Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Feb-2019

ليلى الأطرش في «لا تشبه ذاتها» والبحث عن أفق

 الدستور-إبراهيم خليل

  في الصفحة ذات الرقم 11 من روايتها الجديدة « لا تشبه ذاتها « (دار الشروق 2018) تكتب الروائية الكبيرة ليلى الأطرش على لسان (حبيبة) بطلة الرواية، والساردة الوحيدة فيها، ما يمكن أن نعده ملخصا للحكاية، تقول : « أنا حبيبة ماء العين أرسلان الغلزاني، قدري الهجرة، أحس بأنني من مكانٍ لا أعرف. ولدتُ في بلد، وتشكل وعيي في بلد، وأبدأ معك في بلدٍ لم يخطر على بال. لندن الوعي. وما قبلها ذكرياتٌ مختلطة عن وطن بعيدٍ نسجته من تناثر القصص، ومن بقايا الأحلام، والرؤى، ومن شاشاتٍ لا يغيب عن أخبارها الوطن. « 
 الطريقُ إلى لندن
فقد كانت ولادة حبيبة العين في أفغانستان، في مزار شريف، وعندما قام مجاهدو طالبان بما قاموا به، ونشروا الرعب في هرات ومزار شريف وقندهار وتورا بورا وكابول وغيرها، وجد أرسلان الغلزاني – السفير السابق- نفسه مضطرًا لترك البلاد، والهجرة قسرا إلى لندن مع افراد عائلته، بمن فيهم الزوجة (هانية) التي تزعم أنها من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب ، ومُهاب، وفردوس، وعالم، وحبيبة، وهم أولاده. وقد تقلبت الأقدار بهذه الأسرة لكنها بفضل ما كانت تتمتع به من ثروة استطاعت أن تواصل حياتها في لندن، وأن يحقق أفرادها نجاحاتٍ في المجالات التي اختاروها. فمهاب البكر تزوج من حفيدة الملك الأفغاني الأسبق ظاهر شاه، واستحقَّ لقب أوناسيس الغلزوي، وفردوس تزوجت من الأمير رضا شاه، وعالم هو الآخر حقق نجاحًا في مجالات عدة منها الموسيقى(ص92)، وحبيبة درست الطب، وتدربت بوساطة سارة في عيادة الدكتور جونسون(ص107)، وفي تلك العيادة قابلت لأول مرة منذر الشرفا، وهو فلسطيني قادم من القدس. كان أبوه وأمه قد لجآ إلى الأردن بعد الاحتلال عام 1948 ثم وجد عملا مربحا في الخليج، واستطاع أن يدخر من ذلك العمل ما يعد ثروة، وتمكن من تدريس ابنيه هيام، ومنذر، في أميركا. وقد أدى إعجابه بالفتاة، وهيامه بها، إلى التقدم خاطبًا فوافق والدها بلا تحفظ، غير مبال بما لدى الأم من تردد.
 انثيال الذاكرة
ومثلما جاء في الاقتباس، تظل حكاية حبيبة هذه تدور حول علاقتها بمنذر الذي تخلى عنها في نهاية المطاف، واسْتسلم للمقامرة، وتخلى لها عن شركة المواد الزراعية. وانتهت علاقتهُما بالطلاق. وهذه العلاقة المتوترة بين منذر الفلسطيني وحبيبة الأفغانية ليست هي موضوع الرواية، ذلك لأن الطبيبة المتخصّصة في الأمراض الجلدية ظهرت لديها أعراضُ السرطان. وأكدت التحاليل أن المرض متقدم، وأنّ عليها أن تخضع للعلاج الكيماوي. وآثرت الانتقال من مستشفى شارينغ كروس بلندن إلى مركز الحسين للسرطان بعمان (ص101و ص 220). وفي الأثناء تنثالُ عليها الذكريات، وكأنها تكتبُ رواية تخاطبُ فيها طليقها منذرًا، راوية الكثير من الوقائع التي تُذكِّرُه بها، والحوارات التي دارتْ بينهما، أو بينها وبين شخصيات الرواية الأخرى، كاشفة، في الوقت نفسه، عما هو مضمر في هاتيك الحوارات، أو الوقائع. مما يتيح للقارئ-  الذي لا يخفى علينا أنه موجود في نسيج الرواية عبر متابعته لما تتناقله الصحف، والفضائيات – يتيح له الاندماج عن غير قصد بأجواء المعضلة الأفغانية، والمسألة الفلسطينية، على حدٍّ سواء. من عهد الملك الأفغاني ظاهر شاه، مرورا بالملك أمان الله، ثم المرحلة الشيوعية ونجيب الله، وأخيرا مرحلة طالبان، ثم الرئيس حامد كرزاي. وما يتخلل ذلك بالطبع، ويتقاطع معه، من وقائع تتصل بهذه الشخصية أو تلك.
