Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jan-2019

صلاح الشارع والنظرية السياسية الرابعة - علاء مصلح الكايد

 الراي - يتصدّر سؤال أيُّ الإصلاحين مُقدّمٌ على الآخر، السّياسيُّ أم الإقتصاديّ ؟ إذ يُنظَرُ بإرتيابٍ شعبيّ لتركيز الدولة على السّياسيّ مع إتّهاميّة لها بالهروب من الإقتصاديّ على فرضيّة أنه الأصعب.

والحقيقة أنّ السّياسيّ هو الأوّل وباقي الإصلاحات تابعةٌ وحتميّة مبنية عليه.فأكثر ما يُعنى به الإقتصاد هو التّشريع، وعليه تُبنى سياسات الإستثمار والاعمال داخليا وخارجيا ويُرسَم إطارها التنفيذيّ ضريبيّاً ورأسماليّاً ولوجستيّاً، ونقصد هنا التشريع بكافة مراتبه وأدواره من قوانين وأنظمة وتعليمات.
ولحاجة الحكومات–حول العالم – إلى تيار مقاومة يصوّب الإختلالات في مسيرتها، شُرِعَ الفصل بين السُّلُطات وأفردت الدساتير لكلِّ منها إختصاصاتها ومنح التشريعيّة سلطة الرقابة وسنّ القوانين وأوكل للقضائية دور الحساب مبقياً للتنفيذية إدارة شؤون الدولة بحُرّية مشروطة بين رقابة السلطتين سالفتيّ الذكر.
ولمّا أثبتت النتائج المتراكمة على الأرض ضعف القناعة بجدوى تلك المقاومة البرلمانية–الحزبية والعشوائية–وإتسع رتق الثقة الشعبية فيها، بادر المُنيب– الشعب–لممارسة الدور المُوكَل للنائب بفرديّةٍ وموسميّة رغم أنّه المُصنِّع والمُنتج للسُّلطة الرقابية، فما من معتصمٍ إلّا ومُثِّلَ برلمانيّاً بنائب لمنطقته لكن تجاوز الأطر المعهودة يثبت إتّساع الفجوة يوماً بعد يوم وعدم جدوى"الديمغرافيا» كأساسٍ للإختيار.
وحتى لا نواصل الدوران في ذات الحلقة المفرغة، وليتّفق الطرح مع المنطق ويراعي الخصوصية الأردنية علينا أن نعي بأن الإنتخابات لن تخلق نموذجاً مختلفاً من المجالس النيابية ما لم تغيّر القوانين آليّة الإختيار وتنقلها من المناطقية إلى السياسيّة وتحارب المال الأسود بكلّ ما أوتِيَت من قدرةٍ وقوّة، وهي ذاتها الوحيدة القادرة على إجبار الأحزاب المتقاربة فكريّاً للإئتلاف والإندماج وصولاً لبوّابة البرلمان بالتركيز على النّوع المنتُج لا الكمّ المُربِك.
فـ"سنغافورة"التي صعدت من مصافِّ الدول الأقلّ حظّاً وأكثرها فوضى لتحتلّ مركز تجارة وتقنية متقدّمٍ على مستوى العالم وتصدُّر المؤشرات الدولية في مكافحة الفساد نالت لقب"بلد القوانين"لصرامة تطبيق القانون فيها، ولم يستغرقها ذلك النجاح سوى عدّة أعوامٍ لينتقل مواطنها من الإتّكاليّة والتجاوز للإنتاج والإنضباط دون الإنتظار لإستبدال جيلٍ بآخر، فقط بقوّة القانون وحياديّته.
وبالعودة للشارع الأردنيّ لا بدّ من الإعتراف برجعيّة الخطاب السياسيّ وإستهلاكه، فلو وجد المواطن من يسند إليه دور مجابهة ومحاججة الحكومات لما سادت لديه هذه الروح السلبيّة تجاوز السُّلُطات الدستورية المالكة للأدوات الفعّالة.
وتنحصر نقطة الإنطلاق المعيارية في أمرين، أحدهما مُنكَرُ والآخرُ مُستعصٍ.
فالسياسيُّ الحقيقيّ لا ينكر غايته في الوصول إلى السلطة بل يصرّح بها هدفاً وغاية معزّزاً إيّاها ببرامج ورؤىً مقنعة ومستقطبة للجماهير على المستويين الحزبي والفردي، كما يجب الإعتراف بما أنتجه تباين العقائد والمشارب وتنافر مدارسها من حالة مستعصية بين القوى في الشارع فغابت لغة الحوار بينها وتكلّست القنوات وشاع العزوف الشعبي عنها.
