Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2019

حقيقة تضامن الأمم المتحدة مع فلسطين..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

لم يكن الفلسطينيون في عوز إلى التضامن الرسمي المؤثر معهم –عالمياً وعربياً- كما هم الآن. لكنهم ربما لم يحظوا بعدد من المتضامنين من الناس العاديين في العالم –مثلما هو حالهم الآن أيضاً. فبالإضافة إلى الشعوب العربية المتضامنة دائما مع فلسطين كقضية قومية، حققت الرواية المقابلة التي أتاحها الإعلام المفتوح بعض التوازن مع الرواية الصهيونية، وكان لا بد أن ينحاز الذين يتكلفون عناء مطالعة الروايتين إلى صاحب الحق الواضح.
العواطف الشعبية لا تمتلك، للأسف، نفس فعالية السياسات الدولية. ولذلك، ما يزال الفلسطينيون يعانون ويصدّون الهجوم تلو الهجوم، مستأنسين في معركتهم القاسية بالأفراد والمنظمات العالمية الذين يعبّرون عن تضامنهم بشتى الأشكال. فمن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات العالمية، إلى ناشط غربي يقطع القارات على دراجة وقد كتب على قميصه “الحرية لفلسطين”، إلى برلماني صاحب ضمير ينتقد تعامل بلده مع الكيان الصهيوني، إلى طلبة يقاطعون محاضرة لمسؤول من الكيان –كل ذلك يخفف من عزلة الفلسطيني ويزوده بزاد للطريق.
تمر غدا الذكرى الثانية والسبعون لصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 (د-2) المعروف باسم “قرار التقسيم”. وكانت الأمم المتحدة قد قررت في وقت لاحق اعتبار 29 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام -تاريخ صدور قرار التقسيم في العام 1947- يوماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وتريد المناسبة التذكير بأن القرار المذكور نص على قيام دولتين، عربية ويهودية، لكن واحدة منهما فقط هي التي تحققت.
نظرياً، يجب أن تكون الأمم المتحدة حكومة عالمية تدير العالم بعدالة وتفض نزاعاته وتنصف ضعفاءه. لكنّ هذه المنظمة لم تكن، علمياً، سوى “شعب” تابع قليل الحيلة لحاكم دكتاتوري وحاشية صاحبة امتيازات، بحيث ظلت إرادة باقي الأمم مزدراة ومرتهنة دائماً لأصحاب القوة والمال. ربما تكون نية معظم دول الأمم المتحدة صادقة في تعاطفها مع الفلسطينيين، لكنها لا تستطيع لهم شيئاً سوى هذا التضامن السنوي الشفوي، مثل أي فرد عادي قليل الإمكانيات، وصادق العاطفة.
لم يكن القرار 181 نفسه الذي تحيي ذكراه الأمم المتحدة غدا عادلا من الأساس، حين أعطى أكثر من نصف الأرض الفلسطينية لأقلية صغيرة من المستوطنين الغرباء. وهو بذلك ليس مناسبة للاحتفال بالنسبة لأصحاب القضية. ومع ذلك، حتى الحصص المتناقصة التي تكرمت بها الأمم المتحدة على الفلسطينيين من وطنهم بقراراتها اللاحقة لم تكن أكثر من حبر على ورق –ولو أنها صدرت بأغلبيات ساحقة وبتمرير من أصحاب “الفيتو”. ويعلق الكاتب الأميركي، مايكل كوبلو، في معرض حديثه عن قرار إدارة ترامب الأخير بشأن المستوطنات: “بينما تناولت قرارات الأمم المتحدة المختلفة مسألة السيطرة (الإسرائيلية) المطلقة على الأرض ذهاباً إلى مسألة شرعية المستوطنات، فإن أي جهد جاد لم يُبذل للتوصل إلى حل وفرضه من خلال الدبلوماسية أو الإكراه”.
بذلك، كان حال الدول في الأمم المتحدة دائماً مثل حال الأبناء في بيت والد مستبدّ. مهما تكن عواطفهم أو قناعاتهم، فإنها تبقى بلا قيمة لأنهم مسلوبو الإرادة وعاجزون عن التصرف بمفردهم. وكما نرى، لم تقم دولة مهمة واحدة –حتى من التي تجرؤ على التصويت لصالح قرار ينصف الفلسطينيين- بقطع علاقاتها مع الكيان أو مقاطعته اقتصادياً أو ثقافياً. والجميع يتركون المصير الفلسطيني بيد الولايات المتحدة التي لا تحاول حتى أن تخفي عداءها غير الأخلاقي ولا المبرر للشعب الفلسطيني. بل إن كل دول الأمم المتحدة تستطيع على الأقل أن تعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، إذا كانت على قناعة بعدالة قيام هذه الدولة حسب القرارات الأممية، لكنها لا تفعل.
الفكرة أنّ أصحاب المصالح، من أي نوع، لن يتضامنوا معك عملياً إذا لم تتضامن أنت مع نفسك أولاً. ولعل من أوضح القوانين السائدة في العالم أن الناس تقف مع الواقف، وتهابه وتحسب له حساباً حتى لو نطق كفراً بائناً. وقد تضامن الفلسطينيون في الحقيقة مع أنفسهم بالتمسك بهويتهم ومقاومتهم العنيدة للإلغاء. لكنهم يحتاجون أيضاً إلى التضامن مع أنفسهم بتحييد الخلافات، وتهميش الانتهازيين، وابتكار الأدوات بحيث يجد الآخرون جاذبية في التضامن معهم بأكثر من مجرد الكلام وإقامة مناسبات تضامن سنوية أشبه ببيوت العزاء.