Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Mar-2019

جماليات اللغة في المجموعة القصصيـــة «ظفائـر روميــة»

 الدستور-دلال عنبتاوي

جاء عنوان المجموعة القصصية «ظفائر رومية»، للقاصة فداء الزمر، حاملا دلالات أنثوية واضحة من خلال كلمة ظفائر التي هي جمع ظفيرة وجاء تعريفها في لسان العرب ضفر: الضفر: نسج الشعر وغيره عريضا، والتضفير مثله: والضفيرة: العقيصة، وقد ضفر الشعر ونحوه يضفره ضفرا: نسج بعضه على بعض.
والظفيرة كماهو معروف جزء من شعر الأنثى وهي هنا ليست واحدة بل جمعت جمع تكسير فكانت ظفائر لرومية التي عبرت عنها الكاتبة في نص جمع مابين النص النثري المفتوح على أجناس كثيرة و القصة قالت الكاتبة في النص المعنون بـ «ظفائر رومية» في ص15 الذي سنجده يحمل عدة دلالات فيما بعد في المجموعة: «جدلت ظفيرتها بخيوط الذهب/ زينتها بزهر الدحنون/ حملت في جبينها منديلا طرزت عليه قلوبا».
لقد بني العنوان على المباشرة والوضوح ولم تختر الكاتبة كلمة جدائل إلا أنها ذهبت بقصدية عالية إلى كلمة ظفائر وأوضحت ذلك في ذات النص الذي كان يحمل الاسم ذاته في المجموعة. تقول الساردة: أشاحت بوجهها بسرعة/ فجدائل شعرها ذهبية../ وتلك التي في الصورة، بدت جدائل رمادية».
يقول رولان بارت: «إن العناوين عبارة عن أنظمة سيمولوجية تحمل في طياتها قيما أخلاقية واجتماعية وأيدلوجية». لذا يعتبر العنوان حقلا دلاليا يبعد النص عن أية قراءة أحادية فهو يفترض ان هناك صلة ما قد تنشأ بين العنوان والنص فالعنوان هو عتبة النص الأولى وهو الذي يكشف وعن قصدية منه بنية النص، خاصة عند تلقي النص عبر سياقات نصية تبرز طبيعة التعالقات التي تربط العنوان بنصه فالعنوان هو الذي يملك سلطة النص وواجهته الإعلامية. ولقد بني هذا العنوان على تركيب مكون من وحدة لغوية متكاملة تتكئ على الجملة الاسمية «ظفائر رومية».
كلنا يعرف طرق تناول القصة القصير نقديا بدءا من التقنيات وانتهاء بالعناصر والسمات التي تتمتع بها. لقد قرأت هذه المجموعة أكثر من مرة ولفتتني لغتها كثيرا فوجدت نفسي مشدودة للكتابة عنها.. ولذلك جاءت هذه الورقة باحثة ومعنونة بجماليات اللغة وهي وعلى عجالة منها ستتحدث « عن جماليات اللغة في هذه المجموعة القصصية.
معروف أن اللغة في القصة القصيرة بشكل خاص تقوم على عدد من المقومات ولا أبالغ إن قلت أن اللغة في هذه المجموعة جاءت متميزة طيعة سهلة لكنه السهل الممتنع إذ ابدعت القاصة في التعامل معها فجاءت لينة التعبير وكشفت عن مقدرة القاصة الأدبية والفكرية.
 لغة تتمتع بشاعرية عالية
ومن المعروف أن اللغة هي الثوب الذي يكتسي به العمل القصصي، وكما هو الحال عند البشر، قد يصنع الثوب من قماش مرتفع السعر باهظ التكاليف، ومع ذلك قد تنفر منه العين ولا تتقبله، بل إن الذوق الرفيع يستهجنه، وقد يكون الثوب بسيطاً غير مزركش ولكنه يكون مقبولا ترتاح له النفس ويسر له الخاطر، واللغة المثقلة بالتزاويق اللفظية تنفر القارئ وتضيع منه المعنى الذي قد لا يكون موجوداً أصلاً ويتم الإتيان بهذه الألفاظ المزركشة للتمويه على ضعف المعنى وغياب الهدف من القصة، وقد يؤدي الأسلوب الركيك إلى إفساد القصة والمعنى مهما كان موضوع القصة قوياً وجاداً، إن الكاتب المتمكن يختار الألفاظ الصحيحة والمعبرة في عبارات قصيرة نابضة بالحياة، وبهذا يقول رينيه ويليك: «الأدب بعمومه والقصة أحد أجناسه يستعمل اللغة استعمالا جماليا».
