Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Oct-2017

«المشهدان» الكردي والعراقي بعد رحيل.. «مام جلال» - محمد خروب
 
الراي - مُؤسف رحيل «حلاّل الأزمات» و»إطفائي الحرائق»، كما كان يوصف الزعيم الكردي العراقي جلال طالباني، في توقيت هو الأسوأ الذي يعيشه العراق رغم الظروف السيئة بل الكارثية التي طبعت المشهد العراقي، منذ ثمانينيات القرن الماضي وحوّلته الى ساحة حرب واجتياح وتمرّد واقتتال، دفع العراق–الوطن والشعب–ثمن كل المغامرات والأوهام التي تحكّمت بسياسات طائشة وغير محسوبة ارتكبتها قياداته الداخلية (عربها وكردها) وأخرى كانت نتاج أطماع إقليمية وأخرى دولية وقفت على رأسها الإمبريالية الأميركية, التي رأت في كسر شوكة دولة بحجم وموقع وتاريخ العراق, فرصة لإضعاف المنطقة العربية وتأهيل إسرائيل لدور أكبر من حجمها وتاريخها, وتالياً لرسم خرائط جديدة في المنطقة تتقدم فيه رابطة المذهَب والطائفة والعِرق على اي رابطة اخرى وخصوصا رابطة «العروبة» التي بات عليها (أميركياً وبمعاونة بعض العرب حتى لا ننسى) ان تتراجع ويخفِت صوتها ويخبو بريقها, لصالح الهويات الفرعيّة التي تؤسس لـ»عروبة» من نوع إنبطاحيًّ... جديد.
 
الرجل الإستثنائي الذي برز في المشهد الكردي/العراقي, استطاع ان يحجز لنفسه مقعداً في محيط كردي... إقطاعي وعائلي, تتحكّم في مساره ومصيره عائلة البرزاني، شقّ طريقه الى الزعامة أو لنقل الى الصفوف الأولى, في فترة قياسية لم تحظ بها شخصية أخرى, ما بالك انه ابن شيخ الطريقة القادرية البعيد عن السياسة، لكنه جلال طالباني وقد انتسب للحزب الديمقراطي الكردستاني قبل إتمام دراسته الثانوية, استطاع ان «يخترق» اللجنة المركزية لهذا الحزب الإقطاعي المغلقة أبوابه أمام أي زعامة غير «العائلة»، ليكون عضواً فيها قبل أن يتم الثامنة عشرة من عمره, بل وان يُشكّل المكتب السياسي لهذا الحزب الذي لم تُعرف عنه أي ديمقراطية او انفتاح او ثقافة سياسية ذات بعد ايديولوجي, قبل ان يُتِم (طالباني) العقد الثالث من عمره.. وليقود بعد أقل من عشر سنوات وتحديداً في العام 1975 انشقاقاً وتمرّداً (صاعقاً) للمُلاّ مصطفى البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي, الذي لم يكن يتصوّر ان احداً يمكنه ان يتمرد عليه وان يكسر «زعامته» وتفرّد حِزبه وخصوصاً عائلته واحتكارها التمثيل الكردي، فكيف بـ»شاب» (حتى لا نقول ولداً مقارنة بعمره) يخرج على زعامته ويتمرّد عليه ليُشكّل حزباً جديداً منافساً, يُطلِق عليه اسم «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني».
 
هذا هو «العمّ» جلال المعروف «مام جلال»، والذي لم يتوقّف عن نضاله المُتعدّد الساحات والتحالفات والمنخرط بكليته في المشهد العربي وخصوصاً الفلسطيني منذ انشقاقه عن برزاني, وتحوّل بيروت الى «منفاه» الاختياري هي ودمشق التي نسج مع قيادتها تحالفاً تواصل وامتدّ حتى بعد وصوله كأول «كردي» إلى رئاسة العراق بعد عامين من الغزو الأميركي البريطاني واستمرت رئاسته حتى العام 2014 ولكن من اسف بعد أن «ضربته» جلطة دماغية في العام 2012 وهو رئيساً، ما انعكس سلباً على صحته ونشاطه السياسي ودوره كإطفائي للحرائق وحلاّل أزمات وقدرته على ترجمة مقولته المؤثِّرة بأن «العراق هو كباقة الورد.. المُتنوّعة»... على ارض الواقع, وبخاصة بعد ان سرق رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني الأضواء فيما عصفت بحزبه (الاتحاد الوطني) الخلافات, تبلّورت على شكل انشقاق قاده أحد أبرز قيادات الحزب نشيروان مصطفى، ليُشكّل حركة التغيير (كوران) التي غدت حزباً مستقلاً واخذت من رصيد حزب الاتحاد الوطني الكثير من الدعم والتأييد الشعبيين، رغم أن العلاقات بينهما عادت لتكون طبيعية وكادت في لحظة توافق وانسجام أن تُعيد اللُحمة بينهما، لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث بعد ولا يبدو أنه سيحدث, بعد أن «اقتحم» المشهد قيادي آخر ومن قماشة مشابِهة للتي كان عليها الراحل نشيروان مصطفى, ونقصد هنا الشخصية البارزة في حزب طالباني «برهم صالح» الذي من «سوء حظه» تزامن انشقاقه عن الاتحاد الوطني وتشكيله حزبا جديداً اطلق عليه اسم «الديمقراطية والبناء»، مع نبأ رحيل مام جلال، ما شكّل مفارقة غريبة ومحزِنة, بدل ان يكون «فرصة» لبرهم صالح للإضاءة على برنامجه وتبريراً لانّشقاقه أو تفهّماً له.
 
رحيل مام جلال وهو الذي افقده المرض حيويته وأقعده عن القيام بدوره وخصوصاً مع احتدام الجدل حول الاستفتاء (قبل إجرائه), يعيد الى المشهد الكردي والعراقي الازمة المفتوحة التي خلّفها الاستفتاء وبروز قيادات قوية داخل الوسط الكردي تُهاجِم الاستفتاء وترى فيه مغامرة غير محسوبة, أضرّت القضية الكردية وانعكست آثارها السلبية وربما المُدمِرة, بعد ان بدأ الجمهور الكردي يفيق على خطورة تداعيات استفتاء 25 أيلول الماضي, ظناً منه أن الطريق الى الاستقلال (أو هكذا صوّرها أنصار برزاني) باتت مفتوحة, وان «الحلم» الكردي بات قريباً من التجسّد.
 
عقيلة مام جلال السيدة هيرو إبراهيم، أصدرت بياناً (لا علاقة له برحيل الرئيس, الذي رفض التصديق على عقوبة «الإعدام» لتعارِضها مع قناعاته الشخصية والضميرية) دعت فيه مسعود برزاني الى التراجع عن «خطأ» الاستفتاء, واصِفة المجلس الذي شكّله بديلاً لمجلس الاستفتاء, بأنه «مجلس قيادة ثورة», وفي ذلك إشارة الى ما قد تتطور الامور اليه «كردياً», بعد المخاطِر الماثِلة التي جلبها الاستفتاء.
 
هل يكون رحيل مام جلال فرصة لاستعادة «الحوار» بين الافرقاء العراقيين..عرباً وكردا, وخصوصاً بعد ان «اقترح» حيدر العِبادي, بأن تكون هناك إدارة مشتركة لكركوك, إثر شواهِد على حشد عسكري كردي, في المدينة المُتنازَع... عليها؟.
 
... الأيام ستُخبِرنا.
 
kharroub@jpf.com.jo