Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Jun-2019

بعد فشل نتنياهو في تشكيل حكومة. ما هو حل ترامب لمشكلة إسرائيل-فلسطين؟

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

نيري زيلبر* – (الديلي بيست) 29/5/2019
تتجه إسرائيل إلى عقد انتخابات جديدة بعد أن فشل صديق ترامب، بنيامين نتنياهو، في تشكيل حكومة ائتلافية. وكانت خطة كوشنر للسلام الإسرائيلي-الفلسطيني ميتة منذ الولادة على أي حال. ومع ذلك، لم يعد هناك في الوقت الحالي شريك إسرائيلي.
* * *
تل أبيب- تتجه إسرائيل حالياً نحو إعادة انتخابات غير مسبوقة بعد أسابيع فقط من إجراء الاقتراع الأخير. وجاء هذا التطور متزامناً مع وصول زائر أجنبي مهم إلى القدس –جاريد كوشنر.
وفي حين كانت زيارة كوشنر القصيرة إلى إسرائيل مدرجة على جدول الأعمال قبل نشوب هذه الأزمة السياسية المحلية الأخيرة، كان القصد من قراره المضي قدماً بهذه الرحلة على الأرجح هو إرسال إشارة، مهما بدت غير منطقية، بأن إدارة ترامب قد تواصل الدفع قدماً بالإعلان المزمع عن خطتها للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في شهر حزيران (يونيو)، بدءاً بعقد مؤتمر اقتصادي إقليمي في البحرين.
كانت السلطة الفلسطينية قد وصفت ما تسمى “صفقة القرن” بأنها “ميتة منذ الولادة” بعد مجموعة من القرارات الدبلوماسية التي اتخذتها الولايات المتحدة، والتي تنظر إليها السلطة كعقوبات ضدها (والتي تفيد إسرائيل). وينوي المسؤولون الفلسطينيون مقاطعة مؤتمر البحرين، في سياق علاقتهم الأوسع نطاقاً المقطوعة مسبقاً مع واشنطن.
لكن فريق السلام الأميركي الذي يقوده جاريد كوشنر يبدو غير عابئ برأي السلطة. وكان كوشنر قد لخص منهجه في رسالة بريد إلكتروني تمّ تسريبها العام الماضي، والتي كتب فيها: “لا يمكن أن يكون هدفنا هو الإبقاء على الأمور مستقرة بما هي عليه… أحياناً يترتب عليك أن تخاطر استراتيجياً بكسر الأمور حتى تصل إلى غايتك”.
ومع ذلك، قام لاعبون آخرون بشكل ثابت بعزل الولايات المتحدة عن تداعيات خياراتها السياسية المدمرة -وعلى نحو أدام استقرار الأوضاع وتجنب كسر الأمور فعلياً.
ومن المرجح الآن أن يعوّل كوشنر وزملاؤه من مبعوثي السلام، الذين يعملون جميعاً في تجارة العقارات، على “عملية إنقاذ” أخرى بينما يخرج مشروعهم متعدد السنوات إلى العلن.
بدأت الأزمة في العلاقات الأميركية-الفلسطينية في كانون الأول (ديسمبر) 2017، عندما أعلن دونالد ترامب عن نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، معترفاً بذلك بمطالبات إسرائيل بامتلاك المدينة المقدسة المتنازع عليها. وفي ذلك الحين، توقّع بعض المحللين اندلاع أعمال عنف فلسطينية -تظاهرات وأعمال شغب، وأسوأ من ذلك- لكن كلاً من القدس والضفة الغربية ظلتا هادئتين. وكما قال لي أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين بعد وقت قصير من ذلك، فإن التعاون الأمني أصبح أقرب في الحقيقة بين قوات أمن السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي خلال تلك الفترة، على الرغم من التهديدات الفلسطينية بإعادة النظر في هذه العلاقة الحاسمة.
بعد بضعة أشهر، في أيار (مايو)، تمّ افتتاح السفارة الأميركية في القدس رسمياً في حفل مترف. وفي حديث له الشهر الماضي، أخفى السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، بالكاد فرحته بينما يتحدث بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لافتتاح السفارة في الشهر الماضي.
