Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Feb-2019

طمأنة الأعداء* د.أحمد جميل عزم

 الغد

غطى الإعلام خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أمام “منتدى الحرية والسلام الفلسطيني”، في رام الله، يوم الأربعاء 6 شباط (فبراير) 2019، وكان قد تم إطلاق المنتدى الشهر الفائت.
تم تلفيق أخبار عن اللقاء، لكن التلفيق لا يلغي التساؤلات والشكوك والمعارضة لفكرة اللقاء ولخطاب المنتدى.
“لفقت” وسائل إعلام، فيديو قديما يعود للعام 2014، قال فيه الرئيس الفلسطيني، إن من يقول إنه يريد إغراق إسرائيل بملايين اللاجئين، فهذا غير صحيح و”هراء”. والتلفيق لغة، هو ربط موضوعين ببعضهما لتقديم مسألة جديدة. وعلى سبيل المثال نشر موقع “عربي21″، الخبر تحت عنوان “عباس: مع مستقبل شباب إسرائيل ولن نغرقها باللاجئين”، ونشر الموقع صورا وفيديوهات، من لقاء الأربعاء، ووضع بينها فيديو 2014. والنظر للصور يكشف هذا، فالملابس والخلفية، خلف أبو مازن، مختلفة، والورد الموجود في صورة ليس في الثانية. هذا التلفيق ربما يعكس ابتهاج خصوم عباس بتصريحاته، التي تتحول لمادة في وسائل الإعلام الاجتماعي لمهاجمته.
كون الفيديو من 2014، لا يلغي معناه وخطورته، ولكن لا يمكن تجاهل “التلفيق”. وهنا يجدر الاستطراد، وتذكر أن قاموس أكسفورد للعام 2016، قال إن أكثر كلمة جديدة مخترعة، استخدمت ذلك العام، هي “ما بعد الحقيقة” (post truth)، وتعني أنه إذا انتشر شيء في الإعلام الإلكتروني الاجتماعي، حتى لو كان مزيفا أو ملفقا، يصبح مثل الحقيقة التي يرفض المؤمنون بها مجرد نقاشها، ويهاجمون من يطلب منهم الدقة. 
بمقارنة الخطاب في لقاء الأربعاء، بفيديو 2014، يلاحظ أن هناك حذرا أكثر في الخطاب الآن، وحتى في خطاب المنتدى المذكور. فالمنتدى كما يقول ناطقون باسمه يضع “الحرية قبل السلام”، والرئيس الفلسطيني، ذاته قال في اللقاء الذي حضرته شخصيات إسرائيلية، إنه “إذا احترمتني احترمك، احفظ حقي وأحفظ حقك، حافظ على أجيالي وأحافظ على أجيالك”. وقال “التطرف الإسرائيلي قتل رابين، وحكم على المنطقة بالعنف، ويريد المزيد من التطرف بسفك دماء أطفالنا وأبنائنا من خلال الاعتداءات المتكررة على أبناء شعبنا.”
فكرة هذا المنتدى، واللقاءات، وفيديو 2014 وغيره، تأتي في باب طمأنة الإسرائيليين بأن ما يشيعه اليمين الإسرائيلي من مزاعم عن النوايا الفلسطينية كاذب، أو كما يقول أحد مؤسسي المنتدى لمواجهة “الخطاب السياسي المتطرف” الذي من بين ما يروجه، أن “اليهودي مطارد ومستهدف، وأن السلام والانسحاب من الأراضي المحتلة سيشكل خطرا على إسرائيل”.
هذا الخطاب يبدو غريبا، لسببين. الأول أن المجالس الوطنية والمركزية الفلسطينية، قررت إجراءات مثل تعليق الاعتراف بالجانب الإسرائيلي، وبالتالي المتوقع شعبيا منتديات ولجان تقرر كيف يحدث هذا، وتحذر الإسرائيليين من تبعاته، وليس طمأنتهم.
وثانيا، غريب بالمنطق السياسي، على سبيل المثال قال الإنجليزي، إدوارد كار، الذي يعتبر رائد المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، في كتابه “أزمة العشرين عاما”، الصادر عام 1939، والذي بُنيت عليه مدرسة الواقعية، إن تغيير موقف خصم مستفيد من وضع سياسي معين، لا يحدث دون قوة، ودون شعور هذا الطرف بالخوف من أنه حتى “يمنع الثورة” عليه تقديم شيء. ويقول “لا يُلغي دور القوة في التغيير السياسي إلا مراقبون سطحيون جدا”. وطبعا، يُعرف مفكرو الواقعية السياسية القوة بأنها “أثر إنسان على عقل إنسان”، أي ليست بالضرورة القوة العنيفة، ولكن القوة قدرة على إظهار وجود بدائل، ووجود ما يمكن إعطاؤه ومنعه، أي إظهار القوة، بجوانبها المختلفة، ووجود “سلاح ضد الخصوم السياسيين”، والمقصود هنا أيضا ليس بالضرورة شيئا ماديا.
لا يوجد مجموعة قومية منتصرة في صراع وحرب، تقدم لخصومها شيئا، مهما كانت مطالب هؤلاء أخلاقية وموضوعية، إلا إذا شعرت بالتهديد، وخشيت “الثورة”، بحسب تعبير كار. بالطبع فإن رفض المخططات الأميركية من قبل القيادة الفلسطينية، والذهاب للمؤسسات والمحاكم الدولية، هو نوع من القوة، ولكنها ليست كافية لتؤثر على عقل الإسرائيلي، الذي يستهدفه “منتدى الحرية والسلام”. فلا بد من خطاب أكثر جمعا لمعاني ومكونات القوة، وليس نشر الطمأنينة فقط. 
صحيح أنك لا تمد يدك بالسلام، كما تقول القيادة، إلا أن هناك وضع صراع موجود، ولكن خطابا يبرز حتمية المقاومة إذا استمر الوضع، يستحق مساحة أكبر.