معروف أن اللغة السردية هي إحدى أدوات الكاتب الرئيسة في عملية الكتابة وتقوم على اختيار الأسلوب المناسب الذي يساعد على توصيل المعنى الذي يريده الكاتب وتهدف لغة السرد إلى تحويل المعلومة المباشرة أو الحدث البسيط إلى سلسلة من الأحداث المتوالية والمترابطة التي تكون في النهاية قصة محبوكة ومقنعة وتشمل في الوقت ذاته كل المعلومات التي يرغب الكاتب في توصيلها للمتلقي من خلال إطار فني جميل وممتع. 
يمكنني القول هنا إن اللغة السردية جاءت تتمتع بالشاعرية العالية لتعبر عن حجم القضية التي أرادت الكاتبة طرحها والتعبير عنها بأسلوب السهل الممتنع... تقول الساردة في القصة الأولى والتي جاءت معنونة بـ»جديلة جدتي» والجديلة كما أشرت في بداية حديثي هي من مترادفات كلمة ظفيرة: «نتحلق حول مدفأة البواري مستمعين إلى أزيز فوران الشاي في الإبريق منهميكين في شي الكستناء وربما البلوط في بيتنا الصغيرفي صويلح لكم فرحنا ونحن صغار لمجيء جدتنا لزيارتنا وكانت فرحتنا أكبر حين يقع نظرنا على حقيبتها الجلدية المليئة بالحاجيات اللذيذة. فاللغة هنا من السهل الممتنع الذي مر عبر اللغة الرشيقة». 
 ملامح اللغة الرشيقة في المجموعة
لا حدث دون حركة أو تعبير، لذلك يجب الوضع في الاعتبار أن السرد يجب أن يكون مفعمًا بالنشاط السردي حتى لا يمل القارئ، ولا بد من تنويع ما يحويه الإطار السردي والانتقال من مشهد إلى آخر بسلاسة ورشاقة، بالإضافة إلى ضبط سرعة السرد التي تناسب الحدث وأهميته، وعلاوة على ذلك ينبغي للسارد الانتباه جيدًا إلى اللغة المستخدمة في الحوار والوعي بدوره المهم في دفع متوالية الأحداث إلى الأمام أو تغيير مجرى مصائر الأبطال
وفي الحقيقة لقد بدت اللغة السردية تمتع بعدة ملامح في هذه المجموعة منها: 
للغة الشاعرية المعبرة، لقد عبرت القاصة بلغة شعرية فيها من المجاز والصورالشعرية والتشبيهات والاشتقاقات المبتكرة الكثير.فتقول الساردة في القصة المعنونة ببائعة الزهور: على عتبة المطعم ذي الواجهة البيضاء، تجلس تبيع الزهور وعند المساء / حينما يتدحرج الليل بعباءته تنظم من النجوم عقدا تقلد به وجه القمر. لقد بدت اللغة رشيقة محملة بكثير من الدلالات والإيحاءات وتميزت بعذوبة السرد وسرعته للتعبير عن الحدث وأهميته.
برزت اللغة الرشيقة كذلك من خلال الحوار الذي يؤدى بدوره إلى دفع متوالية الأحداث في القصة إلى الأمام أوتغيير مجرى مصائر الأبطال أحيانا... تقول السارده في القصة المعنونة بـ «كم كنت غبية»: «في صباح اليوم التالي أرسلت له عبر صندوق رسائله في ظل حب أبكم وبقدر كبير من الانكسار قالت له كنت أظن أنني أحبك فتذكرت أن بعض الظن إثم لم يعلق أرسلت له، يبدو أنها لم ترق لك فأنا أميل في كتابتي للحزن، على العكس لكنها أحزنتني من أجلك فقط لاتسمحي للدنيا أن تكسرقلبك، لاأبدا هي خاطرة فحسب، طمأنيني، أحقا اعتقدت أنه حقيقة، أقرأ النص دائما وكأنني أسمعه من فم كاتبه، أعيشه بإحساسي لكن ليس من الضروري أن يوافق الواقع، أفضل، نعم ـ لا أحب أن يصيبك انكسار، لاتخف علي أنا قوية بما يكفي، لا أملك إلا أن أخاف عليك». 
لقد برزت سردية اللغة هنا رشيقة من خلال الحوار وبدت تتمتع بالمرونة والعفوية وتتلائم مع الشخصية بمواقفها وطريقة تفكيرها وثقافتها وتبلور ذلك من خلال حوار «شات « على مواقع التواصل الاجتماعي « الفيس بوك «.  
