Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Apr-2018

هل تنسحب أميركا من سوريا؟ - حسن أبو هنية

 

 الراي - تعكس تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزمه سحب قوات بلاده من سوريا «قريباً جداً»، عن نهج أميركي جديد بات واضحا في التعامل مع المسائل السياسية الاستراتيجية الخارجية، وهو نهج يقوم على خلق حالة امن التشوش والارتباك والفوضى لدى الحلفاء والأصدقاء الأعداء، ودفعهم إلى اتخاذ قرارات أكثر راديكالية وأشد حسما بتحمل المسؤوليات وتقاسم الأعباء، فقد عمل ترمب منذ توليه سدة الرئاسة على تقديم نفسه كقائد استثنائي غير تقليدي قادر على اتخاذ قرارات صعبة وحاسمة وغير متوقعة، الأمر الذي خلق بعض الانطباعات الخاطئة أن البيت الأبيض في عهد ترمب في حالة حربٍ مع «الدولة العميقة»، لكن الحقيقة أن نظام الرئيس ترمب لا يعمل خارج إطار «الدولة العميقة» بل إنه يقوم بتحريك بعض عناصرها للهيمنة عليها ولتقويتها من أجل مهمة جديدة، فهو لا يعمل على قلب المؤسسة بل على تعزيزها وتقويتها لمواجهة أزمة أوسع تلوح أمام هذا النظام العميق العابر للحدود، فهو ليس على خلاف مع المجمع العسكري- الصناعي، فمعظم الأشخاص الذين عينهم ومستشاريه في مجال الدفاع هم جزء لا يتجزأ من هذا المجمع، وقد انصاع في كافة مسائل الأمن القومي لتوصيات المجمع، فترمب يمثل الأوليغاركية الأميركية الجديدة، وفلسفتها البراغماتية النيوليبرالية المعولمة الفجة.

