Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Dec-2017

القدس وعباد الله وجيل التحرير - د. فايز الربيع

الراي -  عندما قال نيتنياهو هذه الارض مشى فيها أنبياؤنا، وتكلم فيها وعاظنا، وبنوا فيها هيكلنا، أعادنا الى مربع المواجهة التوراتية القرانية، ولا شك ان سورة الاسراء التي مطلعها (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آيَاتِنَا انه هو السميع البصير)، تتضمن مراحل المواجهة ومواصفات الجيل المنشود للتحرير وهم عباد االله، وهو الذي يتحقق على يديه النصر مهما حاولنا أن نغلف الأمور واضحة بالنسبة لهم، ويجب أن تكون واضحة بالنسبة لنا.

الانجاز التاريخي لا يتشكل في فراغ, ولا يبرز على حين غفلة, و إنما هو وليد عوامل
وخبرات تتنامى بمرور الزمن و تزداد نضجا فتؤول الى تحقيق ذلك الانجاز وفي ضوء ذلك
يمكن ان ندرس الانجازات التي نفذها رجل كصلاح الدين سواءً في معركة حطين وتحرير
بيت المقدس عام 583 هـ او في عمليات استثمار الفوز التي اعقبتها وآلت الى تضييق
الخناق على الصليبيين في الشام وفلسطين هنا يبدو ان البطل وحده لا يقدم التبرير
الكافي للانجاز – والجمهور وحده لا يكفي- ولا بد من إضافة بعد ثالث تمثل في تراكم الجهد او تنامي الانجاز التاريخي في سياق من اجل
الوصول الى نتائج مقنعة.
لقد اخترق الصليبيون عالم الاسلام (الجزيرة / الفراتين / الشام / فلسطين / مصر وتمكنوا من اقامة دولتهم في بيت المقدس وكانت
حالة الصراع والتمزق واحدة من اهم العوامل التي مكنت لهم في الارض.
ان بمقدور اي دارس لعصر الحروب الصليبية ان يضع يده على مؤشرات تؤكد التوجه الوحدوي للأمة على مستوى القيادة والقاعدة ومنها
زوال الكيانات المحلية, وزوال انشطار الشام ومصر وحدة الجماهير -وحدة القيادة كما ان بمقدور اي دارس للمرحلة التاريخية نفسها ان
يضع يده على صيغ تنفيذية لهذا التوجه الوحدوي ندرجها في اطار تحالفات على مستوى القمة بين ولاة السلاجقة على الموصل وامراء
الجزيرة الفراتية, والاستقلال في اتخاذ القرار والضم الوحدوي على يد عماد الدين زنكي في الجزيرة وشمال الشام, وتكوين الامة المقاتلة
(والذي تم على يد نور الدين, وعماد الدين زنكي) والضم الاتحادي الذي تم على يد الناصر صلاح الدين في مصر والشام والجزيرة
والاناضول.
لقد أصبحت حلب وهنا نشير الى دورها التاريخي والتي كانت هدفا للهجوم الصليبي عام 518هـ حيث فرض الحصار عليها مما اضطر
قيادتها الى استدعاء أمير الموصل الى حلب- الذي لبى النداء ودعا الى الجهاد ودخل حلب- لإن حلب هي القاعدة الثانية بعد الموصل،
وهذا يفسر لنا ايضا اهمية حلب والموصل والتكامل فيما بينهما.
وبعد وفاة اخيه آل الامر إلى عماد الدين زنكي، الذي دخل حلب عام 522 هـ، وكان شعاره (الوحدة والجهاد)، كانت عين عماد الدين على
امارة الرها والتي سقطت بيده، مما ادى الى حملة صليبية جديدة وصلت بعد وفاة عماد الدين وتولى ابنه نور الدين زنكي. واستطاع أن
يوجه الظروف التاريخية بتجميع القوى الاسلامية بعد القضاء على عوامل التجزئة وتوحيد المدن والامارات – الشام ومن ثم مصر – مما
مهد الطريق لصلاح الدين.
إن خطة نور الدين كانت تكوين الامة المجاهدة القادرة على مواصلة العطاء والفاعلية – مكملا بذال حلقات الاصلاح الاداري والاجتماعي
والتربوي والثقافي بالاضافة إلى البعد العسكري فلن يتقدم لديه الا ذوو القدرة والفضل على الانجاز الامين المسؤول – واولى المؤسسة
القضائية جل اهتمامه – و خول القضاة صلاحيات واسعة ومنحهم استقلالا تاما وانشأ داراً للعدل لمحاسبة كبار الموظفين – وارغامهم
على السلوك السوي او طردهم و استبدالهم اذا اقتضى الامر وكان يطالب برفع قصة كل مظلوم اليه حتى ترتاح الرعية وتنفذ ما
يطلب منها وكان يجلس بنفسه مرتين او اربع مرات – ولم يدع منكرا يسود جانبا من جوانب الحياة الاجتماعية الا عمل على ازالته.
لم يشأ ان يقاتل عدواً في الخارج بينما يعشعش الخراب في الداخل. وكان يحوط نفسه برقابة صارمة على احوال الدولة العامة – ثم
اصدر اوامره بالغاء الضرائب والمكوس غير الشرعية والمنطقية وضمن الغذاء الاساسي لافراد رعيته – وفعل نائبه في مصر صلاح الدين
ما فعله في الشام والموصل واصبح صديقا للفقراء يصفه ابن كثير بانه كان (عفيف البطن – والفرج – مقتصدا في الانفاق على اهله
وعياله حتى قيل انه ادنى الفقراء في زمانه اعلى نفقه منه -). واذا جاء مجلسه احد الفقراء أو الفقهاء أجلسه معه على سجادته، وإذا
أعطى أحداً منهم يقول (هؤلاء جند االله) والقوائم الادارية في دولة نور الدين تشير الى كثير من الاسماء التي لمعت في عصره – ولم
يكن اصحابها الا من عامة الناس. كان يوزع المال مباشرة على المحتاجين وينشئ المؤسسات الخدمية بكل انواعها ويحث على الوقف.
كان يرى ان الدولة جهاز خدمة وانجاز لا اداة قسر واستنزاف كان يدرك ان تحرير الارض وتوحيدها ليس عملا سياسيا فحسب بل هو
مواجهة وصراع حضاري ولا بد من توازن بين متطلبات الروح والجسد والعقل وكان العلماء بالمنزلة الاولى لديه.
ما قدمناه هو مقدّمة لما سنصل اليه في الفترة اللاحقة اي أن الجيل بحاجة الى إعداد يؤهله للنصر, ولا غرو, أن تخصص الجامعة العبرية
مساقا خاصا لدراسة الحروب الصليبية
وأدبها, حتى يحول العدو بين أي قوة–واستعدادات يمكن ان تؤدي الى وحدة الامة وتماسكها وحتى تبقى القدس وفلسطين في
ايديهم, وما نراه من صراع في المنطقة هو جزء من هذا المخطط – واذا اردنا المواجهة الحقيقية المؤدية للانتصار فلا نستعجل، كان
قرار ترمب شرارة، أعادت لهذه الأمة تلمس مكامن القوة فيها وهي موجودة والدور على قادة الأمة ليأخذوا بيدها وهي مستعدة لذلك.