الرأي - "الجونة" – ناجح حسن

 

جملة من الاشتغالات السينمائية المتنوعة، اختارها بدقة القائمون على مهرجان "الجونة" السينمائي، الذي ينهي فعالياته الليلة على ساحل البحر الاحمر، لامست بشغف واحساس انساني الكثير من اسئلة الحرب والتطرف والعزلة ولوعة الفقدان وعناء الهجرة ودواخل الذات البشرية.

 

وتناول الفيلم الروائي الطويل"يوم الدين" الذي ينافس بقوة على جائزة المهرجان الكبرى، حكاية مريض سابق بالجذام يقرر البحث عن جذوره والعودة لأسرته التي تركته داخل مستشفى مخصص لمرضى الجذام في بيئة نائية ليبدأ في رحلة طويلة صعبة يلتقي فيها مع نماذج من الناس تتيح له ان يواصل حياته بسعادة رغم آلام معاناة الفقر والقسوة والعزلة، برع المخرج ابو بكر شوقي في تصويرها على الشاشة باسلوبية "الرود – موفي" او افلام الطريق، مستعينا باناس من الواقع هم في اطلالتهم الاولى على الكاميرا السينمائية .

 

وعاين المخرج الجزائري المخضرم مرزاق علواش في احدث انجازاته الروائية "ريح ربّاني" حكايته في بيئة نائية عن المدينة الكبيرة التي يجد فيها شاب وامرأة ميدانا للقيام بعمل ارهابي على خلفية تطرف ديني، الا ان الفيلم ظل محكوما باسلوبية عادية تفتقر الى بلاغة وفطنة المنحى السينمائي الذي طالما اتسمت به اعمال المخرج، عدا عن ضعف اداء شخوصه في التعبير عن مكنون دواخلهم.

 

ودارت احداث فيلم "سعيد مثل الزارو" للمخرج أليتشه رورفاكر، حول شاب طيب يلتقي مع شخص اخر يطلب مساعدته في التخطيط لعملية خط، لكنه عمل يظل قاصرا عن ابعاد الفيلم النرويجي "أوتيا 22 تموز" إخراج إريك بوب، الذي يسرد حادثة عنف حقيقية العام 2011، جرى فيها هجوم ارهابي ذهب ضحيته العشرات من الشباب والفتيان كانوا في مخيم صيفي خارج العاصمة أوسلو.

 

وعلى نحو لافت ومميز، حضر الفيلم الياباني "سارقو المتاجر" للمخرج هيروكازو كوريه، وهو الفيلم الحائز على جائزة مهرجان "كان" السينمائي الكبرى، قويا بنصه البديع التي من واقع صعب وقاسي تعيشه مجموعة من الافراد هم اشبه بعائلة، يحصلون على قوتهم اليومي من خلال سرقات المراكز التجارية ويحدث في إحدى السرقات ان يصادفان فتاة صغيرة مشردة يأويانها لديهم لتمارس معهم السرقات البسيطة للمتاجر، الى ان يصدف القبض عليهم في احدى السرقات ويجري الكشف عن الظروف التي قادت هذه الجماعة الى فعل السرقة والتشرد.

 

عالج الفيلم موضوعه باسلوبية جمالية تتوخى تلك القامات الرفيعة التي قدمتها تيارات الفن السابع في محاكاة الواقع حيث تتوغل الكاميرا الى دواخل الشخصيات بسلاسة وشفافية مصحوبة بذلك الاداء البديع للطاقم التمثيلي سواء من الكبار و الصغار على السواء.

 

ومن فرنسا قدم المخرج جون بول سي براك فيلمه الروائي الطويل المعنون "تعليم باريسي" عن حكاية تتمحور حول الشغف في السينما من خلال طالب ياتي الى باريس لدراسة الفن السينمائي في جامعة السوربون، واثناء فترة دراسته يكتشف مناخات عذبة تدفعه الى المضي قدما في خوض عالم صناعة الافلام بعد ان اضحى صاحب تجارب في رؤيته للامور التي تنهض على قواعد الزمالة والصداقة والحب .

 

تطول قائمة الافلام المشاركة ضمن فعاليات الدورة الثامية لمهرجان الجونة السينمائي والتي توزعت بين افلام المسابقة الرسمية وخارج المسابقة او عبر ركن التكريم والاحتفاء بعلامات سينمائية ما زالت عالقة في ذاكرة عشاق الفن السابع، فضلا عن تلك الملتقيات والندوات التي ناقشت تطلعات وهموم اكثر من جيل من صناع الافلام والتي دارت حول قواعد وانظمة تمويل الافلام وتوزيعها او حول تمكين المرأة من العمل السينمائي، كما سلط المخرج المصري داود عبد السيد الضوء على مسيرته المديدة في صناعة الافلام .