Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Feb-2018

مطلوب «علمنة» تاريخنا اولاً - يوسف عبداالله محمود

 الراي - تاريخنا العربي بل كل تاريخ الشعوب ليس مقدساً كله، ليس خالياً من ثغرة هنا وثغرة هناك، انحياز هنا وانحياز هناك. هو في النهاية محكوم بقوانين تاريخية، ان حاد عنها أو تجاوزها فقد بعضاً من مصداقيته، وبات من الضروري إعادته إلى حظيرة النسبي والمعقول.

من هنا أرى من الضروري «علمنة التاريخ» أو «غربلته» لتفارقه المبالغات والمثاليات التي حرص ويحرص بعض مؤرخينا القدامى والمحدثين على تزيينه بها مفاخرةً ليس إلاّ.
وبصراحة أقول إن ما تركه لنا الأقدمون من مؤلفات تاريخية ليس كل ما ورد فيها مقدس أو حقيقي، بل ثمة الكثير من غير المألوف الذي قيل طمعاً في حظوة لدى هذا السلطان أو ذاك. وهنا اقول إن التاريخ ليس معصوما من السلبيات، ينبغي تنقيته منها. قلة من المؤرخين هم الذين كتبوا التاريخ بمصداقية ومنهم من دفع ثمن هذه المصداقية.
وأنا حين أدعو الى «علمنة» التاريخ لا اتجنّى عليه، بل أطالب بتخليصه من السلبيات التي يعجّ بها. «العلمنة» ليست عقوقاً او سُبّة، كما يرى عامة الناس وشريحة من المثقفين الذين يسبغون على التاريخ العربي قديمه وحديثه احكاماً قاطقة يقينية ومطلقة، بحين اذا جرؤ ناقد موضوعي فلم يُسلّم ببعض هذه الاحكام قاطعة تقام الدنيا عليه ولا تقعد!. وهنا اقتبس عبارة للأكاديمي والمفكر د.هشام غصيب أؤمن بسلامتها، يقول «ان الذي يحدد سير التاريخ ليس وعي النخب السياسية والثقافية، وانما التناقضات التي تنخر جسد المجتمع العالمي». (وردت هذه العبارة في مداخلة للدكتور هشام غصيب في احدى الندوات).
وعليه فإن على هؤلاء المثقفين أو المؤرخين أن يشيروا الى هذه التناقضات إن كان هدفهم الإضاءة والتنوير.
لا يجوز للمؤرخ أو من يُقيّم التاريخ العربي أن يغفل أو يتغافل عن دور السلطة السياسية في التأثير على هذا المؤرخ أو ذاك ليكتب ما تريده أو تهواه. إن التسليم بكل ما قاله هذا المؤرخ أو الفقيه مخالف للموضوعية. لذا من حقنا ان ننقد ما قاله أو كتبه نقداً علمياً بعيداً عن العواطف.
ما زال وعي الكثيرين منا قاصراً عن القراءة الموضوعية للواقع الذي نعيشه أو ذاك الذي عاشه أجدادنا. كثيراً ما يتحول ايمانهم بالنص المكتوب الذي ذكره مؤرخونا الى استبداد ووصاية، بحيث لا يجوز للآخر ان ينقده نقداً علمياً.
مكانة النص لا تعني ان يُحظر عليك ممارسة النقد الذاتي بخصوصه. ولنقترب من اللحظة الحاضرة أو المعاصرة: هل نكتفي بتجريح جميع المشاريع النهضوية العربية ونَعْيها لانها باءت بالفشل، أم أن علينا ان نبحث عن اسباب فشلها وندعو الى تصحيح مسارها؟
علينا الا نغفل دور النظم العربية الحاكمة في فشلها. ليس هذا فحسب، بل علينا الا نتجاهل دور الاستعمار في إجهاض هذه المشاريع النهضوية.
بالطبع أنا هنا لا أعمم حين انتقد تراثنا التاريخي القديم والمعاصر، فثمة كتابات تاريخية مشرفة حاكمت عصرها بمنتهى الشفافية، ولكنني اشير الى الكتابات التي لم تخدم واقعها بل راحت تزيّفه.
نحن كعرب اليوم بحاجة الى مجابهة واقعنا الحالي بوعي تاريخي يؤمن بالكرامة الانسانية لهذه الامة العربية التي يُراد لها ان تستسلم للامبريالية العالمية. افتخارنا بماضي أُمتنا لا يعني ان نقف عنده فلا نبني على ما أنجزته هذه الأمة وأبدعته.
الوعي الذي أدعو إليه من شأنه أن يحرر مفاهيمنا من السطحية والمثالية التي لا تحسن بلورة مفهومي الحرية والديمقراطية.
إن علمنة التاريخ لا تعني تكفيره أو سلبه ايجابياته كما يخيل للبعض بل تعني غربلته وتصويب مساره.