Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Apr-2019

ترامب يقدم، عن غير قصد، حلاً لمشكلة أميركا الكردية مع تركيا

 الغد-سونر جاغابتاي* – (معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى) 18/4/2019

اعتمدت واشنطن منذ العام 2014 على “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية للقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية. بيد أن سياسة واشنطن في التعامل مع وحدات حماية الشعب في سورية؛ حيث ساعد الدعم الذي قدّمته الولايات المتحدة المجموعة على الازدهار، قوّضت في الوقت نفسه السياسة الأميركية المتعلّقة بحزب العمال الكردستاني في تركيا، أي “المنظمة الأم” التي انبثقت عنها وحدات حماية الشعب، والتي ينبغي على واشنطن السعي لفرض القيود عليها. وأفضت المساعدات التي قدّمتها الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية إلى شد عزيمة “حزب العمال الكردستاني”؛ حيث تعتبر الوحدات الفرع السوري لهذا الحزب الذي يتّخذ من تركيا مقرًا له والذي أدرجته الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية، ودخلت أنقرة في صراع مستمرّ معه منذ عقود.
لكن القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب مؤخرًا بالانسحاب من سورية، على الرغم من القرار الذي أعقبه بترك عدد محدود من القوات في البلد في الوقت الحالي، خلط الأوراق بطريقة غير مباشرة وغيّر العلاقات بين الولايات المتحدة والمجموعتيْن الكرديتيْن -وأنقرة أيضاً.
تعارض تركيا معارضة شبه شاملة السياسة الأميركية المتعلقة الخاصة بوحدات حماية الشعب الكردية. وينظر بالتالي عدد كبير من الأتراك إلى توتر العلاقة المحتمل بين الولايات المتحدة وهذه الوحدات من منظور إيجابي، وقد يساعد هذا التحوّل على وقف المدّ المتعاظم في تركيا والمناهض لأميركا.
يشكّل الاستقرار على طول الحدود الجنوبية لتركيا مصدر قلق كبير لأردوغان. غير أن أنقرة لا تملك الموارد اللازمة لاحتلال مناطق سورية شاسعة والاحتفاظ بها أو لمحاربة “داعش”. وبذلك، يثقل ترامب بالانسحاب من سورية كاهل تركيا بدولة مجاورة غير مستقرة وفاقدة السيطرة.
كما تواجه وحدات حماية الشعب مشكلة هي أيضاً. فقد أدّى قرار ترامب بالانسحاب من سورية -عن غير قصد- إلى تغيير العلاقة بين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، ودفع بالوحدات إلى موقف تضطرّ فيه على الأرجح إلى التفاوض أيضاً. ومن دون الدعم الأميركي، تتعرّض وحدات حماية الشعب لخطر اكتساحها من قبل نظام الأسد أو تركيا، بحيث تفقد بالتالي ما كسبته من أراض. وبعبارات أخرى، فقدت وحدات حماية الشعب رونقها ونجاحها الذي ميّزها عن غيرها من فروع حزب العمال الكردستاني.
قبل عقد تقريباً من اندلاع الحرب السورية، انبثقت وحدات حماية الشعب عن حزب العمال الكردستاني باعتبارها الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي في سورية في العام 2003. وعلى مدى سنوات، كانت قوّة حزب العمال الكردستاني هي القوّة المحركة لوحدات حماية الشعب. ولكن، منذ العام 2014، أدّى التعاون الأميركي مع هذه الوحدات إلى قلب هذه العلاقة رأسا على عقب. فقد أفضت النجاحات التي حققتها وحدات حماية الشعب بدعم أميركي، في جزء منها، إلى تشديد عزيمة حزب العمال الكردستاني وغياب احتمال المفاوضات بين المجموعتيْن.
اعتمدت واشنطن على القوات البرية لوحدات حماية الشعب كجزء من استراتيجيتها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وتجاهلت العلاقات التي تربط بين هذه الوحدات وحزب العمال الكردستاني لأسباب نفعية. وحققت وحدات حماية الشعب، جزئيا بفضل هذا الدعم، سلسلة من النجاحات العسكرية: في العام 2014، استعادت هذه الوحدات بمساعدة الولايات المتحدة مدينة كوباني السورية من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” وأعلنت الاستقلال الذاتي فيها. وبسطت بعد ذلك سيطرتها على ما يقارب ثلث الأراضي السورية -أي على منطقة تداني بحجمها تقريبا ولاية فيرجينيا الغربية الأميركية. وأعلنت وحدات حماية الاستقلال الذاتي في هذه المنطقة وفقا “لنموذج كوباني” في تحرير المدن من براثن “الدولة الإسلامية” وأنشأت الإدارة المدنية الكردية.
