Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Nov-2018

بـيـن الـواثـق والـواهـم - د. صلاح جرّار

 الراي - نحتاج في بعض الأحيان إلى أن نميّز بين الواثق من نفسه وبين الواهم بقدرة نفسه وعظمتها، فالأول يرى الأشياء على حقيقتها ويقيس قدرته على إمكانية الوصول إليها أو عدم قدرته، فمتى أحسّ بقدرته على الحصول عليها فإنّه يتقدّم إليها بكلّ ثقة واطمئنان، وتنعكس ثقته في مثل هذه الحالة على ثبات خطوته واتقاد عينيه واستقامة قوامه وعدم تردّده وسلامة نبرة صوته وغير ذلك، أمّا إذا شعر بأنّ قدرته دون ما يتطلبه تحقيق هدفه، فإنّه يتأنّى ويتراجع إلى أن يحين الوقت المناسب للإقدام عليه.

وينطبق هذا الأمر على الواثق من نفسه عند الكلام والتحاور والمساجلة والكتابة وطرح الأفكار وما شابه ذلك، فإذا أحسّ الشخص الواثق من نفسه بامتلاكه فكرة بناءة أو حجّة مقنعة أو دليلاً قاطعاً أو ردّاً مفحماً، فإنّه لن يتردد في طرحه بثقة وثبات ويكون مستعدّاً للدفاع عنه بالمنطق والحجّة و البرهان والدليل، أمّا إذا أحس بعدم قدرته على إحكام عبارته والدفاع عن فكرته فإنه يلتزم الصمت ويكتفي بالإصغاء.
أمّا الواهمون بقدرتهم وذكائهم وعبقريتهم فلهم شأن آخر، فربّما يكون الواحد منهم قد سمع إطراءً عابراً له من شخص ما، فيحمل ذلك الإطراء محمل الجدّ، ثمّ يتصدّر المجالس والمنتديات ويدلي بدلوه في كلّ الموضوعات التي تطرح، وهو يعلم أنّه إذا أيّد متحدثاً فإنه سوف يحظى بتقديره واحترامه، وإذا طرح رأياً مخالفاً على قاعدة:
خالف تعرف، فإنه سيصبح لافتاً لنظر الناس، ثمّ إذا جادلته فإنه يعزّ عليه أن تستهين بعلمه وذكائه وعبقريته وقد يرمقك بعين المستهجن لحديثك وجرأتك على مجادلته.
إنّ السعي إلى إقناع الواهم بذكائه وعبقريته بأنه ليس ذكياً ولا عبقرياً هو أمرٌ عسير وتشوبه المحاذير، فمن ناحية أولى قد تظلم بذلك شخصاً طموحاً يسعى إلى تطوير قدراته ويملك شيئاً من الثقة بالنفس فتحبطه بدلاً من تشجيعه والأخذ بيده، ومن ناحية مقابلة فإنّك إذا سكتّ عن مثل هذا الواهم فإنّك تفسح له المجال لإفساد عقول الناس، ولا سيّما إذا كان معلّماً يدرّس لطلبته ما يعتقد أنه صواب وإبداع، أو إذا كان أباً أو أمّاً فيزرع في عقول أطفاله أوهاماً لا صلة لها بالحقيقة، وفي الحالتين فإنك تتحمل مسؤولية خطيرة.
إنّ إفساح المجال للواهمين لتصدّر المجالس والامتزاج بأوساط أهل الفكر والعلم والثقافة وهم غير متسلّحين بشروطها، يجعل هؤلاء الواهمين ينافسون في كلّ الميادين وربّما يتطاولون على أصحاب العلم والفكر والاختصاص وعلى رموز المجتمع وقاماته، ممّا يدفع بالمثقف الحقيقي والمبدع الحقيقي والعالم الحقيقي وغيرهم ممّن يثقون بأنفسهم كلّ الثقة أن ينأوا بأنفسهم عن منافسة هؤلاء الواهمين أو الاقتران بهم، فيتركون لهم الساحة يصولون ويجولون فيها كيفما يشاؤون ومعهم زمرٌ من المؤيدين والمصفّقين، فيفسد الذوق والإبداع وتتشوّه الثقافة وتهبط المعايير إلى مستويات دنيا في مجالات العلم والثقافة والفكر والإبداع.
ولا مفرّ بين يدي ذلك من تصنيف المؤسّسات الناشطة في هذه المجالات إلى مستويات متمايزة، ولا مفرّ لهذه المؤسّسات من وضع معايير محدّدة ومعلنة لمن تستضيفهم وتوفر لهم المنابر كلّ في مجال اختصاصه الذي ينتمي إليه، كي لا يستمر اختلاط الحابل بالنابل والحقّ بالباطل والصالح بالطالح والواهم بالواثق.
salahjarrar@hotmail.com