Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Oct-2022

الرموز والأسرار في رواية «س.ع»

 الدستور-د. قيس كاظم الجنابي/ العراق

 
 
 
(1)
 
يثير عنوان رواية الكاتب إياد طه (س ع)، الكثير من الأسئلة حول الدلالة الرمزية للعنوان، ولماذا جرى استخدام حرفي (س)،و(ع) للدلالة على محتوى الرواية؟
 
للرواية بطل واحد مهيمن هيمنة تامة على مقدرات السرد، يجيب محدثه بالقول: معك (س ع)!.
 
يجيب بطريقة تدعو القارئ للامعان في البحث عن تفسير ما لهذا الرمز، ثم تستمر الرواية في سيرها الوئيد الذي يتصاعد بالتدريج ، كجزء من حبكة قصصية هي أقرب لحبكة الرواية المخابراتية، فلما بلغ نحو منتصف الرواية تبرز أمام القارئ صورة البطل الذي كان يدعوه بـ(بطلنا)؛ في إحالة إلى علاقة حميمة بين الكاتب وبطله في أنهما ربما شخص واحد، ينفصلان نظرياً، ولكنها مندمجان عملياً أو تطبيقياً، وخصوصاً عندما تبدو مفارقة التضاد بين (س) التي ربما تعني السر، و(ع) التي ربما تعني العلن؛ وهو ما تطرحه شخصية نسائية حول طبيعة هذه الشخصية ، حين تقول: «لقد أضلَّ قلبي في متاهات شخصيته المزيفة ؛ تارةً متدين وترة مقاوم وأخرى عميل، فتسربت الروح مني فهربت بين حب وحرب». في إشارة إلى لعبة الكلام، وعلاقة كلمة حب بكلمة حرب ،مع وجود سر مضمر له علاقة بشخصيته والإحالات التي يشتغل عليها النص في الحرف (س)؛ لهذا يسمي ذلك الرمز التعريفي، فيقول: «أجاب بطلنا: س ع». ثم يقول: «لم يكن يعرف بطلنا حتى الرمز التعريفي لمصطفى»؛ فالسر يبقى جزءاً من حركة الرواية ورموزها المضمرة التي تسير على وفقها بطريقة النسق المضمر الذي يتخلل اللحمة الأساسية ويكشف عن تحولاتها المختلفة.
 
كانت بدايات الرواية باردة ،نوعاً ما، ولكن نهايتها كانت حماسية صادمة، وأواسطها أبرزت كلمة السر أو الرقم السري لشخصية البطل، وهي (س ع)، والتي صارت جزءاً من سيرورة الرواية وحركتها، ولا يمكن تعويض هذا الرمز باسم شخصية ما، لأنه سيضيع في خضم الأحداث ،وتضيع معه حبكة البناء المخابراتي؛ وهذا نوع من السلطة الافتراضية التي فرضها الكاتب على الرواية حتى يرغم القارئ على المتابعة، ويدفعه لمتابعة حركة بطله وتحولاته، وصوره المتعددة ،ومن هنا جاء بناء الرواية صادماً للمتلقي الذي اعتاد قراءة روايات تقليدية ، وربما سردية ، وكان أسلوبها يتحرك بطريقة كتابة الروبرتاج (التقرير الصحفي) الذي يمكن كتابته بوقت أقل من وقت كتابة الرواية بالسردية الاعتيادية.
 
(2)
 
إذا كانت الرواية تقوم على كلمة السر أو الرمز السري لشخصية البطل (س ع)؛ فإن الرواية كتبت لتكون رواية رموز وأسرار وتحولات وأحلام، فهي أشبه بصندوق الأسرار، ولهذا قال عن بلده:» أشعر أنه سرّ ودادي(...) فهو مصيري وسر بقائي في هذه المهمة». ولعل هذا السر له علاقة بصندوق الأمانات أو صندوق الأمهات في بدايات القرن العشرين، فالصندوق هو في الموروث الشعبي مركز قوة الأسرة المالي وموضع أسرارها لدى الأبوين فيه المال والنفائس ،وفيه أدوات الزينة وذكريات العرس وهدية العروس وذكريات الافتضاض والليلة الأولى للزواج، وفيه قلادة العروس وخلخالها وسوارها وفيه شجرة العائلة وسندات الأملاك، والليرات الذهبية العثمانية الصنع، والحلى الفضية النادرة، كل هذه تحفظ في جراب مصنوع من جلد الغزال، ويحتفظ الأبوان بمفتاح خاص للصندوق ولا يجوز لأحدهما فتحه من دون حضور الآخر، ففيه سر المال وذكريات الافتضاض. فهو بالتالي مركز الأسرار.
 
بجانب الصندوق يستحضر الكاتب رمز الخاتم، وهو رمز تاريخي قديم له علاقة بالأختام الاسطوانية في حضارة العراق القديمة، فالختم تعبير عن الذاكرة والصورة والسحر وطلب الحظ ،تدلل الصور والكتابات التي تخط عليه على نوع من الأسرار، وهو تعبير عن ثقافة دينية وأسطورية لها علاقة بأسرار الماسونية والاحالات الرمزية؛ فقد كان الخاتم مرتبطاً بنوع خاص من الاغتيالات في العصور العباسية وما حولها، لهذا أعطى البطل خاتمة كذكرى، في حالة حدوث شيء له، لأسباب منها كما يقول:» فقد أشرفت بنفسي على تصميم هذا الخاتم واخترت الأحجار الثلاثة هذه لترمز لمولاتي وابني العزيز ،ولي أنا . وتعمدت أن يكون الداخل اللامس لإصبعي من الفضة وما يمسك الأحجار الثلاثة من الذهب ، فكنت أعتقد أن الفضة أنا وابني وجامع لهم الاثنين، والذهب زوجتي». إلى آخر الإشارات الرمزية التي جعل منها إحدى عشرة كرة، ليرمز ليوم زواجه والست كرات الأخرى ترمز لشهر زواجه بطريقة جعلها الكاتب/البطل تعبيراً عن علاقة الرموز والأشياء بسيرة الإنسان وهذا وحده كافٍ.
 
