Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Jan-2018

تصنيف الجامعات.. النتائج والمآلات - د. سلطان أبو عرابي العدوان

الراي -  يقاس مستوى البلدان اليوم بمستوى تعليمها واقتصادها، والتعليم هو الثروة الحقيقية التي ترفد البلد بالكفاءات والمهارات والمشاريع، وهو العمران الحقيقي لأي أمة، لا عمران البناء، وإن كان الأخير من مظاهر التقدم والازدهار، لكنه ما كان ليحدث لولا أن هناك مؤهلات وخبرات علمية وعملية تخطط، وسواعد علّمتها مقاعد الدراسة ونورتها أروقة العلم في المدارس والجامعات، ولا أكون مبالغاً إن قلت إن الرعاية العلمية والرعاية الصحية هما ركيزتان أساسيتان في بناء الوطن وتعزيز قيم الولاء وترسيخ المفاهيم الإنسانية الراقية. إذ أن كلا الركيزتين تتعاملان مع الإنسان، والإنسان هو أغلى ما نملك، لذا على الإنسان تقوم عمليات النهوض الحضاري والتقدم الاقتصادي وحماية الأمن وبناء الأجيال.

 
وهذا ما أكد عليه جلالة المغفور له بإذن االله الحسين بن طلال «رحمه االله تعالى» من خلال دعمه المستمر لقطاع التعليم والتعليم العالي، وواصل هذا الدعم جلالة الملك عبداالله الثاني «حفظه االله» من خلال تأكيده المستمر على رعاية التعليم وإيلائه الأهمية القصوى، إيماناً من جلالته بأن التعليم هو الثروة الحقيقية للمملكة، وأنه الكنز الذي لايقدر بثمن.
 
من هنا فإنني أقف على الإجراء الأخير لهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي في المملكة الأردنية الهاشمية في تصنيف الجامعات الأردنية في أول تصنيف لها للجامعات الأردنية، معتمدة -حسب ما أعلنت- خمسة معايير تمثلت بالتعليم والتعلم والبحث العلمي والبعد الدولي وجودة الخريجين والاعتمادات الاكاديمية، وهذا يبدو لأول وهلة خطوة في الطريق العلمي الصحيح، كونه يبرز جودة الجامعات ويدعو إلى التنافس العلمي والأكاديمي من أجل تقديم الأفضل والأحسن.
 
لكنني وبحكم خبرتي في التعليم العالي وخدمتي في المؤسسات الأكاديمية ومن بُعد اجتماعي أكاديمي يمكنني القول أن هذا التصنيف سيفٌ ذو حدين، وأكاد أجزم أنه سيكون بحد واحد هو الحد السلبي، لما سيسببه هذا الفرز من إشكالات أكاديمية واجتماعية منها على المدى القريب ومنه ما هو على المدى البعيد. ومن ذلك عزوف الطلبة الاردنيين عن الجامعات التي جاء تصنيفها بالمراتب الأخيرة، ومحاولتهم الالتحاق بالجامعات ذات الترتيب الأعلى، وهذا فضلاً عن نتائجه وأعبائه المادية التي تترتب على السفر والإقامة ومتطلبات العيش اليومي، إلا أن له مآلات عكسية أخرى على مستوى السعة الاستيعابية للجامعات واضطرار بعضها إلى التساهل في الأعداد المحددة حسب الخطة، أو لجوء الطلبة الى الانتظار وضياع عدد من السنوات، أو السعي نحو الهجرة واللجوء، والتغرب والابتعاد اعتماد مؤسسات التعليم العالي في اجراءاتها، وأجزم أنه لن يخطر ببالها، لكن هذه القراءة هي قراءة واقع مشهود وملموس، وتلمس عن الوطن، بالإضافة إلى ما يمكن أن تسببه هذه القضية من قدح أو ذم بالجامعات الأخرى، وهذا بكل تأكيد ليس ما ترنو إليه هيئة
لمواطن النجاح نتيجة خبرة وخدمة طويلة.
 
