Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Apr-2020

دفاعاً عن سمو الدستور وسيادة القانون* المحامي الدكتور علي الدباس
عمون -
كثر الحديث خلال الساعات السابقة عن مدى تمتع النائبين اللذين خالفا قرار حظر التجول المنصوص عليه بأمر الدفاع -الصادر بالاستناد لقانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992- بالحصانة البرلمانية الإجرائية؟ وللإجابة على هذا السؤال لابد من بيان أحكام الحصانة البرلمانية الإجرائية في التشريع الأردني وعلى النحو الآتي:
 
بداية لابد من التذكير بأن أداء الوظيفة النيابية باستقلال وحرية وطمأنينة يستدعي - إضافة لتقرير الحصانة الموضوعية المتمثلة بتحصين العضو ضد المسؤولية الجنائية والمدنية عما يبديه من أقوال وأفكار وآراء داخل المجلس أو لجانه- حماية النائب من الإجراءات الجزائية التي قد تعيقه عن أداء مهامه النيابية، ولذلك نظمت الدساتير في مختلف دول العالم ما يعرف بالحصانة البرلمانية الإجرائية والتي يطلق عليها أيضاً الحرمة الشخصية أو الحرمة البرلمانية، والتي تعرف بأنها "تعليق اتخاذ إجراءات جنائية ضد العضو على إذن المجلس النيابي، فإذا أذن المجلس اتخذت الإجراءات بحقه وإلا فلا"، ويتضح من التعريف السابق ان الحصانة البرلمانية الإجرائية لا تعني رفع صفة الجرم عما يرتكبه العضو، ولا تعني عدم إمكان مساءلته على غرار الحصانة الموضوعية، ولكنها تعني عدم تمكين السلطة التنفيذية من الشروع في اتخاذ إجراءات جزائية ضد النائب تعيقه عن أداء عمله البرلماني.
 
وبالرجوع إلى نص المادة (86/1) من الدستور الأردني نجد أنها تنص على ما يلي: " لا يوقف أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً ".
 
​ويتضح من النص السابق ان نطاق الحصانة من حيث الإجراءات لم يشمل جميع الإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية، وإنما قصر نطاق الحصانة الإجرائية على التوقيف والمحاكمة، وما عدا ذلك من الإجراءات فإنه يمكن للنيابة العامة اتخاذها بحرية تامة، مما يعني أنه يمكن اتخاذ إجراءات تكون ماسة بشخص العضو إبتداءً من قيام أفراد الضابطة العدلية بإجراءات التحري والاستدلال، ومن ثم مباشرة النيابة العامة لإجراءات التحقيق الابتدائي من دعوة عضو البرلمان أمام المدعي العام واستجوابه وتفتيشه وتفتيش منزله وسماع أقوال الشهود وغير ذلك من الإجراءات كالانتقال والمعاينة والخبرة.
 
إلا أن المادة (139) من النظام الداخلي لمجلس النواب نصت على عدم ملاحقة العضو جزائياً واتخاذ إجراءات جزائية أو إدارية بحقه أو إلقاء القبض عليه أو توقيفه خلال فترة انعقاد المجلس إلا بإذن من المجلس باستثناء الجرم المشهود، وبالرغم من شبهة عدم دستورية ما جاء بالنظام الداخلي لمجلسي النواب يمكن القول أنه جاء لاستكمال النقص الوارد بالنص الدستوري الذي أباح اتخاذ كافة الإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية باستثناء التوقيف والمحاكمة، مما يعني أنه يجوز القاء القبض على أعضاء مجلس الأمة من قبل أفراد الضابطة العدلية، الأمر الذي يتنافى مع العلة التي من أجلها أُقر مبدأ الحصانة الإجرائية، لذا نأمل من المشرع الدستوري تعديل نص الفقرة الأولى من المادة 86 لتتفق مع أغلب دساتير دول العالم والتي تحرم اتخاذ أي من الإجراءات الواردة بقانون أصول المحاكمات الجزائية بحق أعضاء المجالس أثناء فترة انعقادها.
 
وتعزيزاً لمبدأ سيادة القانون عاد المشرع الدستوري الاردني واستثنى من طلب رفع الحصانة عن عضو مجلس الأمة حال القبض عليه متلبساً بجريمة من نوع الجناية أثناء انعقاد المجلس، وفي هذه الحالة يجوز اتخاذ الإجراءات الجزائية في مواجهته، بما فيها التوقيف والمحاكمة دون الحصول على إذن، وكل ما يلزم عندئذ هو إعلام المجلس الذي ينتمي إليه العضو بذلك فوراً، فيما تبقى حصانة عضو مجلس الأمة قائمة في حال ضبط متلبساً بارتكاب جريمة من نوع الجنحة أو المخالفة، فلا يجوز توقيفه أو محاكمته إلا بعد الحصول على إذن المجلس الذي ينتمي إليه.
 
ولا يصح قول البعض – مع الاحترام لقائليه- بأن المقصود بالجريمة الجنائية هو الجريمة الجزائية وبالتالي ينطوي تحتها جميع انواع الجرائم وهي: الجناية والجنحة والمخالفة، فالمستقر فقها وقضاء ان الجرائم الجزائية في الاردن تقسم الى ثلاثة انواع: جناية وجنحة ومخالفة، ولو أراد المشرع هذه النتيجة لنص عليها صراحة، ناهيك عن ان الأخذ بهذا الرأي سيفرغ الحصانة الاجرائية من مضمونها وغايتها حيث سيهل على السلطة التنفيذية توقيف النواب لأبسط الاسباب كارتكاب بعض مخالفات قانون السير مما يعيقه عن ممارسة عمله النيابي.
 
ولا يغير من الأحكام السابقة وتحديداً حكم المادة (86) من الدستور ما ورد في قانون الدفاع النافذ حاليا في المملكة، بعد صدور الإرادة الملكية السامية بالعمل بأحكام قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992 في عدد الجريدة الرسمية رقم 5625 بتاريخ 18/3/2020، ويستند هذا القول لأحكام المادة (124) من الدستور الاردني والمادة (3/1) قانون الدفاع؛ إذ تنص المادة (124) من الدستور على: " اذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية الى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذلك بإرادة ملكية تصدر بناءً على قرار من مجلس الوزراء. فيما تنص الماد (3/1) من قانون الدفاع على: ": "يناط تطبيق هذا القانون برئيس الوزراء لاتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية لتأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة دون التقيد بأحكام القوانين العادية المعمول بها. "
 
فيتضح من النص السابق ان الدستور قد حدد التشريعات التي يمكن وقف العمل بها "بقوانين الدولة العادية"، ويعلم جميع دارسو القانون ان المقصود بالقانون العادي هي القواعد التي تصدر عن السلطة التشريعية، التي أنشأها الدستور، ولا يشمل القواعد الدستورية التي تضعها السلطة التأسيسية، وقد أحسن المشرع الدستوري عندما حدد القانون الذي يمكن وقف العمل به بالقانون العادي، بحيث اخرج من ضمن التشريعات الي يجوز وقف العمل بها القواعد الدستورية، وهو ذات النهج الذي تبناه المشرع العادي عند وضع نصوص قانون الدفاع.
 
وخلاصة القول وعلى الرغم من عدم قبولنا بسلوك النائبين، الا أنه و إعلاءً لأحكام الدستور وتأكيدًا لمبدأ سيادة القانون وتعزيزا لمكانة السلطة التشريعية والتي يجب التمسك بها حتى في حالات الطوارئ، فإنه لابد من القول ان النائبين وفي ظل هذه الظروف لا يزالان يتمتعان بالحصانة الاجرائية المقررة بالمادة (86/1) من الدستور الاردني، والتي لا يجوز تعطيلها استنادًا لأحكام قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه كونها تشكل جنحة بالاستناد الى امر الدفاع رقم (1) الذي عاقب كل من يخالف أحكام امر الدفاع هذا والبلاغات الصادرة عن رئيس الوزراء ووزير الدفاع بمقتضاه، بالحبس الفوري مدة لا تزيد على سنة، وأمر الدفاع رقم (3) الذي عاقب من يخالف أمر الدفاع رقم (٢) لسنة ٢٠٢٠ بحظر تنقل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق المملكة ، والبلاغات الصادرة بمقتضاه بعقوبات لا تزيد عن الحبس لمدة سنة أو بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (500) دينار أو العقوبتين معا، فجريمة النائبين لا ترقى لمستوى الجناية وفقًا للعقوبات المقررة بأمر الدفاع رقم (3) كي تتم ملاحقتهم دون إذن المجلس بوصفهم متلبسين بجناية، وإنما هي جنحة وبالتالي يجب تعليق اتخاذ الإجراءات الجزائية بحقهم الى أن يتم الحصول على إذن من مجلس النواب .