عزّزت هذه المكاسب وحدات حماية الشعب التي أصبحت على حين غرّة الجناح العسكري الناجح في منطقة تتمتّع بإدارة مستقلة، وعكس ذلك بالتالي العلاقة التاريخية التي جمعت بين المجموعة وحزب العمال الكردستاني. وشدّدت هذه النجاحات بدورها من عزيمة الحزب الذي كان آنذاك منخرطا في محادثات السلام الجارية مع الحكومة التركية والتي بادر إليها أردوغان في العام 2012 بهدف إنهاء الحرب التي استمرّت لأربعة عقود مع أنقرة.
لكن المحادثات انهارت في العام 2015 عندما غيّر حزب العمال الكردستاني مساره. وشنّ في ذلك الصيف حربًا ضارية ضد أنقرة للاستيلاء على مدن في جنوب شرق تركيا بالقرب من الحدود السورية في محاولة لاستيراد “نموذج كوباني” الذي صنعته وحدات حماية الشعب من سورية إلى تركيا.
غني عن القول إن هذه المحاولة قد باءت بالفشل. فقد سحقت أنقرة التي تملك ثاني أكبر قوة عسكرية في الميدان في حلف “الناتو” حزب العمال الكردستاني. ومع ذلك، استمرّت مكاسب وحدات حماية الشعب في سورية في تنشيط حزب العمال الكردستاني، على الرغم من إخفاقاته. ويتحكّم “الابن” السوري لهذا الحزب بقسم كبير من حقول النفط في البلد، وكان يمكنه الاعتماد -حتى ماض ليس ببعيد- على دعم الولايات المتحدة المطلق لحماية هذه الأصول.
في ظل تبدّد الوعد بالدعم الأميركي المطلق مستقبلاً، فقدت وحدات حماية الشعب قدرتها على إلهام حزب العمال الكردستاني على المدى الطويل. ولا بدّ أن يتزايد حالياً حرص الحزب على الدخول في مفاوضات مع أنقرة في مقابل اعتراف تركيا بمكاسب وحدات حماية الشعب في سورية. ولن يجلس حزب العمال الكردستاني على طاولة السلام مع أنقرة ما لم يثبت له ضعف وحدات حماية الشعب في سورية.
وتشير التغيرات السياسية الداخلية في أنقرة أيضاً إلى تحوّل متزامن محتمل في الموقف التركي في ما يتعلّق بوحدات حماية الشعب. فخلال الانتخابات، يزداد أردوغان نفوذاً بفضل قاعدة قومية تركية ويقطف ثمار الصورة التي يظهر بها باعتباره “الرجل القوي” الذي يقف في وجه حزب العمال الكردستاني، القومي الكردي والتي تحقق نتيجة جيدة في صناديق الاقتراع.
مع انتهاء الصراع على رئاسة بلدية إسطنبول، لن يخوض أردوغان أي انتخابات جديدة قبل العام 2023، وهو ما يعني أنه قد يكون أكثر استعداداً للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني، بما أن صورة “الرجل القوي” لم تعد على هذا القدر من الأهمية. ويمتاز أردوغان بأنه رجل عملي قبل أن يكون قومياً -وكان قد أطلق في النهاية محادثات السلام لأول مرة في تاريخ تركيا مع حزب العمال الكردستاني في العام 2012؛ أي قبل السنوات الست التي شهدت خلالها تركيا انتخابات واستفتاءات ومحاولة انقلاب. ومع طي صفحة الانتخابات الأخيرة، سيصبح في وضع يخوّله لاستئناف استراتيجية محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني التي اعتمدها سابقا -والتعامل مع وحدات حماية الشعب– لأن الأمريْن ضروريان لحل “المشكلة السورية” التي يواجهها أردوغان.
من الممكن أن تلعب واشنطن دوراً إضافياً في هذه المرحلة لإعادة العلاقة بين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب من جهة، وتركيا من جهة أخرى إلى مسارها الطبيعي. ويشارك مسؤولون أميركيون في محادثات جارية مع نظرائهم لتحويل المنطقة الآمنة إلى حقيقة. وفي حال طُبّقَت هذه “المنطقة الآمنة” فستساعد على إبعاد وحدات حماية الشعب عن الحدود التركية.
وقد ينطوي بالتالي الخيار المرتقب في شمال شرق سورية على تدبير لحكم شرق سورية تحظى في إطاره تركيا “بمنطقة آمنة” وتبسط وحدات حماية الشعب سيطرتها خارج نطاق هذه “المنطقة الآمنة” وتحافظ الولايات المتحدة على وجود عسكري في هذه المناطق وتوفّر أنقرة الأموال والخدمات العامة الضرورية لتحقيق الاستقرار في سورية -ويظهر أردوغان بصورة ودية ومحافظة للسكان العرب المحليين.
يترافق هذا النموذج مع عدد من المنافع التي تشمل الفرص الاقتصادية وفرصة لتحقيق الاستقرار في شرق سورية. وتركت الحملة الأميركية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” مناطق شاسعة من سورية، مثل الرقة، في دمار كامل في حين يبحث قطاع الأعمال الديناميكي في تركيا الذي يعاني من التدهور الاقتصادي الأخير عن أسواق محتملة جديدة للنمو.
وقد تتاح قريباً الفرصة أمام واشنطن لحل مشكلة الأكراد التي تواجهها مع أنقرة بعد أن طوت تركيا صفحة السباق الانتخابي على رئاسة بلدية إسطنبول ودخلت فترة لا انتخابات فيها على مدى السنوات الخمس المقبلة.
 
*زميل رفيع ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.