النهج الأميركي الترمبي يضع العالم في هشاشة منفتحة على كافة التناقضات في عوالم الممكنات وقابل لسائر الاحتمالات والتوقعات، ففي الوقت الذي رفع فيه سقف التوقعات بمواجهة شاملة مع إيران وكبح نفوذها في المنطقة، ومحاصرة روسيا واستنزافها، وتقييد تركيا وتحجيمها، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بصورة مفاجئة دون مقدمات في 29 مارس 2018 خلال كلمة له أمام تجمع في ولاية أوهايو: «سوف نغادر سوريا قريباً، دع الآخرين يهتمون بها. وستكون هناك بالتأكيد دولة الخلافة كما يطلقون عليها. سوف نعود قريباً جداً إلى بلادنا حيث ننتمي»، وتابع «أنفقنا سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، هل تعلمون ما الذي حصلنا عليه لقاء ذلك؟ لا شيء»، متعهدًا بتركيز الإنفاق الأميركي في المستقبل على خلق وظائف وبناء بنية تحتية في بلده.
لا جدال أن الولايات المتحدة افتقرت إلى استراتيجية واضحة في سوريا، وعلى مدى أكثر من 7 سنوات على التدخل في الأزمة السورية تبدلت الأهداف الأميركية وتغيرت أولوياتها، ثم استقرت على هدف محدد بالقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، في أواخر عهد أوباما، وأضاف ترمب هدفا آخر تمثل بالحد من نفوذ إبران، ومن المعروف أنه لم يتحقق أي تقدم في الحد من النفوذ الإيراني، بل توسع وتمدد، كما أن إلحاق هزيمة نهائية بتنظيم «داعش» ضرب من الخيال، فعلى الرغم من أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قدرت أن تنظيم «داعش» فقد نحو 98 بالمئة من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، حذر مسؤولون عسكريون أميركيون من أن التنظيم قد يستعيد المناطق المحررة بسرعة ما لم يتم تحقيق الاستقرار فيها.
في هذا السياق هل يمكن أن تؤخذ تصريحات ترمب حول الانسحاب من سوريا على محمل الجد، أم أنها تقع في إطار سياسات ما بعد الحقيقة وعالم ما بعد الوقائع التي باتت سمة بارزة لأميركا ترمب لتحقيق المزيد من المكاسب وفق حسابات الكلفة/ المنفعة، فقد اعتدنا على هذه السياسة في قضايا دولية عديدة، فقد خاض ترمب العام الماضي جدلا مشابها بشأن ما إذا كان سيسحب قوات بلاده من أفغانستان ووافق في نهاية المطاف على الإبقاء عليها، لكن بعد أن تساءل مرارا عن السبب في استمرارها هناك، فأحدى المسائل التي باتت مألوفة في نهج ترمب والتي يختلف فيها عن سلفه أوباما هي ممارسة الضغوط والتهديدات والابتزازات على الدول الحليفة للولايات المتحدة، فقد مارس هوايته بالضغط على باكستان التي تعتبر أهم حلفاء واشنطن في ملف أفغانسنان، وقد عرض ترمب نهجا أكثر تشددا للسياسة الأميركية تجاه باكستان، وقال بأن باكستان «ستخسر كثيرا» إذا استمرت فى إيواء «إرهابيين»، وزعزعة أمن أفغانستان المجاورة، مشددا على أن هذا الوضع يجب أن يتغير «فورا».
أحد مفاتيح فهم سياسات ترمب أنه يدفع الجميع إلى الاعتقاد أنه لا يكترث بشيء، لكنه في الحقيقة يقوم بحسابات دقيقة لتحصيل أفضل الصفقات، حيث لا تقتصر سياسته على تصريحات وتغريدات، بل يتبعها بقرارات وإجراءات توحي بجديته التامة، حيث أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مستشاريه برغبته في انسحاب القوات الأميركية مبكرا من سوريا، وقال مسؤولون أميركيون مطلعون على الخطة إن من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الوطني اجتماعا في بداية هذا الأسبوع لبحث الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا، وأكد مسؤولان آخران في الإدارة الأميركية حسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، بأن ترمب أمر وزارة الخارجية بتجميد أكثر من 200 مليون دولار من الأموال المخصصة لجهود التعافي في سوريا مع قيام إدارته بإعادة تقييم دور واشنطن في الحرب الدائرة هناك منذ فترة طويلة، وكان ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي المُقال قد تعهد بتقديم هذا المبلغ خلال اجتماع للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في الكويت في فبراير الماضي.
تناولت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في افتتاحيتها الجمعة الماضية إعلان الرئيس دونالد ترمب قرب سحب قوات الولايات المتحدة من سوريا، واصفة تلك الفكرة بـ»السيئة»، وأكدت أنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها ترمب بقرارات مفاجئة لا تصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي، مُرجحة عدم إمكانية تنفيذ هذه الخطوة لأسباب واعتبارات عدة، فقرار ترمب كان مفاجئاً على ما يبدو لوزير الدفاع جيمس ماتيس، والقادة الأميركيين ومسؤولين كبار في وزراة الخارجية، فجميعهم كان يتحدث ويعمل على سياسة معكوسة تماماً خلال الأشهر الماضية، فوزير الدفاع قال في نوفمبر الماضي إن قوات بلاده لن تغادر سوريا الآن، «وسنحرص على وضع شروط الحل الدبلوماسي، دون الذهاب إلى الطريقة العسكرية»، والموقف ذاته أكدت عليه دانا وايت، المتحدث باسم البنتاغون، قبل ساعات من تصريح ترمب، يوم الخميس الماضي، وأشارت وايت إلى أن «القوات الأميركية ستعمل مع بقية الحلفاء (في سوريا) لتأمين واستقرار الأراضي المحررة، إضافة إلى العمل الدبلوماسي لحل النزاع هناك».
لا يمكن أخذ تصريحات ترمب بقرب الانسحاب على محمل الجد، وهو ما يعلمه الجميع، فحسب «الواشنطن بوست» «يمكن القول إن لدى المشاركين في الصراع في سوريا من إيران وروسيا وتركيا وإسرائيل، إضافة إلى نظام بشار الأسد، قناعة بأن ترمب لن يتمكن من تنفيذ هذه الخطوة»، كما أن وجود القوات الأميركية في المناطق السورية الغنية بالنفط التي تسيطر عليها حالياً القوات الكردية المدعومة أميركياً، لا يؤشر على قرب انسحاب واشنطن، «لكن الوجود الأميركي لا يؤشر أيضاً على أن هناك رغبة أميركية لدفع مسار الحل السياسي في سوريا»، فالقوات الأميركية في سوريا يجب أن تبقى، برأي الصحيفة، فتنظيم الدولة ما زال يسيطر على عدة جيوب ومناطق، كما أن ترمب يعلم أن إعلانه هذا سينعش الآمال الروسية والإيرانية لدفع الولايات المتحدة إلى الخروج من سوريا، حتى تتمكنا من ترسيخ قواعدهما العسكرية ونفوذهما السياسي، فضلاً عن أن قرار الانسحاب من سوريا الآن، بحسب الصحيفة، سيشكل تهديداً لـ»إسرائيل»، ويدمر نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
إن سياسة ما بعد الحقيقة تؤشر على أن ترمب يبحث عن مكاسب إضافية، ومزيد من ابتزاز الحلفاء، فقد كشفت صحيفة «الواشنطن بوست» في وقت سابق عن مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، نهاية العام الماضي، بدفع أربعة مليارات دولار؛ لتأمين خروج القوات الأميركية من سوريا، ويشير التقرير إلى أن البيت الأبيض «يريد الأموال من السعودية ودول أخرى؛ للعمل على إعادة الإعمار وترسيخ الاستقرار في المناطق التي تمكنت القوات الأميركية وحلفاؤها المحليون من استعادتها من تنظيم الدولة في سوريا»، وقد طالب الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع السعودي، بعدم انسحاب الوحدات الأميركية من سوريا، وذلك فى مقابلة مع مجلة «تايم» الأميركية، نشرت عقب تصريحات ترمب، حيث قال ولى العهد:» نعتقد أن على القوات الأميريية أن تبقى فى سوريا على الأقل على المدى المتوسط، إن لم يكن حتى على المدى البعيد»، مذكرا بالنفوذ الإيراني والهلال الشيعي.
خلاصة القول أن تصريحات ترمب حول قرب الانسحاب من سوريا لا يمكن أخذها على محمل الجد، وتقع في سياق السياسة الأميركية الجديدة في عهد ترمب، والتي تقوم على خلق حالة من التشوش، وتدفع باتجاه ممارسة مزيد من الضغوط على الحلفاء لتحمل المسؤوليات والأعباء، وتقليل كلفة التدخلات الأميركية، ذلك أن كلفة الانسحاب الأميركي من سوريا تتفوق على حسابات المنفعة.