وقال فريدمان: “مع التوقعات كافة، حتى بعض توقعاتنا الخاصة… حول وجود مخاطر؛ حول اندلاع العنف والتشاؤم، والقدر المحتوم -أظهر الواقع أن ما لم يزد عن 20 شخصاً، كما أعتقد، هم الذين خرجوا للاحتجاج في جميع أنحاء القدس في ذلك اليوم”. وأضاف: “أعتقد أن عدد الناس الذين كانوا مستائين من الطعام الذي يتناولونه في مختلف المطاعم كان أكبر من عدد أولئك الذين غضبوا من نقل السفارة”.
لكن ذلك لم يكن من قبيل الصدفة، ولا كان حتمياً بالضرورة. فقد خرج بضعة آلاف فقط من المتظاهرين من مختلف الأماكن في الضفة الغربية خلال تلك الفترة، على الرغم الإضراب العام الذي دعت إليه السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، لم تمنح السلطة الفلسطينية في ذلك اليوم عطلة لموظفيها في واقع الأمر، كما أنها لم تقم بحشد كوادرها الخاصة من حركة فتح. وقد سيطرت قوات أمن السلطة الفلسطينية فعلياً على الأحداث في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما في ذلك شن حملة قمع متواصلة ضد خصومها الإسلاميين من حركة حماس.
بدءاً من شهر آب (أغسطس) الماضي، قامت الولايات المتحدة، في سلسلة متعاقبة من الأحداث، بخفض دعمها المالي للمناطق الفلسطينية بأكثر من 500 مليون دولار، وشمل ذلك بشكل أساسي مشاريع التنمية والبنية التحتية التي تنفذها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؛ والتمويل الأميركي لبرنامج الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين -“الأونروا”). وكانت الأضرار الاقتصادية المحتملة في كل الضفة الغربية وقطاع غزة هائلة، حيث أثّرت على نحو مليوني شخص -ومعها جاءت المخاوف في أوساط المؤسسات الأمنية الإسرائيلية من قدوم عدم الاستقرار وحدوث أزمة إنسانية.
وهنا، تمت مرة أخرى حماية إدارة ترامب -وبالتالي إسرائيل- عن أي تداعيات يمكن أن تترتب على هذه القرارات عندما تدخلت عدة دول خليجية وأوروبية وسدت الفجوة في تمويل “الأنروا”. كما ساعدت المملكة العربية السعودية وقطر بشكل خاص السلطة الفلسطينية على مواجهة أزمتها المالية المستمرة والحادة في الميزانية، والتي تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة.
في ما يقول الكثير، كانت المساعدات الأميركية الوحيدة التي تبقت هي المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لقوات أمن السلطة الفلسطينية، في تأكيد الأهمية التي توليها حتى إدارة ترامب نفسها للتعاون الأمني بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ومع ذلك، تم إيقاف هذا التمويل الأخير أيضاً في شباط (فبراير)، عندما فشلت إدارة ترامب في إقرار تشريع يتيح التسوية مع الكونغرس للإبقاء على تدفق المساعدات. وفي أعقاب ذلك، استمرت الجهود الأوروبية المنفصلة على الأرض لتدريب قوات أمن السلطة الفلسطينية (الشرطة في المقام الأول) وتزويدها بالمشورة. وبالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من وقف المساعدات، حافظت السلطة الفلسطينية بدورها على روابطها الأمنية مع الولايات المتحدة، فيما يقال إنه يأتي عبر قنوات سرية مع وكالة الاستخبارات المركزية السرية.
وقد اعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهذا القدر قبل بضعة أشهر، حين قال إن التركيز كان منصباً على مكافحة الإرهاب. وقال عباس إنه كان هناك “اتفاق مشترك لمحاربة الإرهاب”، مع إسرائيل، والذي لن ينتهكه، وإلا “لن يتبقى أي شيء”.
كان هدف الولايات المتحدة من كل هذا شفافاً إلى حد ما. وكما قال ترامب نفسه: “لقد أوقفتُ مبالغ كبيرة من الأموال التي كنا ندفعها للفلسطينيين… وأقول لهم: سوف تحصلون على الأموال، لكننا لن ندفع لكم قبل أن نبرم صفقة. إذا لم نتوصل إلى صفقة، فلن ندفع”.
ومن المقرر أن يتمّ الكشف عن الصفقة المعنية جزئياً خلال المؤتمر الاقتصادي الذي سيعقد في البحرين هذا الشهر. وسكون ذلك هو المكان حيث سيسعى كوشنر وفريقه للحصول على تبرعات من الحكومات العربية المختلفة -والتي يقال إنها تقدَّر بنحو 25 مليار دولار- والتي ستخصص -كما قال البيان الصحفي- لـ”تقديم فرص جديدة ومثيرة للفلسطينيين كي يتمكنوا من تحقيق كامل إمكانياتهم”.