وعليه ستشهد بعض الجامعات استقطابات وإقبالاً محلياً وعربياً، بينما ستشهد جامعات أخرى (خاصة وحكومية) عزوفاً كبيراً مما يضر بسمعة بعض الجامعات وبالتالي الإضرار بالميزة التنافسية التي تتمتع بها الممكلة الأردنية بين الأشقاء العرب على مستوى جامعاتها ومؤسساتها التعليمية، والسبب هو جملة تصنيفات أراها اليوم بحاجة إلى حصرها ضمن حدود المؤسسات المختصة لأغراض التقييم والتقويم ولا يشترط بها النشر والإعلان، لاسيما ونحن بلد يستقطب مختلف الجنسيات العربية، وهذا الاستقطاب يتطلب أن تكون فيه سياسة التعامل مع مؤسسات التعليم العالي بطريقة أخرى تزيد في جاذبية جامعاتنا لا التنفير منها. وهذا يؤكد على ضرورة إيلاء الجامعات الحكومية جميعها اهتماماً كبيراً ومتماثلاً، بل وتشجع الجامعات التي تظهر من خلال بعض التقييمات بأنها ضعيفة، لتعزز من مكانتها العلمية وأدائها الأكاديمي أسوة بالجامعات الأخرى التي حصدت مراتب أعلى، إذ أنه وبالمحصلة فالجامعات جامعاتنا والطلاب طلابنا والوطن وطننا.
 
ثم ومن جهة أخرى فإن هذا التصنيف فيه إشارة الى تقصير رسمي واضح تجاه الجامعات الحكومية، وإلا لماذا اختلف أداء الجامعات الحكومية وهي تعمل بأنظمة حكومية موحدة، وسياقات أكاديمية متماثلة، وافترض أن تكون هناك متابعة وتقييم مستمر لعمل الجامعات، فأين الخلل؟ ثم هل من العدل أن تقارن الجامعة الأردنية مثلاً بجامعة الطفيلة التقنية(والتي تشرفت بأن كنت الرئيس المؤسس لها)!، في الوقت الذي تتلقى فيها الأردنية اهتماماً ودعماً يفوق ما يصل إلى الطفيلة التقنية أو الجامعات الحكومية الأخرى اضعافاً مضاعفة!. فضلاً عن كون الأردنية محصورة قبولاتها بالطلبة من ذوي المعدلات العالية!، هل تم تهيئة البنية التحتية اللازمة لكل الجامعات بما في ذلك جامعات «الأطراف» على قدم المساواة، حتى إذا حصلت المقارنة كانت المقارنة منصفة!، هذه التساؤلات وغيرها ليست من نافلة القول، بل هي الوقع والواقع بعينه الذي ينبغي أن نواجهه ونعمل على إصلاحه والارتقاء به، بدلاً عن أن نمضي في وصف الاشياء دون التركيز على تمتين الأسس الأكاديمية، والبيئة العلمية المناسبة لطلبتنا والكفاءات التعليمية والتدريسية.
 
وهذا الكلام–طبعا- لا يخص الجامعات الحكومية وحسب، بل ينسحب على الجامعات الخاصة، التي لا نرضى لها إلا أن تكون في ذات المراتب العليا جنباً إلى جنب مع الجامعات المرموقة في العالم، فهي بكل تأكيد تمثل الواجهة العلمية للبلد، وحيازتها للمراتب العليا إنما يسجل للمملكة، وهذا يدعونا وكل من له علاقة إلى أن نضع الجامعات الأردنية جميعها محل نظر المتابعة والتقييم، وتعزيز نقاط القوة فيها، وتقوية نقاط الضعف أينما وجدت. وهذا هو الدور المرتقب من هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي في متابعة أداء الجامعات والمستوى الأكاديمي فيها، فما وجدت من مواطن قوة أثنت عليها وعززتها، وما وجدت من ضعف شخصته وعالجته وقوّمته، دون اللجوء إلى إعلان ذلك على الملأ لاسيما فيما يخص نقاط الضعف، لأن الإعلان ينبغي أن تسبقه خطوات في المتابعة والتقييم والمعالجة.
 
ولايفوتني في الختام وبعد أن أمعنا في المضمون أن أذكر بأن تصنيف الجامعات بالصيغة الشكلية التي تمت من خلال عدد النجوم أحسبه شكلاً لايليق بالمؤسسات العلمية، وإن كان متبعاً في التصنيف السياحي الخاص بالمطاعم والفنادق، فإن الجامعات لها شكلها ومضمونها المميز، وهكذا ينبغي أن تظل مميزة شكلاً ومضمونا.
 
*الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية