Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Jan-2019

الدولة الأردنية والأيدولوجية الهاشمية - رومان حداد

الراي - تذهب المدارس الحديثة لعلم الاجتماع السياسي على تنوعها لمقارنة السلوك الجمعي في المجتمعات البشرية بالسلوك البشري للكائن المفرد، حيث وجدت مساحات تقاطع بين السلوكيين، وبات من الممكن الاستفادة من النتائج التي وصلت إليها الدراسات السلوكية والمعرفية المطبقة على الأفراد وقياسها على مستوى المجتمعات.

والدولة كأحد أبرز أشكال المجتمعات البشرية الحديثة خضعت لدراسات وتصورات ونظريات انطلقت من محاولات تبرير وجودها إلى حتميتها وكيفية إدارة الصراع فيما بينها وداخلها، وسواء تلك الدراسات التي حاولت تبرير وجود الدولة بداية أو تلك التي اعترفت فيها كضرورة تاريخية أو كحالة واقعية انطلقت من أن لكل دولة مجموعة من المصالح والمنافع تنتظم تحت ما يسمى بـ(مشروع الدولة)، فلكل دولة مشروعها الخاص المتمايز عن غيرها من الدول المحيطة بها يخلق مجموعة من المصالح الخاصة بها والتي تدافع عنها وتحاول تحقيقها وهو ما يعطيها هويتها الخاصة.
في مرحلة ما، أن تفقد مشروعها، على الدولة اتخاذ مسارات غير متوقعة ولكنها ضرورية، ولكن في هذه الحالة تأخذ الحالة شرعيتها من نتائجها، فنتائجها هي التي تبرر اتخاذها هذا المسار أو ذاك، في مرحلة ما قد تظهر إزاحات في هويتها الجمعية يعيد طرح سؤال الهوية على مكوناتها من جديد، ويأتي ذلك كنتيجة لعمل منتظم ومقصود، في أغلب الأوقات، عبر خلق مسارات تحويلية سريعة اقتصادياً اجتماعياً داخل الدولة، وهو ما يؤدي إلى تشابك المسارات بين المنظومات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيخلق حالة غير معرّفة ومساراً حلزونياً نحو الهدف.
وأبرز ما يترتب على وجود مشروع للدولة هو امتلاك الدولة لمرجعية نظرية واضحة في التعامل مع كل قضية مستجدة أو إشكالية تواجهها، فيبدو الحل غير مجتزأ، يحاول التعاطي مع الإشكالية بصورة كلية وليس بعيداً عن منظومة مشروع الدولة الحاضر فتتراكم الحلول للقضاء على أساس المشكلة وليس على ظاهر المشكلة فقط. الدولة تفقد توازنها إذا ما فقدت مشروعها، ويجب على الدولة أن تتمكن من القيام باختبار ذاتي للتأكد من امتلاكها مشروعها أو ابتعادها عنه، وقد يكون من المؤشرات الرئيسة لامتلاك الدولة لمشروعها وجود مجموعة من المنظرين الحقيقيين للدولة ومشروعها، وهؤلاء يمتلكون القدرة على قراءة الملامح الأساسية للمستقبل السياسي الاجتماعي الاقتصادي للدولة، وهم قادرون بالفعل على وضع واجتراح تصورات (كلية) للحلول في بعدها التأسيسي التنظيري للإشكاليات التي تواجه الدولة، والتي يمكن وقوعها، بحيث تتوافق الحلول مع مشروع الدولة، بل وتقوم بتعزيزه وتأكيد صوابيته، إلى جانب أنها تجد الحلول العضوية للإشكالية لضمان عدم تكرارها لذات الأسباب في المستقبل القريب.
وعلى الجانب الآخر تمتلك الدولة (صاحبة المشروع) مجموعة متعددة من السياسيين القادرين على قراءة الحاضر بمستوياته المتعددة ورسم أفق مستقبلي قائم على أساس حرية التفكير وحلقات العصف الذهني القادرة على خلق سيناريوهات متعددة وإيجاد معادلة التعامل معها، كل ذلك بما يخدم مشروع الدولة ومقولاتها الرئيسة.
غياب (مشروع الدولة) لا يعني بحال من الأحوال انتهاء الدولة مباشرة، بل قد تستمر الدولة، كإنسان بلا مشروعه الشخصي أو هدفه الكبير، تائهة ومحتارة بلا هوية جمعية حقيقية تجمع مكوناتها البشرية، فتعيد العلاقات داخل منظومتها من علاقات مجتمع إلى علاقات تجمعات بشرية داخل مساحة جغرافية محددة، بانتظار ما ستفرزه المعادلات الجديدة من هذه العلاقات البشرية (اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً)، مما يدخل الدولة حالة (الكوما).
الأردن اختار منذ فترة طويلة أن يكون دولة غير أيدولوجية، رغم أنه محاط بدول وجماعات أيدولوجية، فتركيا يملك الحكم فيها تصوراً أيدولوجياً، وإيران دولة أيدولوجية أيضاً، وشمالنا سورية دولة أيدولوجية، وغربنا هناك مشروعان أيدولوجيان فلسطينياً هما المشروع الفتحاوي المتآكل والمشروع الحمساوي المتكسر، وفي لبنان أكثر من مشروع أيدولوجي أبرزها على الإطلاق مشروع حزب االله، ولا يمكن تناسي المشروع الأيدولوجي الصهيوني.
في ظل هذه الكثافة الأيدولوجية المحيطة بالأردن، هل يبقى الأردن دون مشروع أيدولوجي والدولة تتجه نحو الانتهاء من مائتها الأولى، فلدى المُلك الهاشمي أيدولوجية مهمة تصوغ نظرته في الحكم وفي التعامل مع القضايا المختلفة داخليا وخارجياً وعلى مستوياتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد آن الأوان لبناء سردية واضحة للأيدولوجية الهاشمية لكي تكون أيدولوجية للدولة الأردنية.