وقد رفض المسؤولون ورجال الأعمال الفلسطينيون هذه الخطوة واعتبروها “رشوة” تهدف إلى مصادرة “حقوقهم الوطنية”. وينسجم هذا السعي إلى إلقاء نقود الآخرين على المشكلة الإسرائيلية-الفلسطينية -والتي خلقت واشنطن الكثير منها خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية- إلى حدّ كبير مع نهج إدارة ترامب حتى الآن.
يتمثل مكمن القلق الحقيقي في أن شبكة الأمان -الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية- التي حافظت على الاستقرار في المناطق الفلسطينية لن تكون بالقدر نفسه من القوة هذه المرة.
ربما ترى حكومة نتنياهو المقبلة -وهو الذي يظل الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات المقبلة مرة أخرى- في رفض الفلسطينيين المحتم لخطة ترامب للسلام ذريعة تمنحها الضوء الأخضر للشروع في ضم المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية. وربما تشعر الدول العربية والأوروبية بالسأم من العمل كآلة صرف نقود لدعم حل كان قائماً أساساً على مبدأ الدولتين، والذي لم تعد واشنطن والقدس تؤمنان به.
تحذّر “الأونروا” مسبقاً من أنها تعاني مجدداً من نقص التمويل لهذا العام، مع مواجهة مليون شخص في غزة وحدها نقصاً حاداً في المواد الغذائية بحلول شهر حزيران (يونيو). ومع ذلك، قال جيسون غرينبلات، العضو الثالث في فريق ترامب للسلام، إن وكالة الغوث يجب أن تُحل، مدعياً بأنها “خيّبت آمال الشعب الفلسطيني”.
وفي خطوة من المؤكّد أنها ستثير الكثير من العواطف، سوف يُعقد مؤتمر البحرين بالتزامن مع مؤتمر لمانحي “الأونروا”، فيما سيشير على ما يبدو إلى أن الأميركيين يفضلون الشكل على المضمون. وقد تصادمت إسرائيل مع حركة حماس الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة بشكل متكرر خلال العام الماضي، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع بشكل رئيسي. وإذا لم يتم تخليص الولايات المتحدة مرة أخرى من نوازعها السيئة، فإن اندلاع أزمة -وحرب أخرى- في غزة سيكون مسألة وقت فحسب.
من جهتها، قد تغيّر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية استراتيجيتها، كما هدّدت مراراً وتكراراً، فتوقف التعاون الأمني مع إسرائيل وتنسحب من الاتفاقيات القائمة منذ وقت طويل التي تضمنتها عملية سلام أوسلو في العام 1993.
وقد أدى وقف المساعدات الأميركية عنها، مصحوباً برفضها المنفصل لقبول أي تحويلات ضريبية منقوصة من إسرائيل، إلى تعميق أزمة موازنة السلطة الفلسطينية. ومند مطلع العام الحالي، يتقاضى الموظفون الحكوميون، بمن فيهم ضباط الأمن الذين يتعاونون مع إسرائيل أنفسهم، نصف أجورهم فقط. وتقدّر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن لدى السلطة الفسطينية، إذا ظلت ماضية في مسارها الحالي، شهران إلى ثلاثة فقط قبل أن تشرع في الانهيار. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية، يعتقد الإسرائيليون بأن هناك احتمالاً ضئيلاً لخضوع الرئيس عباس للضغوط الأميركية ومعاودة الانخراط من جديد في خطة السلام.
إذا كانت إدارة ترامب قلقة (كما ينبغي أن تكون)، فإنها لا تُظهر ذلك في العلن. وعندما تمّ وضع السيناريو المذكور أمام كوشنر مؤخراً، بما في ذلك احتمال انهيار السلطة الفلسطينية نفسها، تظاهر باللامبالاة، وقال بطريقة رجل اعتاد على تدخل أحد لإنقاذه مرة بعد المرة: “سوف يكون ما سيكون”.
 
*صحفي ومحلل سياسي وثقافي متخصص في الشرق الأوسط، وزميل مساعد في معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: After the Netanyahu Fail, What Is Trump’s Israel-Palestine Solution? Let Others Pick Up the Pieces