Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2022

شارع المتنبي في بغداد: نقطة إشراق وأمل جديد للعراقيين

 الغد-بيورن بلاشكه – (دويتشه فيلِه) 26/4/2022

 
شارع المتنبي من أقدم شوارع بغداد. شُيّد في نهاية العصر العباسي، أي قبل أكثر من ألف عام، حيث ظهرت محال الوراقين وبائعي الكتب أولاً. وكانت البداية، كما يقول المؤرخون، مع أكشاك الكتب، ثم شُيّدت المباني والمساكن. وفي العهد العثماني بُنيت المنازل من الطابوق. وفي العام 1932 أطلق عليه الملك فيصل الأول اسم “المتنبي” بسبب كثرة محال بيع الكتب فيه والمقاهي التي يرتادها الشعراء والأدباء. وقد توالت عليه المصائب، من الغزو المغولي إلى تفجير إرهابي قتل العشرات من مرتاديه ودمر نصفه. لكن شارع المتنبي يبقى ملتقى المثقفين وأمل العراقيين.
 
* *
في شارع المتنبي في بغداد يلتقي المثقف، والمسافر، والباحث عن كتاب، والمشتاق إلى بغداد القديمة. وتفترش الكتب جوانب الدرب باحثة عن قراء؛ كتب لم يكن يتسنى لها أن تظهر في العلن خلال أكثر من ثلاثين عاماً من حكم الرئيس الأسبق صدام حسين، حين كانت الثقافة لعقود “تحت السيطرة”. والآن، كل هذا تغير، وأصبح شارع سوق الكتب وسط بغداد الذي تنفس الصعداء بعد العام 2003 مرآة للحرية والكلمة، لكنّ يد الإرهاب طالته أيضاً باستهدافه في آذار (مارس) 2007 بتفجير أدى إلى مقتل العشرات ودمار الكثير من المكتبات والمطابع في الشارع.
شارع المتنبي من أقدم شوارع بغداد. شُيّد في نهاية العصر العباسي، أي قبل أكثر من ألف عام، حيث ظهرت محال الوراقين وبائعي الكتب أولاً. والبداية كانت، كما يقول مؤرخون، مع أكشاك الكتب، ثم شُيّدت المباني والمساكن، وفي العهد العثماني بُنيت المنازل من الطابوق. في العام 1932 أطلق عليه الملك فيصل الأول اسم المتنبي بسبب كثرة مكاتب بيع الكتب فيه والمقاهي التي يرتادها الشعراء والأدباء. وهنا كان يُصنع الرأي وتدور الحوارات بين المثقفين، وتطبع الكتب وتنصت العقول حين كان يتحدث عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، أو يلقي الجواهري قصيدة في مقهى بالشارع.
مع سقوط نظام صدام حسين، بدأ المتجول في ربوع شارع المتنبي يشاهد كُتباً كان قد مُنع تداولها لعقود من الزمن، سواء كانت دينية أم سياسية. وقد اختفت “خطابات القائد” لتحل محلها كتب تعنى بتاريخ العراق وحاضره. وتباع اليوم كتب مثل “العراق الأميركي” للمفكر حسن العلوي، وكتب المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو، وكتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي. وكانت هذه الكتب تُباع حتى العام 2003 في الخفاء خوفاً من بطش السلطة التي لم تكن تتفق مع ما فيها.
يقول عبد الرزاق، وهو من مرتادي الشارع الدائمين بحثاً عن مناخ مختلف عن مناخ الفضائيات: “شارع المتنبي جنة بغداد”. وقد وثقت هذه “الجنة” تاريخ عاصمة العراق منذ أكثر من ألف عام، من ظهوره، مروراً بتدميره على يد المغول يوم سقوط الدولة العباسية، وخلال حكم العثمانيين الذي امتد على مدى خمسمائة عام تقريباً وحتى قيام الملكية في العراق مطلع القرن العشرين، ثم انقلاب الجيش عليها في الخمسينيات، ثم الانقلابات المتتالية مع ظهور الجمهورية، وحتى سقوط نظام صدام حسين مع دخول الجيش الأميركي في العام 2003، ثم الهجمات الإرهابية المتتالية وحتى اليوم.
شارع المتنبي نبض الرأي العام
تغيرت نوعية المعروض من الكتب مع كل نظام، من ماركسي، إلى قومي عربي، إلى إيديولوجي بعثي يمجد شخصاً واحداً. ولطالما حاولت الأنظمة التي مرت على العراق منذ مائة عام كبح جماح عقل المثقف في العراق، ولا مكان أفضل لفعل ذلك من شارع المتنبي. ويضيف عبد الرزاق في حوار مع مراسل القناة الألمانية الأولى ARD: “هنا يلتقي المثقفون والباحثون عن العلم والفضاء الحر”. لكن كثيراً من الكتب المعروضة اليوم لا تلائم ذوق عبد الرزاق، الذي كان يرى الكتب الماركسية تُعرض في خمسينيات القرن الماضي في الشارع بينما دخلت الكتب الدينية المتطرفة اليوم من كل حدب وصوب، سوى أن النقاش مفتوح ولا ممنوع إلا الإرهاب.
