Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Oct-2017

اليسار حين يحتار! - د. زيد حمزة
 
الراي - صحيح ان تعبير اليسار فضفاض يتسع في الميدان السياسي لطيف عريض من النشاط الفكري البشري المتقاربة ألوانه حتى لو بدت في بعض الاحيان متنافرة، لكن الفهم العام يتجه اول ما يتجه تحديداً الى اليسار الماركسي ففي بلادنا حين تحولت قوى قومية يمينية عريقة الى حزب يساري ثوري وصفت نفسها قبل ان يصفها الاخر بالماركسية وقد تشددت في التطبيق الايديولوجي حتى بزت بعض الاحزاب الشيوعية!
 
واليسار السياسي عبر العالم يختلف في مواقفه تجاه القضايا المحلية والدولية فيحتار احيانا في طرق التصدي لها الى حد ارتكاب اخطاء تصب في مصلحة اليمين، وحتى لا نَضِلَّ في دائرة التعميم لنلتقطْ للتوضيح مثلاً بعض حركات الفكر الاشتراكي التي سادت اوروبا في القرن التاسع عشر وكانت ترى في احتلال الدول الاوروبية اجزاءً واسعة من آسيا وافريقيا جهداً تستحق عليه الشكر لانه يسعى لتحضيرها وتعميرها ورفع مستوى شعوبها فيصبح لديها طبقة عاملة منظمة قادرة على التغيير (كذا!) وبذلك عميتْ هذه الحركات عن أن تراها على حقيقتها دولاً رأسمالية لا دافع وراء استعمارها لتلك البلاد سوى نهب ثرواتها الطبيعية والطمع باسواقها ولا يهمها من أجل ذلك ان تسحق سكانها وفي مقدمتهم العمال الكادحون!
 
والمثل الآخر الذي حيّر اليسار في تلك الحقبة من الزمن هو دور اليهود في المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها كمواطنين يعانون الاضطهاد بين حين وآخر فقد ايد البعض الدعوة لخلاصهم بانشاء دولة تخصهم باعتبارهم قومية واحدة، فما كان من كارل ماركس الأب التاريخي لليسار العالمي إلا ان تصدى للأمر برمته في اطروحته المشهورة بعنوان (المسألة اليهودية) التي نشرها في عام 1844 وفنّد بها ذلك الزعم وأكدّ ان اليهودي العادي مواطن ينبغي ان يرتبط نضاله بنضال الطبقة العاملة في بلده اذ لا يجمعه شيْء برأسماليي العالم من اليهود.. ولعل من افضل الشروح لهذه الأطروحة ما كتبه سعود قبيلات في (الحوار المتمدن) عام 2012.
 
وفي فلسطين في اوائل القرن الماضي مثل آخر حدث في العلاقة بين الشيوعيين الفلسطينيين المنضوين تحت لواء عصبة التحرر الوطني وبين الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وكيف فضح بعضهم الاهداف الخفية لهذا الحزب في خدمة مبادئ الحركة الصهيونية لاقامة دولة اسرائيل في فلسطين وطرد أهلها منها! وبما له علاقة بذلك نشب في فترة لاحقة خلاف واسع في صفوف الشيوعيين العرب بسبب موافقة الاتحاد السوفيتي على قرار تقسيم فلسطين عام 1947 وقيام مظاهرات الاحتجاج ضده وضدهم في بعض العواصم العربية كدمشق رغم المحاولات اليائسة لتبرير الموقف السوفيتي بانه لاطفاء نار هائلة سوف تندلع لا محالة لو تم رفض القرار! وقد استغلت الحكومات العربية الرجعية تلك الظروف الملتهبة فنكلت بمواطنيها الشيوعيين شر تنكيل.
 
ونأتي في النهاية الى المثل الاخير في حالة اليسار الاسرائيلي الآن وهو يعاني ليس من الحيرة فقط بل من الضعف الشديد وانصراف الاكثرية الساحقة من الرأي العام الاسرائيلي عنه حتى وصل الى اليأس بسبب عجزه عن مواجهة جرائم الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني فحين كتبت روخاما مارتون Ruchama Marton مؤخراً تطالب بالتعاون مع حركة المقاطعة الفلسطينية BDS لأن اليسار الاسرائيلي في رأيها قد أصبح غير قادر وحده ودون التعاون مع حلفاء الخارج أن يحدث أي تغيير في سياسة الأبارتهايد التي تمارسها اسرائيل على الفلسطينيين، رد عليها يوري افنيري صديق عرفات واليساري القديم المعروف مستنكراً ومندداً!
 
وللتذكير فان روخانا مارتون مؤسسة ورئيسة (اطباء من اجل حقوق الانسان في اسرائيل) طبيبة نفسية من مواليد القدس1937 وقد بدأت نشاطها منذ الانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987 بعد ان زارت غزة مخاطرةً بخرق اوامر الحكومة الاسرائيلية آنذاك التي كانت تمنع الاسرائيليين من مثل هذه الزيارات، ورأت بام عينها ابشع اصناف القمع والتعذيب اللذين يلقاهما المواطن الفلسطيني على يد جيش الاحتلال.
 
وبعد.. أما عن حيرة اليسار الاميركي فحدث ولا حرج! فلقد بلغت ذات يوم حدود الرعب إذ كانت مقاومته ومطاردة انصاره من المفكرين والفنانين تتجاوز قطع الارزاق حين كان رونالد ريغان في شبابه من نجوم هوليود الفاشلين وفي نفس الوقت عميلاً يتجسس على زملائه وزميلاته في العمل، وحين دعا في خمسينات القرن الماضي السناتور سيّىء الذكر جوزيف ماكارثي لطرد الشيوعيين من وظائفهم وحرق الكتب اليسارية في الميادين.