وللخروج من المأزق التقليدي هذا طُرِحَت بدائل كان أحدها تأطير التكتلات البرلمانية التي إتجازت مرحلة الولوج للسلطة لتكون نواة لأحزاب واقعية الرّؤى، ووُوجِهَت الفكرة بسؤالٍ تشكيكيٍّ متكرر :» ايهما سابق على الآخر الحزب ام الكتلة البرلمانية» ؟ تماما كالسؤال عن البيضة والدجاجة !
والجواب أنّ المؤثرات الفعالة سياسيّاً لا تسير عند ولادتها على نمطية معينة فقد تكون بذرتها في النقابات أو الجامعات أو على أي بقعة وطنية صالحة للعمل، لكن معطلات التغيير تثبت أن تخلية الطريق نحو الهدف بات ضرورة ويتطلب تغيير عدة وجوه أسهمت في تآكل الروح المتفائلة وإحتكرت منبر المعارضة فغيّبت النماذج القادرة على إحداث الفارق وتقديم المقنع من الطروحات، حتى بات الوصول إلى السلطة من بوابة المعارضة وتجاوز متاريسها هو الأصعب لما تشهده هي الأُخرى من قوى شدٍّ عكسيٍّ نزعت منها روحية التجديد في الخطاب وأفقدتها القدرة على الإستقطاب والإقناع حتى بات جسدها هزيلاً ومُستثنى.
لذا، فإنّ الإصلاح السياسيّ هو بوابة الإصلاحات جميعا، وإنّ ركن بناءه المتين أحزابٌ أردنية الهوى والهوية برامجيّة الـفكر ديمقراطيةٌ في بيوتاتها الداخلية، منفتحة على الآخر لا تصادر حقوق مريديها وأنصارها بمقاطعة ما يخالف أهواء قياداتها ولا تناهض فكر مَن يختلف معها بل تقارع الحُجّة بالحجة، تنادي بصوتها في قضايا الوطن كافة لا نصرة لمشاكس من أعضائها فقط، أحزابٌ لا تبيّت النوايا المسبقة للإعتراض أو ساعيةٌ لإجهاض ما لم يخرج من رحمها من البرامج، أحزابٌ أسمى من أن تمتطي دفّة قيادتها فئة"الولاء الشكلي المشروط"الملتفّة سعياً للمساومة على حصتها المفقودة من السلطة أو تلك الهادفة لإحتلال المنابر بالمال، أحزابٌ تتسلّح بالقانون وتحتمي في تعبيرها تحت مظلته.
على الشارع اليوم أن يتطهّر ويتخيّر لمصلحته من أفواج الشرفاء أصحاب الفكر الوطنيّ الخالص والعقيدة الأردنية، وأن يُقصي المنتقم والمبتزّ.
إنّنا اليوم، بحاجة لما هو أشبه بـ"النظرية السياسية الرابعة لألكسندر دوغين»، القائمة على فكرٍ يتجاوز النظريات السياسية الرجعية ويؤسِّس لحالة مرجعيّة خاصة من الهوية الوطنية السياسية المشتركة التي تقسم على الجميع لتعزز مسيرة الوطن في مواجهة الظروف الداخلية والعوامل الـ» جيوسياسية» وتسير به نحو النماء.
نحن هنا لانتحدث عن إستحداث لون او طيف سياسي واحد بل ذلك مقتلٌ وعاملُ تغوُّلٍ أكثر سوءاً، بل ندعو لإستغلال الطاقات الوطنية الزاخرة لدى شعبٍ مرتفع نسبة التعليم عايش آباؤه وأجداده حروباً وهجراتٍ وأحداثٍ صقلت بنيتهُ السياسية وجعلت منه حالة تلقائية قادرة على إحداث الفارق وإختيار ما يتلائم مع خصوصيّتها وحاجاتها والبناء على ما سبق.
إن الشارع اليوم أحوج ما يكون إلى"القويّ الأمين» من الأحزاب التي تجيد الحوار وتجدُ لغة مشتركة مع السلطة دون إقصاءٍ أو تجريحٍ أو تشويه، فالشارع الأردنيُّ أذكى بكثيرٍ من أن يُختَطَف أو تُركَبَ موجته لمآرب شخصية أو تصفيةً لحسابات وإنتقامية.
إنّ سيادة القانون والمسائلة وإحترام كرامة المواطن وصيانة مسيرة التعليم والتمكين الديمقراطي الحقيقي والمواطنة المسؤولة ليست مجرد عناوين ومضامين للرسائل الملكية النقاشية السبع، بل هي العنوان العريض لحاجة الأمّة ومتطلباتها في المجالات كافّة، وإنّها قابلة للتحقّق إن وجدت حاضنة شعبية ورسمية تؤمن بإستحقاقها من حيث الوقت والنتيجة.