وهنا يبدو أن الخاتم له صلة برموز الوشم ، التي هي جزء من العلامات المنبثقة من النار التي تكتب على الجسد كتعبير عن التزيين أو العقاب أو الاضطهاد، في ذاكرة الشعوب البدائية، ولكن للوشم هنا صلة سرانية قريبة من فكرة الرموز والأسرار التي قامت عليها الرواية المخابراتية؛ فقد طلب البطل من الواشم أن يخطّ له رقعة على صدره من جهة اليسار ،ومنها رسم حرفي (س ع)؛ وقرتن ذلك بموته ، لهذا «اختار اللون الأسود». هذا فضلاً عن الرموز الدينية والطائفية والأرقام التي استخدمتها الرواية مثل اسم عيسى والرقم 313 وغيرها.
 
ولم يكتف الكاتب بهذه الرموز ،بل أضاف إليها بعض الرموز الأسطورية، وجعل لها علاقة بالمشهد الذي يعيشه العراق بتأثير الاحتلال الأمريكي له، كمشاهد النزوح الجماعي والهجرة إلى البلدان الأخرى، ضمن نية مبيّتة تهدف إلى «تصفية الجميع، ووضع حد لهم ، على الأقل في هذا البلد ، ثم أحرق ما استطاع حرقه من ملابس وغيرها عازماً أن لا يعود هنا». إلى جانب رموز القتل والسجن والظلم والاستبداد الكثيرة المنتشرة في الرواية، ومنها انهيار العدالة، وتسييس القضاء ،والدعاوي الكيدية ،والمخبر السري، وكل هذا يتواشج مع هواية البطل في «جمع اللوحات الفنية لحسه وذوقه الفني». فكان ساخطاً على حكومة العمالة والطائفية والأجانب المحتلين.
 
(3)
 
لربما كانت القصدية الفائقة في اختيار العنوان (س ع) لها صلة في اختيار العنوانات الداخلية الطويلة، في نوع من المفارقة السريعة في العنونة وفي السرد، لاختفاء شيء من المناظرة بين الداخل والخارج، باعتبار العنوان يتجسد في الخارج، ويتوغل في الداخل؛ وهذا بحد ذاته له صلة بطبيعة السرد الروائي ذي الهدف المخابراتي المفترض أو الثابت والمعلن، فغالباً ما تكون البدايات هي التي تقود النهايات، فقد بدأت الرواية بقوله:» دخل البلد الذي تمّ تحديده مسبقاً من قبل الإدارة ليكون في مأمن عند انتهاء المهمة». مما يعني أن البداية نوهت إلى النهاية وهذا ما تطرحه الكثير من الروايات ذات الطبيعة الغامضة لتعطي القارئ رغبة في الاستمرار.
 
بينما تنتهي الرواية بحديث البطل (بطلنا) الذي يتوقف فيه أما مهمته في إنقاذ البلد، تماماً كموسى الذي أنقذ بني إسرائيل من فرعون، ضمن هدف للعلب بعواطف القارئ من خلال المقدس؛ فجاءت هذه الضربة خاتمة لقصة قصيرة نمت وتطورت داخل الرواية نفسها. وخصوصاً وأنه صرح في بدايات الرواية إلى انتهاء أجهزة الرقابة في البلد، حيث «بات سارق الأمس هو قاضي اليوم؛ وقاضي الأمس محكوم عليه بالمؤبد اليوم». في إحالة واضحة لطبيعة النظام السياسي الحالي والتي مررها الكاتب بصعوبة داخل مسار السرد الروائي من خلال شخصية مصطفى الذي منح نفسه مهمة الكشف عمن أجرم بحق هذا البلد ،وكان من الطبيعي أن تصدر منه الأوامر بالقتل والتهجير والسبي.
 
كانت الطبيعة الفنية التي سارت على وفقها الرواية هي توظيف صوت السارد العليم المتمثل بـ(س ع) وعلى لسانه ربما، ومن ينوب عنه؛ حتى أنه وصفه بالقول:» مسكين بطلنا هذا، لقد مرّ وقت طويل لم يضحك فيه بهذه الطريقة». وهذه العبارة تشير إلى هيمنة صوت السارد وتدخله في كل مفاصل الرواية لشد المتلقي وكسبه إلى جانبه، بطريقة تديم التوتر في بناء الرواية ،وان كانت تلاحق الأحداث بطريقة عفوية أو ضمنية، وأحياناً وفقاً رغبة الراوي العليم من غير إعطاء الاعتبار المطلوب لحيثيات البناء الروائي في ترك الرواية تنضج على نار هادئة مع تصاعد التحولات السردية فيها بطريقة طبيعية وغير خاضعة لمزاجيات الكتابة وضرورات اللعبة المخابراتية فيها.