلي) 17/1/2020
 
كانت الثورة التي تسببت في فرار بن علي من تونس أقل عنفاً بكثير من الثورة الإيرانية، أو الفوضى التي نراها اليوم -للأسف- في سورية واليمن. ومع ذلك، فإن حوادث إطلاق النار والنهب -التي استهدفت في معظمها الفلل الفخمة التي بالكاد كان قد هرب منها أقارب بن علي- ابتلت البلاد بعد رحيله.
* * *
خلال فترة عملي كسفير للولايات المتحدة في تونس، شاهدت التاريخ وهو يتكشف في ذلك البلد رأي العين مباشرة. في 14 كانون الثاني (يناير) 2011، أطاح الشعب التونسي بحكمٍ استبدادي دام 23 عاماً. وأطلقت ثورتهم ثورات الربيع العربي التي لفّت عدة بلدان أخرى، بما فيها ليبيا ومصر وسورية والبحرين واليمن.
وفي الأيام التي تلت ذلك في تونس، عندما عدتُ إلى استئناف روتيني اليومي من الركض عبر تونس العاصمة لممارسة الرياضة واستكشاف المجتمع، فإنني جمعت ذكريات لن أنساها أبدًا.
كنت عدَّاءً شغوفا منذ 25 عاماً. ولذلك، عندما وصلت إلى تونس، كنت سعيدًا عندما اكتشفت أن هناك فرعا نشطا من “هاش هاوس هاريَرز”، وهو ناد دولي للعدائين، والذي يضم مشاركين محليين من تونس، وآخرين من الولايات المتحدة وعدة بلدان أخرى. وأخذتنا جولات الركض إلى كل أنحاء العاصمة الخلابة وضواحيها.
في بعض الأحيان، مررنا بآثار قرطاجنّة التي نجت من الدمار الروماني. وفي كثير من الأحيان تحملنا مشقة الركض في تلال تونس القاسية، التي تقول الأسطورة أنها كانت تذكر الرومان القدماء بتضاريسهم الخاصة. وفي أوقات أخرى، ركضنا مارين بالقصر الرئاسي الذي كان يسكنه الرجل القوي زين العابدين بن علي ويحيط به حراسه الأمنيون المخيفون.
كانت الثورة التي تسببت في فرار بن علي من تونس أقل عنفاً بكثير من الثورة الإيرانية، أو الفوضى التي نراها اليوم -للأسف- في سورية واليمن. ومع ذلك، فإن حوادث إطلاق النار والنهب -التي استهدفت في معظمها الفلل الفخمة التي بالكاد كان قد هرب منها أقارب بن علي- ابتلت البلاد بعد رحيله.
وكانت النتيجة أن الموظفين المتفانين في سفارة الولايات المتحدة في تونس -من الأميركيين والتونسيون على حد سواء- عملوا على مدار الساعة للرد على استفسارات المواطنين الأميركيين القلقين بشكل مفهوم، ولترتيب مرور آمن لأولئك الذين سعوا إلى مغادرة البلاد.
بمجرد انتهاء الأزمة المباشِرة وعودة الهدوء إلى شوارع تونس، شجعتُ موظفيَّ بشدة على تخصيص بعض الوقت الهادئ لأنفسهم، سواء كان ذلك يعني قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم أو قضاء بعض الوقت مع أسرهم. وفي حالتي، كان هذا يعني العودة إلى الجري في شوارع تونس الخلابة وضواحيها الساحلية.
كانت المشاهد التي رأيتها خلال أشواط الركض تلك ملهمة. كانت الدبابات مزينة بباقات الزهور وهدايا المواطنين التونسيين الذين أرادوا إظهار تقديرهم لرفض الجيش إطلاق النار على المدنيين ونجاحه في استعادة النظام. وقد شاهدت حراس القصر الرئاسي “الإمبراطوريين” السابقين الذين كانت وجوههم لا تفصح عن أي تعبير وقد ارتسمت عليها الابتسامات.
كان المشاة الذين يرونني وأنا أركض يهتفون تلي: “أميركي”؟ وعندما أجبيب بـ”نعم”، كانت وجوههم تسفر عن ابتسامات عريضة، ممتنين للدعم المبكر والواضح الذي قدمه الرئيس الأميركي باراك أوباما والكونغرس الأميركي للتونسيين وتطلعاتهم الديمقراطية.
لكن الذي أدهشني أكثر من أي شيء آخر، هو كيف توافد التونسيون على المقاهي، مصممين على العودة إلى إيقاعات حياتهم اليومية.
الكثير من الدبلوماسيين الأميركيين هم عدّاؤون مثلي، لكنها كانت فرصة نادرة أن تتمكن من الركض مباشرة بعد ثورة ديمقراطية، وأن ترى بأم عينك الناس وهم يستمتعون بثمار نجاحهم.
كنت سعيدًا جدًا عندما عدت إلى تونس بعد سنوات قليلة من إنهاء خدمتي كسفير لأرى كيف تقدمت البلاد إلى الأمام، ونعم، لكي أركض مرة أخرى على بعض من دروبي المفضلة في العاصمة الفاتنة.
 
*المسؤول التنفيذي الأول في “مركز التقدم الأميركي”. شغل منصب سفير الولايات المتحدة في تونس ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وركض في أحد عشر ماراثوناً.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Running after the revolution