Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Nov-2018

من قتل وصفي التل - فايز الفايز

الراي - لا تمرّ ذكرى الشهيد الخالد الرئيس وصفي التلّ كأي ذكرى اعتاد الناس نسيانها رغم احتفال البعض بها، بل أن وصفي لو كان قائدا كرديا من أخواله لنصبوا له التماثيل التذكارية على رؤوس جبال زاغروس، ولو كان زعيما شيعيا لرأينا الطوابير البشرية تنحني عند ضريحه وتطبّر كما يفعل الجاهلون منهم ، ولكن وصفي التل كان عقيدة سياسية ووطنية، وشخصية روائية لا تنافسها شخصية الزير سالم في الموروث الشعبي، فهو بطل فلسطين قبل أن يكون بطلا في الأردن.

من أرض حوران الأردنية خرجت طلائع الأبطال الأفذاذ من هذه الأرض الأردنية التي أنجبت ولا تزال قامات تطاول رماح العزّ والمجد رغم مناجل القاطعين للبطولة والرجولة والوطنية الذين استنسختهم المدنية المادية ومسختهم كالأفاعي التي تعضّ جيّادالجهاد الوطني في قوائمها بكل خسّة وغدرّ، ثم تنسلّ كأنها لعاب كلب على باب سيدها، ومن حوران جاءت بشائر الرجال وبواكير السلطة لتثور على المستعمرين والمستبدين والطامعين بأرض العرب من شامها الى عراقها وفلسطينها السليبة، حتى قلعة الصمود في أردن الأجداد والأحفاد الذين لم يقرأوا تاريخ آبائهم ممن حاربوا بفقرهم غزو الأعداء وانتصروا على الاستبداد.
ثم جاء وصفي كالريح التي تقتلع عروش الجبناء الخائفين على مصالحهم ،الفاسدين الرابضين على أعتاب الممولين، والعملاء بالإنابة عن مصالح الاستعمار والاستحمار، فكان أعرف الناس بسياسات الأنظمة القمعية والقيادات الجلّادة لشعوبها، المستغلّة لثورة الإذاعة والتلفزة للترويج عن مسرحهم السياسي الراقص وتطويع عقول البلهاء من الشعوب، فحقق ثورة فكرية وأطلق نهضة وطنية لا قبل لها ولا بعد، وأحاط بهذا الوطن سياجا قويا من الفكرّ السياسي والعمل المؤسسي، ثم بنى سقفا عاليا من الولاية العامّة لرئاسة الحكومة، ونظفّ المؤسسات الرسمية من نفاياتها القيادية، ووضع الرجل المناسب في مكانه الصحيح، ولهذا فقد كان أعداءه في الداخل أخطر من العدو الخارجي.
في صبيحة اليوم التالي الذي استشهد فيه وصفي على مدخل فندق شيراتون القاهرة 29 تشرين ثاني، حيث المؤامرة الكبرى، بعث مراسل التيلغراف من تل أبيب تقريرا عن ردود الفعل الإسرائيلية جاء فيه حسبما قرأت في إرشيفهم : «اعتبر المراقبون هنا ـ يقصد تل أبيب – أن أغتيال التلّ هو بمثابة ضربة قاسية للوحدة العربية ومحاولات تنسيق النشاط العسكري ضد إسرائيل، ولا سيما على الجبهة الشرقية وهذا سيقوض مساعي الملك حسين لأي خطة سلمية يعمل عليها، مضيفا،» وأكد المعلقون أن التلّ شخصية سياسية فريدة في الأردن وقالوا إنه سيكون من الصعب استبداله، وكان من أصل بدوي ، و يمثل عنصر السكان الأكثر ولاءً للحسين والعمود الفقري لقواته المسلحة، وخلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء سابقا، 1965-1967 ، اكتسب سمعة رئيس حقيقي قام بتحديث الأجهزة الحكومية الأردنية»،ثم ينقل المراسل عن ردود فعل سكان الضفة الغربية: « تم استقبال أخبار وفاة التلّ بفرح في مخيمات اللاجئين، ولكن سكان الضفة الغربية يعتبرونها كارثة، لقد شعروا أن نظام الحسين والحكومة هي المجموعة الوحيدة التي يمكن أن تصل إلى تسوية مع إسرائيل، ويعتقدون أن أي تجدد للقتال على الجبهة الشرقية سيكون سكان الضفة الغربية هم الضحايا الرئيسيين وليست المليشيات الآمنة في الخارج».
وفي ذات اليوم نشرت صحيفة المحرّر اللندنية صورا لمسرح إغتيال التلّ، ومانشيتا فرعيا فحواه: زوجة التلّ صرخت بهستيرية وهي تقول « انتهت فلسطين والعرب(...) ، و هذا باعتقادي دليل قاطع على أن المؤامرة ضد وصفي التلّ لم تكن مجرد إغتيال لرجل سادّ على السادات جميعها، بل إنها مؤامرة على القضية الفلسطينية أولا من خلال المؤامرة المصرسورية على الأردن، الذي يعيش اليوم نتائج تلك المرحلة البائسة ما بعد فقدانه لزعيمه الوطني الذي استشرف مستقبل الأردن مبكراً باستقلال قراره ونزاهة قياداته وهمّة أبنائه بالعلم والعمل، وهذا ما نحصد شوكه هذه الأيام ، ودون أي رغبة منا أن نعرف من قتل وصفي..فوصفي قتله طموحه بوطن لا ينحني.
Royal430@hotmail.com