كذلك برزت اللغة السردية المتميزة من خلال القدرة على تصوير الأماكن والأشخاص تصويرا دقيقا وقد تم توظيف الصورة الشعرية والاستعارات والتشبيهات مما ساعد على إيصال صورة جديدة للمفردة اللغوية من خلال تكثف لغتها القصصية لرسم ملامح الشخصيات والأمكنة.. تقول الساردة فيقصة «ليلة عشق مقدسية « بأصابع مرتجفة قبض على فنجان من القهوة راح يتأمل قبة الصخرة وكأنه يراها أول مرة أقسم أنها تزداد جمالا يوما بعد يوم كان يحكي لها كل ما يجول في خاطره لقد جعله قبوا لأسراره وفجأة انتفض جسده فقد تذكر أن عليه مغادرة القدس لإنجاز بعض أعماله ارتسمت ملامح الحزن على وجهه المتعب وهو يسمع همسها أيغادر الجسد القدس وتبقى الروح أم تغادر الروح ويبقى الجسد؟ تمتم بصوت خافت : بل يغادر الجسد وتبقى الروح في جنباتها العتيقة... وفي إحدى الأمسيات وعندما جن الليل وأرخى ستائره فوق جنباتها أحس أن الدنيا تتلألأ وتتألق من كل حدب وصوب مثل فضة خالصة الآف اللألئ منثورة هنا وهناك راح يتأملها بنظراته التي راحت تراقص بريقها الملائكي فتراوده الشكوك أتراها قبة سماوية أم هي ليلة عشق مقدسية ؟؟
  تقنيات لغة السرد
هناك العديد من التقنيات والأساليب التي يتم استخدامها في لغة السرد من أجل إضفاء المزيد من الأجواء المساعدة على إيهام القارئ ودمجه بسهولة مع الأحداث. وعادةً ما تلجأ هذه التقنيات إلى التلاعب بالأزمنة التي تدور فيها الأحداث من خلال التقديم والتأخير أو العرض المتسلسل التقليدي مع صناعة فجوات خفية أمام القارئ إلى أن تمتلئ هذه الفجوات في النهاية في لحظات التنوير الختامية التي يكتشف فيها القارئ كل ما كان يحيره منذ البداية. ومن أجل أن يدير السارد الأحداث في إطار محكم وشيق فإنه غالبًا ما يلجأ إلى إحدى التقنيات التالية التسلسل التقليدي / السرد المتقطع السرد العكسي، سأتناول واحدة من أهم تلك التقنيات في عالم القصة القصيرة وهي 
التسلسل التقليدي: تُعَد هذه التقنية من أبسط أساليب الحكي في القصة القصيرة حيث تُستخدَم لغة السرد في اتجاها الطبيعي دون التفافات أو تعرجات من شأنها إرباك القارئ. وفي هذا النوع من التقنيات تُعرَض الأحداث في ترتيبها الزمني الطبيعي انطلاقًا من البداية والتقديم ومرورًا بالتصاعد وصولاً إلى الذروة وانتهاءً بحل الصراع والخاتمة. ولقد وظفت القاصة هذا التسلسل بتقنية عالية في مجموعتها وبدقة متناهية تقول الساردة في قصة « أم خليل « لماذا عليه أن يقرأ أرقام تلك القذيفة والحروف التي تتعلق بسعتها وعيارها قبل أن يكمل تعلم قراءة باقي الحروف والأرقام من كتابي القراءة والحساب الذي اجتهدت العائلة في تأمينهما قبل موعد المدرسة آملين أن تقفز السنون سنة بعد سنة فيكحلوا عيونهم بنجاحه وتخرجه ؟ لماذا على ضفائر رومية الذهبية التي غزلت من خيوط الشمس أن تتلون برماد تلك القذيفة العمياء أليس من حقها أن تحلم بالعيد والفستان وترسم مستقبلها بأجمل الألوان؟ وتقول في مكان آخر: «ها هو والدي يحمل الحاجيات بعد عناء يوم طويل وهاهم خليل ورومية وزريفة وسميحه يهرعون لمساعدته في حمل تلك الحاجيات وأصوات ضحكاتهم تملآ المكان عاد عيسى مرة أخرى يحوم حول أمه يناديها : ماما ماما.. طمعا في وجبة حليب أخرى ورومية الشقراء تجري محتضنة دميتها تعبر عن فرحها بقدوم والدها الذي تحبه كثيرا.. نعم إنها عائلتي قبل أن تغتالها يد المحتل اقتربت منهم خلسة فهم يعرفوني مع أنني أخوهم الصغير طبعت قبلة على خد كل واحد منهم ودعتهم وأودعتهم هناك... فهم أكبر شاهد على جريمة ذلك الغريب». 
لقد وظفت القاصة اللغة الفصحى ولقد لاحظت أن القاصة كان اهتمامها منصبا على استخدام اللغة الفصحى التي جاءت خالية من التعقيد واضحة وصريحة دون غموض؛ فجاءت لغتها عالية الثقافة والتكثيف. 
في النهاية يمكنني القول إن القاصة فداء الزمر كانت ملمة بأسرار التركيب اللغوي وإدراك مكنونات الجملة العربية وكانت حريصة على استخدام اللغة المزنرة بالصور والاشتقاقات المبتكرة؛ فوظفت اللغة توظيفا جليا ليضفي على قصصها ذاك القرب المحبب الى المتلقي ليدخل بسهولة الى عالمها الإبداعي.