 توليفٌ من شخوص
فشخصيات الرواية متعددة، فإلى جانب أفراد الأسرة: هانية، وفردوس، وحبيبة العين، ومُهاب، وعالِم؛ والأب أرسلان، ثمة شخصيات أخرى؛ سارة وابنها الوحيد عزرا، وأبراهام، وهم من يهود الأفغان، والملا بنيامين الحاخام الأكبر في كنيس كابول(ص111) صاحب الفكرة التي لا يمل تكرارها، وهي أنَّ البشتون ينحدورون من أصول عبرانية، ومن أسباط بني إسرائيل تحديدًا (ص118). فقد جاءوا إلى بخارى- الاسم القديم لأفغانستان- بعد السبي البابلي، وكان ما كان من دخولهم في الإسلام. وعزرا هو الوحيد من هؤلاء الذي هاجر إلى فلسطين، ليكتشف أنه ضحية الإعلام الصهيوني. وقد اسندت إليه الكاتبة دورًا هو الربط بين الخبراء الإسرائيليين في الزراعة في جامعة بن غوريون، وشركة المواد التي يملكها منذر الشرفا وقرينته حبيبة (ص138- 139). أي أنه بكلمة أدق من دعاة التطبيع الذي ثبت فشله، وتحقق في نهاية الأمر عندما لم يستفد لا الشرفا، ولا غيره، من التنسيق والتدريب وتبادل الخبرة، بل تراكمت الخسائر حتى أصيبتْ الشركة، وأصيب منذر نفسه، بالإفلاس (ص181).
 الزمن المتشظّي
في» لا تشبه ذاتها « يتعرف القارئ على نسق تقوم الكاتبة الضِمْنية – حبيبة - فيه بتوجيه الخطاب لمنذر من فصل لآخر، وهذا الخطاب يعتمد التذكير بمواقف، ووقائع، تشكل المادة الأساس للسرد، وللمتن الحكائي، وهي في هذا لا تلتزم بالتسلسل الزمني، وإنما تترك لتداعيات النفس، وخواطر الروح، التدفق في اتجاهات متعددة، وأحيانا متباعدة في الزمن. فهي، على سبيل المثال، تروي وقائع نزوح عائلة الشرفا من حي الطالبية في القدس عام 1948 في نهاية الرواية (ص207) مع أن هذا الحدث موقعه الافتراضي قبل ذلك بكثير، إذ كان ينبغي له أن يُروى في اللقاء الأول الذي جمع بين أسرة حبيبة ومنذر الذي قدم إليهم خاطبًا الفتاة، ومثل هذا الحديث عن دراسته في (سكول أوف إيكونومكس) جاء في موضع متأخر (ص168). وتروي حكاية المبيد الحشري لدودة القطن، وصلة هذه المسألة بشركة داو كاميكالز في لندن(ص186و 205) وهي حكاية قديمة تتصل ببعض ممارسات الجد – لا جد الساردة بل جد أبيها أرسلان- ترويها في الربع الأخير من الرواية (ص186) مع أنَّ موقعها الافتراضي ينبغي له أن يكون أقدم من هذا، فقد جرى ذلك قبل انهيار الملكية في أفغانستان بزمن غير قصير، وحكاية الرواية تبدأ بعد ظهور حركة طالبان.
 قانون التداعي 
ويبدو أنَّ المؤلفة تعتمد على قانون سردي تلتزمه في سائر ما ترويه على لسان الكاتبة الضمنية حبيبة، فيما تظنه رواية قابلة للنشر، والترجمة، ولكنها في الوقت نفسه تريد منها أن تكون درسًا لابنتها الوحيدة (منار) بعد أن تفارق الحياة(ص98). فثمة حكاية طويلة، ومتواترة، عن مزار شريف، والحج إلى الجامع الأزرق، وضريح الإمام علي بن أبي طالب، وما أن يُذكر ذلك حتى يندفع الأب راويًا حكاية أو أكثر من حكايات هذا الملف. فلا يمكن أن يكون الإمام قد دفن في ضريحين: أحدهما في النجف مثلا، والآخر في مزار شريف. (ص165) وارتباطا بهذا تتكرر مواسم الحج إلى الضريح، وهي تتذكر تلك المواسم، وتتذكر ما يرافقها من طقوس، وفي واحد من هذه المواسِم تفرط في وصف إحدى فرق المولوية (ص158)، وهو وصف يحيل السرد الروائي إلى وصف إثنوغرافي لمجتمع متديِّن حتى النُخاع. وشبيه بذلك ما ترويه على لسان الأم (هانية) عن شريط النقشبندي المصري (ص103 وما بعدها). 