يجلس بعض الذين يلتقون للنقاش حول الكتب قرب تمثال أبي الطيب المتنبي. ومنهم أصيل، وهي شابة ترتدي نظارة شمسية كبيرة لتحميها من شمس بغداد القوية. تقول أصيل: “المكان هنا ثقافي وحضاري. يذكرنا بتراثنا العراقي وبأجدادنا، وهو في نفس الوقت حديث. هنا توجد الكثير من الكتب التي تمكننا من رؤية المستقبل من خلال تجارب الكُتاب والشعراء”.
مقهى الشابندر
في انفجار العام 2007 الذي تسبب في مقتل العشرات وتدمير مبان تاريخية قديمة ومحال ومكتبات، طال الانفجار أيضا مقهى الشابندر الشهير، ملتقى المثقفين وأصحاب الرأي. وكان المقهى قد افتتح في العام 1917. وفي سبعينيات القرن الماضي أصبح المقهى ملكاً للحاج محمد الخشالي؛ رجل يرتدي “عرقجينة” سوداء على رأسه، وحين يتحدث تظهر ابتسامة من خلف شاربه برغم الحزن الذي يعانيه. ويروي بحزن: “الشابندر والمتنبي عانيا من انفجار العام 2007، في المتنبي سقط 68 قتيلاً، وفي المقهى قتل أربعة من أبنائي والخامس حفيدي”.
بعد الانفجار بدأت عمليات ترميم للشارع لكنها تأخرت بسبب الاقتتال الداخلي ثم هجمات تنظيم “داعش”. وبفضل جهود إدارة بلدية العاصمة وتبرع جهات مصرفية وتجار، أعيد ترميم الشارع من دون المساس بمعماريته وتراثه، وافتتح من جديد في كانون الأول (ديسمبر) 2021 في ولادة جديدة للشارع العريق، لكنها لا تنسي الناس -وخصوصاً الحاج محمد- أولاده وحفيده الذين سقطوا ضحايا.
ما تزال صورهم معلقة في المقهى على جدار خلف كرسيه. وعلى باقي الأركان والجدران تتعلق صور، ملونة أو بالأبيض والأسود، لساسة وشعراء وأدباء ومشاهير زاروا المقهى خلال عقود من عمره. ويقول الحاج محمد الخشالي: “المقهى رمز الثقافة والمثقفين في بغداد. كل سائح يزور بغداد يأتي إلى هنا”.
الفساد، والأحزاب، والمتنبي
في الفترة الأخيرة بدأ بعض السياح في زيارة بغداد والعراق، لكن الكثيرين ممن يتمنون زيارة العاصمة يخشون من الصواريخ التي تطلق بين الحين والآخر على المنطقة الخضراء. ولذلك، ما يزال أكثر مرتادي المقهى من العراقيين والعراقيات. وترى ندى، سيدة البيت العراقية المحبة للثقافة، أن الأمور ما تزال “غير طبيعية في العراق”، خصوصاً لأن المجتمع العراقي منقسم أثنياً ودينياً ولم يلتئم شمله بعد عشرين عاماً من سقوط نظام صدام حسين. وتوضح بالقول :”بسبب الأحزاب! بسبب الوضع السياسي والأحزاب (التي كلها أحزاب دينية أو إثنية) وهناك خلافات عميقة بينها. هذه الخلافات تنعكس على الناس والشعب هو الضحية”.
وقد تسببت الأحزاب في فساد عميق طال مؤسسات الدولة والاقتصاد، ويجني ممثلوها الأموال من ريع بيع النفط والصفقات المشبوهة، فيما يعاني الشباب من البطالة والفقر. وتحلم زينب، ابنة ندى، بالعيش خارج العراق، حيث الحياة أكثر عصرية ولا يفرض عليها ارتداء الحجاب، ولا يقود المجتمع نظام أبوي متسلط. وتقول زينب (18 عاماً): “يتحكم الرجال فينا نحن النساء. الحياة صعبة حقاً بالنسبة لنا هنا. لا تعيش كل امرأة بأمان هنا ولديها حقوقها. أعني أننا نحاول البقاء كما لو أننا في حرب”.
في مقهى الشابندر تجد زينب وأمها ندى أشخاصاً يفكرون معهما بنفس المستوى وبصوت عال، حيث يتناقشون حول ما يجري في العراق والعالم؛ ويتحاورون حول الأدب العالمي والعراقي وحول الكتب السياسية والأدبية ودوواين الشعر. ويقول أحد أصحاب المكتبات، اسمه ماهر: “شارع المتنبي هو الأمل الوحيد المتبقي. إعادة إعماره وبنائه تمنحنا الثقة. نتمنى أن تطال يد الإعمار شوارع أخرى. والبداية من هنا مهمة جداً”.
ترجمه عن الألمانية عباس الخشالي.