Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Jun-2018

«قمة الضرورة» في سنغافورة !! - محمد كعوش

الراي -  الطريق الى جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة ، تذكرت هذه العبارة وانا اتابع توقيع اتفاق النوايا ، أو اطار العمل بين الرئيس الأميركي ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون في لقاء سنغافورة الذي اسمته وسائل الإعلام الأميركية « اللقاء التاريخي أو « قمة العصر». قد تكون هذه القمة حاجة ملحة للطرفين ، الا ان ترمب أعتبرلقاء خصمه العنيد ، من حيث التوقيت ، بمثابة النصر المعنوي المهم والأختراق السياسي ألأكبر الذي يدخل في حسابه الشخصي أو يدخله التاريخ متجاوزا كل التناقضات التي حدثت في عهده حتى الآن.

السؤال الذي سبق توقيع الأتفاق بين الرئيسين اللدودين ، وما زال مطروحا في كل ارجاء العالم: ما هو الثمن
، خصوصا بالنسبة لكوريا الشمالية ، وكيف حصل هذا الانقلاب السريع في المواقف ، بعد التهديدات النووية
التي اطلقها الطرفان واوصلت العالم الى حافة الهاوية ؟
بداية اقول انني لا اعرف الى اي مدى سيصل هذا الاتفاق الذي حمل عناوين كبرى بلا تفاصيل جوهرية ، وكلنا
يعرف أن الشيطان يكمن في التفاصيل ، خصوصا اننا ما زلنا نتذكرأن واشنطن ، كانت الى ايام قليلة مضت ،
تعتبر كوريا الشمالية احد اركان «محور الشر» في العالم. كما لا ننسى ان الرئيس الأميركي نعت الزعيم الكوري باوصاف معيبة مهينة. وبالمقابل كانت كوريا الشمالية بعقيدتها المتشددة تعتبر الولايات المتحدة دولة عدوة شريرة ، حتى أن الرئيسين هددا ، في وقت قريب مضى ، بالضغط على ازرار الأسلحة النووية ، رغم
قناعة الجميع بان الحرب المفترضة مستحيلة بسبب توازن الرعب.
ذكرت أن قمة سنغافورة هي « قمة الضرورة « للفريقين. بالنسبة للرئيس الأميركي فقد تم اللقاء على وقع
الخلافات ألأميركية –الأوروبية والتصعيد ضد كندا. اللافت ان ترمب حاول التلاعب بنتائج القمة منذ البداية ، وذلك بارسال الكثير من الرسائل منها ما هو للشعب الأميركي ، كذلك الى خصومه وفي المقدمة ايران ، ليثبت بانه الرئيس القادر.
بعض هذه الرسائل كان بالكلمات وبعضها بلغة الجسد الأيحائية و«الطبطبة» على ظهر الزعيم الكوري ، ليظهر انه مرتاح جدا وحصل على كل ما طلبه من «صديقه اللدود» ، واولها وقف التجارب النووية وتدمير مواقعها ،على أن تكون شبه الجزيرة الكورية كلها خالية من السلاح النووي ، مقابل انهاء التوتر ووقف المناورات الأميركية – الكورية الجنوبية لتحقيق السلام وفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين.
عندما صافح ترمب نده القوي كيم جونغ اون لأول مرة في اجتماع سنغافورة ، أعتقد أن صورة الرئيس نيكسون لم تغادر مخيلته ، فهو الذي بادر لتطبيع العلاقات مع الصين عبر دبلوماسية « البنغ بونغ « وبوجود العرّاب المستشار هنري كيسنجر ، وهي الدبلوماسية التي فتحت الباب أمام نيكسون لزيارة بكين ولقاء الزعيم ماو تسي تونغ قبل 46 عاما ، وهو الأنجاز التاريخي الذي حققه نيكسون قبل الأطاحة به في فضيحة «ووتر - غيت».
وفي لقاء ترامب–كيم ، من المرجح أن يكون المستشار كوشنر ( كيسنجر الصغير )) هو مهندس
اللقاء.ولكن من الصعب المراهنة على موقف ترمب أو التنبؤ بسلوكه وردود افعاله ، كما ان قواعد اللعب
معه غير ثابتة. فالمعروف عنه انه انقلابي ومزاجي وغير مستقر ، ومن الممكن الأنقلاب على المعاهدات والاتفاقات التي توقعها الولايات المتحدة ، كما حدث في الانسحاب من الأتفاق النووي الأيراني ونسف المصالحة مع كوبا التي تمت في عهد اوباما ، وهذا يعني أن من لا يحترم توقيع اسلافه من الممكن أن  يلحس توقيعه» في اية لحظة.
اما بالنسبة لموقف الزعيم الكوري اعتقد انه حيّر المتابعين والسياسيين بانعطافته الكبرى. ولكن من
المحتمل أن الرئيس الصيني بينغ لعب دورا مهما في هذا التحول ، لتخفيف حدة التوتر في بحر الصين ، أو أن الزعيم الكوبي أعجبه النموذج الصيني ويريد السير للخروج من الحصار والأزمة الأقتصادية ، وهذا الخيار قاده الى التخلي عن حالة الجمود العقائدي وعسكرة المجتمع ، والأخذ بالأعتبار التغيير الذي تفرضه حركة التاريخ ، من اجل الأنفتاح على العالم وتحقيق التنمية وتطوير بلاده وتحقيق الرفاهية لشعبه على غرار التجربة الصينية.
كذلك لا يمكننا تجاهل دور موسكو في الماضي والحاضر ، وقد ساعدت في انهاء التوتر بين واشنطن وبيونغ يانغ ، كما ان الرئيس بوتن قام بدور ضاغط ساعد على التهدئة في مرحلة التصعيد الأخيرة.
ولكن في النهاية ، لا حقيقة ثابتة او واضحة حول هذه القمة. لذلك كل التطورات تبقى في خانة التكهنات رغم التوقيع على اتفاق النوايا الذي لا نعرف جوهره. الا أن الحقيقة الثابتة تؤكد أن الزعيم الكوري المحنك ، الذي كان قبل ايام يلامس جسم الصاروخ بفرح كطفل يداعب دمية ، ليس بالسذاجة التي يعتقدها ترمب ، رغم كل الغزل والحميمية المصطنعة التي اظهرها ، فهو يعرف طريقه جيدا ، ولن يقع ضحية لخداع اميركي خبيث ، لأن الزعيم الكوري يعرف ان اليمين المحافظ الحاكم في أميركا ، هو الذي خدع العراق وقام بغزوه واحتلاله بعد تدمير كل اسلحته الفتاكة.