Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Aug-2018

فرصة ولكن! - د. أحمد يعقوب المجدوبة

 الراي - بعكس ما يظن البعض، فإن انشغال الناس بالقضايا العامة، بما في ذلك حماستهم لها في وسائل التواصل الاجتماعي، أمر إيجابي وفرصة سانحة.

لم يكن الأمر دوماً على هذا النحو، فقد تمثلت المشكلة قبل أقلّ من عقدين في عزوف الناس عن الانخراط في القضايا.
تحولات جوهرية حدثت جعلت الناس أكثر اهتماماً بما يجري وتفاعلاً معه. منها شعورهم بالمسؤولية المجتمعية وبتنامي قدرتهم على التأثير وبأن الكثير مما يحدث يمس حياتهم مساساً مباشراُ، وبالذات في ظل الضائقة الاقتصادية وانحسار الدور الريعي للدولة، ومنها كذلك ازدياد مساحة حرية الرأي وتوافر وسائل التعبير والتواصل، والتي لم تكن متاحة إلا للنخب.
تفاعل الناس مع القضايا، على هذا النحو وبهذا الزخم، أمر لا بد من الترحيب به، واستثماره بحكمة ومهارة. وهو أمر مفيد لصانع القرار، لأن الرأي العام في الظروف الصحية يسهم في صناعة قرارات أصوب وأذكى، والتفكير الجمعي أفضل وأدق من تفكير فرد بعينه او مجموعة محدودة من الأفراد.
بيد أن الأمر، على أرض الواقع، لا يخلو من إشكالات، كما أصبح جليّاً واضحاً. فهنالك، عن جهل أو قصد، إساءة استخدام من قبل نفر ليس بالقليل لمساحة التعبير التي تزايدت ولوسائل التواصل المتاحة.
لا بل بلغ السوء في الآونة الأخيرة مستويات غير مسبوقة، منها ارتفاع وتيرة التعميمات الجارفة وتسطيح القضايا وتشويه الحقائق وتزييفها، والتشكيك في كثير من الثوابت، والتجني على الآخرين على نحو لا يقبله أحد. فصرنا وكأننا في حالة"حرب أهلية"،سلاحها الكلام المسموم.
ونذكّر أن هذا الأمر ليس بجديد على مجتمعنا. فمنذ أمد ونحن نعاني من تفشي الإشاعة على حساب الحقيقة، والنميمة على حساب المواجهة الصريحة، والتشكيك بالآخرين والتقليل من شأنهم والذم والقدح وجلد الذات على حساب النقد البناء، لدرجة أن بعضهم أطلق على مجتمعنا لقب"مجتمع الكراهية".كان ذلك قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ذلك كلّه كان محصوراً في أحاديث الناس في البيوت، والمقاهي والصالونات.
عدة أسباب تقف وراء هذه الظاهرة المقلقة، لا مجال للخوض فيها كلها. لكنها مرتبطة أولاً بتراجع دور الأسرة في التنشئة، وانحسار البعد التربوي للمدرسة والجامعة، والتراخي في قضية المساءلة وضعف المؤسسات المعنية بالشباب وتفشي وسائل الإعلام غير المهنية والتي أخذت تلعب دوراً سلبياً، وهدّاماً أحياناً، يتمثل في خلق جو من فوضى الكلام، ومن تشاحن وتناحر يصلان حد الشجار وإثارة الفتن.
الحل بالطبع يكمن في تمكين كل جهة معنية من القيام بالدور المناط بها على أتم وجه، بدءاً من الإسرة وانتهاء بمؤسسات المجتمع بأكمله. لكننا نعوّل أكثر ما نعول على المدرسة والجامعة لأن دورهما أساسي، وأكثر تأثيراً وأسرع وتيرة، في تشكيل اتجاهات الأفراد وصقل شخصياتهم وإكسابهم المهارات اللازمة للتعامل الإيجابي مع محيطهم.
ونشير في هذا المقام إلى ما قامت به الجامعة الأردنية اخيرا، إدراكاً منها لأهمية دورها في تصويب ظاهرة فوضى الخطاب، من تغيير حزمة متطلبات الجامعة ومن إدخال التعلم المدمج بهدف إكساب الطلبة مهارات التفكير الناقد والبحث العلمي والتواصل، ليكونوا قادرين على طرح الآراء المبنية على المعلومة الدقيقة والسند العلمي والتحليل الرصين.
فالحل يكمن في تمكين الناس، لا في قمعهم والحجر عليهم.
كما نعول على مهنية وسائل الإعلام وحرفيتها.
وبعد، فوسائل التواصل فرصة ثمينة إذا أحسنّا استثمارها، وإشكال كبير إذا أهملنا واجبنا تجاهها.
amajdoubeh@yahoo.com