ومن الحوار ما ينتهي لسرد متصل عن حكاية أخرى، قد لا تكون صلتها بجسم الحكاية صلةً مباشرة، فقد أخطأ منذر في حضرة الأب أرسلان، وذكر أنه يحفظ بيتين من رباعيات عمر الخيام التي تتغنى بها أم كلثوم؛ فما كان من الغلزاني إلا أن غضب غضبًا شديدًا، وقال أنتم العرب تحفظون الشعر من الأغاني، ومعظمكم لا يعرف من هو عمر الخيام، ثم يروي بغير قليل من التفصيل حكاية الخيام، ونظام الملْك، وحسن صباح(ص170- 177). فالقانون الذي تخضع له آليات السرد - ها هنا- هو أن يذكر جزء من الحدث، يمثل مفتاحًا للآخر الذي يتولَى تكمَلة المتبقي. والغريب، الذي يلفت النظر، أن هذه الوقائع التي يجري تذكُّرها وقائع فيها من الدقة قدرٌ يجعل من السرد التخييلي سردًا قريبًا من الحقيقة، بل هو الحقيقة. فما رواه الغلزاني عن الخيام وصاحبيه لا يتعارض مع الحقائق التاريخية المعروفة، وما رواه منذر الشرفا عن ظهور التصوف، والدروشة في فلسطين عامة، والقدس بصفة خاصة ،كأنَّه مقتبس من كتاب تاريخي، أو من حوليات أحد المؤرخين عارف العارف مثلا، أو مصطفى مراد الدباغ. وما يُسْتدل من هذا أن ليلى الأطرش تبحث في هذه الرواية عن أفق آخر للكتابة تتخطى فيه بيئة المؤلف، وترود بقعة نائية تحتاج المعرفةُ بالتفاصيل المتعلقة بها إلى بحثٍ معرفي، يُضطر فيه المبدع للانتفاع بمرجعيات ومصادر تتوافر فيها المادة الضرورية اللصيقة بالجوانب الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والدينية والمذهبية، لتغدو الكتابة السردية قائمة على المعرفة المكتملة، والغنية، بتلك البقعة، إن كان الأمر على مستوى الجغرافيا، أو على مستوى التاريخ، السياسيَّيْن، وهذا أفق قل ارتياده في رواياتها السابقة التي تقتصر فيها على المكان العربي، أو الفلسطيني، مع ما يتطلبه أحيانًا من طواف الشخوص في لندن أو باريس.
 تواتر المرويات
ولا تفتأ الكاتبة تلجأ لما يعرف في السرديات بالتواتُر، وهو أن تروي الحدث، الذي جرى مرة واحدة، مرارًا. فقد تكرر ذكر حبيبة لمجريات المغادرة إلى كابول بعد أن نجح أرسلان في إقناع الملالي بضرورة السفر إلى لندن لعلاج زوجته، والصحيح أن حكاية العلاج لم تكن إلا ذريعة للتمكن من مغادرة البلاد عن طريق المطار، لا عن طريق البر ، مثلما يغادر عامة الناس. وروت لنا مرارا قصة الطفلة التي حاولت أن تلهو مع حبيبة على كثب من الدارة التي تحاط بكثير من الحراسة. وروايتها تعتمدُ في الغالب على التقاط أخبار من الفضائيات عما يجري في البلاد، فكان لا بد من استعادة هاتيك المشاهد التي اقتحَم فيها الغوغاءُ الدارة، وحطموا كل شيء؛ اللوحات التي تحمل توقيعات كبار الفنانين العالميين، والأواني الثمينة، وثريات الكريستال والبيانو. . والتحف.. في مشاهد تنم عن أن هذا الفريق من المتطرفين الدينيين يريدون العودة بالبلاد إلى الوراء، بعد أن كان الملك السابق قد شرع في التحديث. تتذكر أيضا صورًا عن هدم المعهد الموسيقي(ص224)..مشاهد متكررة، بمضامين مختلفة من حينٍ لآخر، تكرارًا يفسر لنا تفسيرا مقبولا مغزى ما تذكرهُ من أن علاقتها بأفغانستان لا تعدو الذكريات المختلطة عن بلد نسَجَتْه من تناثر القصص، وبقايا الأحلام والرؤى، ومن شاشات لا تغيبُ عنها أخبار الوطن.
يذكر أن هذه الرواية هي التاسعة للمؤلفة، وقد صدرت لها: وتشرق غربا 1988 وامرأة للفصول الخمسة 1990 وليلتان وظل امرأة 1996 وصهيل المسافات 1999 ومرافئ الوهم 2005 ورغبات ذاك الخريف 2010 وأبناء الريح 2012 وأخيرا ترانيم الغواية 2014. 
 
مواضيع قد تعجبك