Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Jan-2019

التحسُّر على أفغانستان

 الغد-ريتشارد ن. هاس

نيويورك- بعد مرور أكثر من سبعة عشر عاماً الآن، حان الوقت لتقبل حقيقتين مهمتين بشأن الحرب في أفغانستان. الأولى أن قوات الحكومة الأفغانية والقوات المشاركة لها من أميركا ودول حلف شمال الأطلسي لن تحقق أي نصر عسكري هناك. وليست القوات الأفغانية، على الرغم من أنها الآن أفضل من حالها في السابق، بارعة بالقدر الكافي لتولي الأمور بنفسها، ومن غير المرجح أن تتمكن أبداً من إلحاق الهزيمة بحركة طالبان. ولا يرجع هذا ببساطة إلى افتقار القوات الحكومية إلى القدر الكافي من الوحدة والحرفية لتحقيق النصر فحسب، بل وأيضاً إلى حقيقة أن حركة طالبان محفزة بشدة وتتمتع بدعم كبير في الداخل ومن باكستان، التي توفر لها الدعم والملجأ.
الحقيقة الثانية هي أن مفاوضات السلام من غير المرجح أن تنجح. فقد دارت محادثات على نحو متقطع طوال سنوات، لكن الدبلوماسية لا تنفصل أبداً عن الحقائق والاتجاهات على الأرض. وكل من الأمرين يعمل ضد التوصل إلى تسوية تفاوضية.
الوضع على الأرض يتدهور ببطء. ومع أن الحكومة تسيطر على جزء من الأراضي يعيش عليها ما يقدر بنحو ثلثي السكان، فإن طالبان، وحتى جماعات أكثر تطرفاً وتشدداً، بما في ذلك جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، تسيطر على، أو تنافس على، ما يقرب من نصف الأرض، وقد أظهرت قدرتها على مهاجمة أهداف عسكرية ومدنية على حد سواء في أي مكان وكل مكان داخل البلاد، بما في ذلك العاصمة كابول.
غير أن ما يضعف آفاق الدبلوماسية حقاً هو أن حركة طالبان لا ترى حاجة كبيرة للتنازل والتسوية. ويبدو أن قادة الحركة يؤمنون بأنها مسألة وقت فقط قبل أن تصبح الولايات المتحدة مثقلة بأعباء القوات المرابطة في بلد بعيد، فضلاً عن اضطرارها إلى إنفاق ما يربو على 45 مليار دولار سنوياً على حرب لا يمكن كسبها.
ربما يكون كل هذا صحيحاً. والواقع أن إعلان البيت الأبيض مؤخراً عن سحب ما يقرب من نصف القوات البالغ عددها 14 ألف جندي قريباً يعزز وجهة نظر طالبان بأن المستقبل يتجه نحو تحقيق مبتغاها. وفي أعقاب القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية، لم يكن من المستغرب أن تستنتج حركة طالبان وغيرها من الحركات المتمردة أن المسألة أصبحت تتعلق بمتى تُسحَب القوات الأميركية المتبقية، وعددها 7.000 جندي (فضلاً عن ثمانية آلاف من جنود حلف شمال الأطلسي)، وليس بما إذا كانت ستُسحَب أم لا.
إن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان هو احتمال حقيقي، نظراً لتشكك ترامب في قيمة الجهود الأميركية هناك. والواقع أن إحباطه مفهوم. فقد خسر أكثر من ألفي جندي أميركي حياتهم في أفغانستان، وأصيب عشرون ألفاً آخرون بجروح. وكانت هذه الحرب قد بدأت في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وتكلفت أكثر من تريليون دولار أميركي. ومن الصعب أن نرى كيف قد تتمكن قوات أميركية قوامها 14 ألف جندي أو سبعة آلاف جندي من إنجاز ما عجزت عن إنجازه قوات كان قوامها 100 ألف جندي.
لماذا لا نسحب كل القوات إذن؟ أحد الأسباب هو أن الحكومة الأفغانية ربما تنهار، وفي هذه الحالة قد تصبح أفغانستان مرة أخرى مكاناً لتدريب وتجنيد الإرهابيين والتخطيط للهجمات ضد مصالح الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالَم وضد أميركا ذاتها. ولكن، حتى لو حدث ذلك، فسوف تكون أفغانستان بطبيعة الحال مكاناً مختلفاً بعض الشيء عن أماكن أخرى حيث يتمكن الإرهابيون من العمل من دون إزعاج أو مضايقة.
وهناك سبب آخر يجعل من غير الجائز الرحيل بطريقة منفصلة عن الظروف على الأرض، هو أن مثل هذا الخروج، بعد سورية، يدعو إلى المزيد من التشكك في رغبة أميركا في الحفاظ على دورها الرائد في العالَم. وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تظل متورطة في أفغانستان ببساطة لأنها تورطت مسبقاً. لكن المدركات تشكل أهمية كبرى، ومن شأن الرحيل على هذا النحو أن يدفع العديد من الحلفاء -ليس في المنطقة فحسب، بل وأيضاً في آسيا وأوروبا- إلى التساؤل عما إذا كان أي منهم سيصبح الشريك التالي الذي تتخلى عنه أميركا.
ينبغي للسياسة الأميركية في أفغانستان أن تتجنب مخاطر الخروج السريع غير المشروط، لكنها يجب أن تحرص أيضاً على الحد من تكاليف البقاء. ولتحقيق الغاية الأخيرة، يتطلب الأمر تقليم الطموحات الاستراتيجية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وشركاءها في أوروبا من غير الممكن أن يتوقعوا الفوز في الحرب أو التوسط في سلام دائم، إلا أنه من الممكن الإبقاء على الحكومة عاملة مع مواصلة الحرب ضد الإرهابيين. وربما يتطلب القيام بهذا الإبقاء على آلاف عدة من الجنود، والاستمرار في تقديم المعلومات الاستخباراتية، والسلاح، وتدريب القوات الأفغانية، وفي المواقف الخاصة، الاستعداد والقدرة على التدخل في حدود ضيقة، وإنما بشكل مباشر.
من المفيد أيضاً أن تعمل الولايات المتحدة على إعادة توجيه مشاركتها الدبلوماسية وتكثيفها. إذ تركز الجهود الحالية على التوسط في التوصل إلى تسوية مع طالبان. وربما يكون النهج الأكثر إثماراً هو إقناع الدول الست المجاورة لأفغانستان بشكل مباشر (والتي تضم الصين وإيران فضلاً عن باكستان) وغيرها من القوى الفاعلة ذات المصلحة في مستقبل البلاد، بما في ذلك روسيا والهند والاتحاد الأوروبي. فلا أحد لديه مصلحة في رؤية أفغانستان وقد تحولت إلى ملاذ للإرهاب وإنتاج المخدرات.
ليست هذه استراتيجية صالحة للفوز، بل هي استراتيجية لضمان عدم الخسارة. وقد لا تكون طموحة بالقدر الكافي في نظر بعض المراقبين، ولكن في أفغانستان، تتحول حتى الأهداف المتواضعة ظاهرياً إلى غايات طموحة.
 
*رئيس مجلس العلاقات الخارجية، شغل سابقاً منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية (2001-2003)، وكان المبعوث الخاص للرئيس جورج دبليو بوش إلى أيرلندا الشمالية ومنسقًا لمستقبل أفغانستان. وهو مؤلف كتاب “عالم في الفوضى: السياسة الخارجية الأميركية وأزمة النظام القديم”.
*خاص بـ_، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.