Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Feb-2018

«الديكارتية في الفكر العربي المعاصر» - يوسف عبداالله محمود

الراي -  «اعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة لها لتعرف مواضع اليقين» الجاحظ: كتاب الحيوان هذا عنوان لكتاب المفكر والباحث المصري العميق الغور د. أحمد عبد الحليم عطيه. اما اختياره للفيلسوف الفرنسي الشهير ديكارت ومنهجه العقلي فذلك راجع الى تأثيره في أعلام عرب كبار أفادوا من منهج «الشك» الذي اتخذه قبل التسليم بواقعية هذه الحقيقة أو تلك.

في كتابه يعيب المؤلف على كثير من المثقفين العرب ما أسماه بِ»موقف التلقي» أو الخضوع للتفوق الابستمولوجي الغربي. وهذا الموقف «الإذعاني» يتماشى مع ما قرره ابن خلدون من قوانين الخضوع للأقوى.
يرى د. أحمد عبد الحليم عطيه أن «التلقي والبدء بالغرب هو المنطلق الذي يتحكم في العقلية العربية، لأن الغرب قد صُوّر حضارياً على انه النموذج المكتمل والأرقى له التقدم ومنه العطاء وعلينا الأخذ دون تحريف». (المرجع السابق ص 14.( وأغلب ظني اننا – أو الكثيرون منا- ما زالوا يتعاملون مع الغرب على هذا النحو.
يحدثنا المؤلف عن كيفية احتفاء مثقفين عرب كبار بمنهجية ديكارت وتطبيقها على التراث العربي، وكمثال على ذلك عميد الأدب العربي د. طه حسين. ويبدو أن منهج ديكارت لم يرق للعقلية السلفية العربية المشدودة الى كل ما هو قديم، إذ قام حُماة هذه العقلية بتنفيذ فلسفة ديكارت واعتبارها بضاعة تافهة. والدليل على ذلك مهاجمتهم الشديدة لطه حسين حين راح يطبق مبدأ «الشك» على التراث بنظرة علمية وموضوعية.
بالطبع شُنّت عليه حملات ظالمة وصلت الى حد تكفير الرجل. وقد تصدى لهذه الحملات نقاد كبار أمثال محمود أمين العالم وفؤاد زكريا. فالأول في حديثه عن علاقة طه حسين بالمنهج الديكارتي يعتبرها نهجاً عقلياً صارماً. أما د. فؤاد زكريا فقد نحا باللائمة على من شنوا حملاتهم على طه حسين وغيره ممن أفادوا من مبدأ «الشك» عند ديكارت معتبراً إياهم من المنخرطين في ركاب السلطة.
أما عباس محمود العقاد فقد شبه فلسفة ديكارت بعمارة فخمة كل نوافذها تتلقى نور الشمس في كل وقت من اوقات النهار. (انظر المرجع السابق ص 252.( إن هذا الاعجاب بفلسفة ديكارت الفرنسي قد احدث ثورة في الفكر العربي إذ لم تعد هناك مُسلَّمات ينبغي تصديقها دون إمعان العقل في وجاهتها. يقول طه حسين في هذا السياق «وأنت ترى أني غير مسرف حين اطلب منذ الآن الى الذين لا يستطيعون ان يبرأوا من القديم ويخلصوا من غلال العواطف والأهواء حين يقرأون العلم أو يكتبون فيه ألا يقرأوا هذه الفصول فلن تفيدهم قراءتها إلاّ ان يكونوا أحراراً حقاً». (نقلاً عن المرجع السابق ص 49.( هي «الحرية» اذن التي تتاح للمثقف العربي والقادرة على منحه حرية النقد دون خوف من قمع السلطة. السلطة القامعة لا يمكن ان ترضى للمثقف ان يدخل محراب الفلسفة.
وهنا أشير الى حكاية مثول طه حسين بين يدي الحضرة الخديوية قبل سفره في بعثة دراسية الى باريس. سأله الخديوي: ماذا تريد ان تدرس؟ إياك والفلسفة فإنها تفسد العقول! لا تدرس الفلسفة وعليك بالتاريخ فإنه علم عظيم. (المرجع السابق ص .(53 الفلسفة مع الأسف ما زالت مُدانة في كثير من بلداننا العربية والاسلامية. اذا دخلت المدارس والجامعات فانها تدخلها على استحياء. مجرد حفظ عموميات لا ترقى الى تفعيل الأذهان!
ما زلنا نخشاها –او يخشاها الكثيرون من المحافظين العرب، فما تمثله من «فكر طلائعي» يُسقط الكثير من المسلّمات التي يتمسكون بها، يجعلهم يقاومون «الفلسفة» باعتبارها «علمانية» مُلحدة!
 
وفي سياق متصل داعم للديكارتية نقرأ للمفكر الكبير الراحل د. صادق العظم قوله: «... ان الفلسفة بمعناها الحديث تميل الى الشكل بالقائم والمستقر من المعتقدات منذ ديكارت، وتميل الى النقد الهدّام منه والبنّاء منذ كنط، وتميل الى السّلب والتركيب الجديد منذ هيجل، وتميل الى تقويض أركان العالم القديم منذ ماركس.
 
كذلك نحن نعرف ان الفلسفة تميل الى الشمول، بمعنى مطالبتها الفيلسوف برأي صريح وواضح ليس في المقولات والزمان والمكان والقياس فحسب، بل ايضاً في التربية والسياسة والأخلاق والتقدم والتخلف والعدالة والاستبداد والحرية وحقوق الانسان الى آخر ذلك من الموضوعات الشائكة عربياً» (د. صادق العظم: «ذهنية التحريم»، ص 153.( وكما يقول أيضاً في موضع آخر من كتابه «هناك اغتراب فكري وروحي وجسدي بين الفيلسوف العربي الفاعل والمعاصر وبين السلطات الحاكمة وسياساتها في أية دولة عربية الى اليوم». (المرجع السابق ص 154.( يبقى ان اقول إننا بحاجة الى ثورة فكرية في المفاهيم تعمق الحركة الجدلية الموصلة الى تحديث الثقافة العربية، وهذا ما دعا اليه د. احمد عبد الحليم عطية.