Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Apr-2018

الوعي لمفاهيم جديدة تجتاحنا عنوة! - د. آية عبداالله الأسمر

الراي - اليوم في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات أصبحت وسائل الإعلام المختلفة تتبوأ مركز الصدارة في نقل المعلومة وتناقلها، وأضحت الشبكة العنكبوتية تضم في قبضتها العالم بأسره، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي تجمع على ضفافها الزجاجية أشواق الأحبة ولقاءات الأغراب، لم يعد الجمهور العربي شعبا قارئا للكتب والصحف والمجلات، لم نعد معنيين بثورات التاريخ أو تضاريس الجغرافيا، ففي الهواتف الذكية منابع الأدب ومناهل العلم وواحات الترفيه وجذور التاريخ ومعالم الجغرافيا وليس في أمهات الكتب ولا في بطونها، لم نعد نكتفي بمطالعة الصحف اليومية لاستقاء الأخبار ومتابعة المستجدات، بل أصبحنا نمضي الساعات في تقليب المحطات والقنوات الإخبارية، للاطلاع على التحاليل المختلفة للأحداث، والتعرف على وجهات النظر المغايرة إزاء القضايا المختلفة.

بناء عليه يعد الإعلام اليوم بكافة أشكاله وأجزائه هو السلاح الأقوى اجتماعيا وثقافيا وفكريا وسياسيا،
تستخدمه الدول الكبرى والصغرى في حروبها النفسية والمعنوية، يستخدمه السياسيون في استمالة الشعوب وتوجيهها، يستخدمه الاقتصاديون في الترويج لمنتجاتهم، يستخدمه القادة لتجميع الجماهير حولهم، ويستخدمه أصحاب الفكر والرأي والحزبيين لنوجيه الرأي العام باتجاه أيديولوجياتهم التي يتبنونها، بل إن المهنيين ورجال الأعمال يستخدمونه لصالح أعمالهم وتنمية أرباحهم.
يجب علينا هنا أن نكون مدركين للبروباغاندا الإعلامية المضللة التي قد يلجأ إليها البعض في محاولة اجتزاء المعلومة، أو خلط البيانات، أو تسريب معلومات منقوصة أو خاطئة، لتمرير أجندات معينة، كما يتحتم علينا أن نعي خطورة الديماغوجية السياسية التي تتلاعب بالعواطف وتتحايل على الحقائق في سبيل تضليل الرأي العام.
لم يعد دور الإعلام مقتصرا على نقل المعلومة وتناقلها بل هو قادر على التلاعب بها وتحويرها وخلقها
وطمسها، وأصبح العالم بأسره مستباحا للعالم بأسره وخباياه مكشوفة وأسراره مشاعة في متناول
الجميع، حتى مشاعر الحب والكراهية الاجتماعية والسياسية مشاعا سافرا مراق الدماء على شاشات التواصل الاجتماعي، حتى أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرا على توجيه الأفراد وحدس أذواقهم ومعرفة خياراتهم وتوقع اختياراتهم وتبني تصنيفاتهم! هذه المفاهيم «البروباغاندا، الديماغوجية، الذكاء الاصطناعي» جميعها من شانها أن تلعب دورا محوريا وخطيرا على الصعيد الفردي من حيث كشف النقاب عن جزئيات وتفاصيل حياة الأفراد، وعلى الصعيد الشعبي من حيث أسر الشعوب ضمن منظومة معلوماتية معدة له سلفا يتم تعليبه فيها بشكل ممنهج ومدروس، وعلى الصعيد السياسي الاقتصادي الدولي من حيث إدارة العالم من خلف الأبواب المغلقة والتحكم في مصائر الشعوب باستخدام هذه الأداة الفتاكة.
هنا يتم استغلال واستثمار هذه المفاهيم إما لأغراض ترويجية وتحقيق مكتسبات شخصية أو إنجازات وهمية أو أرباح مادية أو أصوات انتخابية أو مكاسب جماهيرية على مستوى الأقراد والأحزاب على سبيل المثال، وإما لتهيئة اللاوعي الجمعي لاستقبال مفاهيم أو قضايا جديدة وطارئة في الغالب هي مفاهيم وقضايا كارثية يتوجب تمربرها شعبيا، ومن الممكن أن تسعى بشكل مقصود للانحراف عن حقائق أكثر أهمية وصرف النظر عن ملفات أشد خطورة.
أمام هذا الأخطبوط الإعلامي الممتد في مفاصل حياتنا ابتداء من رغيف الخبز مرورا ببناء شخصية أبنائنا وصولا إلى مستقبل الأوطان ومصير الأمة، الحل الأمثل هو تنمية الوعي لكل ما يحيط بنا ويحاك لنا، ونشر ثقافة التقصي والاستقصاء في تناول المعلومات وتفنيدها وتحليلها، والتروي في الحكم والبحث في الأصول، كذلك قراءة التاريخ بتمعن، وتتبع المصدر وتقصي الأصول وربط الأحداث وإعمال الفكر وتحكيم العقل والاستعانة بالحكمة، نحن بحاجة إلى الاستزادة من أساليب البحث العلمي، ودراسة طرقها ومعرفة أساليبها، حتى نتخذها نهجا في تعاطينا مع العالم حولنا ومع أخباره، قبل أن نصدر أحكامنا جزافا، كي نتمكن من تمييز الحقيقة عن الشائعة، واستيضاح الغث من السمين، وتبيان السم من العسل، وقراءة الكلمات والرسائل غير المكتوبة، وإدراك الأهداف غير المعلنة، فنرسم طريقنا نحن عوضا عن الخارطة المعدة لنا مسبقا.
اليوم لم تعد الكتب تكتب في مصر وتطبع في بيروت وتقرأ في العراق، اليوم نحن لم نعد نكتب أو نطبع او نقرأ، نحن فقط نتلقى ونستقبل ونتلقن، نحن اليوم مجتمعات استهلاكية حتى في ثقافتنا وأفكارنا ومعلوماتنا ومفاهيمنا وقيمنا، حتى مفرداتنا اللغوية ووجباتنا المفضلة وملابسنا اليومية، وعطورنا ومعايير الجمال بل وأذواقنا، كل تفاصيل حياتنا الدقيقة ومظاهرها المستوردة.
في هذا النفق المنزلق بنا نحو أزمة هوية محققة كان لابد لي من هذه الوقفة وهذه الإضاءة.