Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-May-2019

قراءة في «المشهد الذي لا يكتمل» للقاص الراحل عدي مدانات

 الدستور-محمد المشايخ

عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان، صدرت مؤخرا مجموعة قصصية جديدة للقاص والروائي الأردني الراحل عدي مدانات، الذي يعتبر فيلسوف القصة العربية ومهندسها، والذي تكتنز قصصه بحمولة فكرية ترمي إلى إصلاح المجتمع وإعادة تنظيم العلاقات بين افراده، وتحقيق الصداقة بين الأفراد والشعوب، بما يضمن السلامة والأمان للجميع، مؤكدا على ضرورة تحقيق التكامل بين الرجل والمرأة، وتجاوز أي إشكالات تؤدي للتأثير السلبي على علاقتهما الإنسانية، ورغم انه رجل، إلا انه انتصر للنساء المُحبـَطات، والمظلومات، واللواتي يعانين من سلبية الرجل وتقصيره، وأولى المرأة وما يليق بها «وبجسدها وروحها وعقلها وكل قضاياها «من اهتمام.
وعدي، الذي كان شغوفا بالحياة، صاحب المثل الانسانية الراقية، بث في قصصه كل ما يبعث على الجمال ويعزز وجوده بين البشر، ولئن كان من ابرز كتاب القصص ذات النهايات المفتوحة، والتي تجعل من القارئ شريكا له في التفكير في كيفية انهائها،  فإنه لم يكن يسمح لأحداثه أن تمر دون تقليبها على أوجهها المختلفة، ومواكبة كل الاحتمالات المتعلقة بها، مبرزا حتى ما ورائيات التأويل، وباثا عبر خيوطه القصصية - التي أجاد تسييرها دون أن ينسى اية تفاصيل ولو كانت صغيرة حتى يصل إلى الذروة ومن ثم النهاية – أفكاره ومواقفه الوطنية والانسانية باعتباره القانوني والمـُسيّس ومن ابرز العاملين في الشأن العام، وصاحب الراداد الاجتماعي الذي يرصد كل المخالفات التي يقع بها البشر في اثناء مسيرتهم الحياتية المستعجلة، ولم تكن قصصه تخلو من مفاجآت وصـُدف، ولكنه، وقد الـّف كتابا عن القصة، كان يجيد سبك وحبك كلماته بدقة وإتقان، وإن حدث ما يعترض درب السرد لديه، فقد كان يشعل نار الحكاية، ويصطدم مع الأقانيم الثلاثة، مبرزا عبر الزمان والمكان أوجاع أمته التي يلتزم بهمومها.
وعدي الذي كان يوصل قراءه البحر ويعيدهم عطاشى، لم يكن يسمح لسرده أن يسقط في المباشرة، فكان يمارس «اللف والدوران الفني» قبل أن يجعل قراءه يفهمون ما ورائياته، وقبل أن يصلوا إلى مغزاه العميق، وأعتقد أن قصته(ليلى والقمر) من أهم القصص العالمية التي كتبها عدي، إذ ألبس بطلتها قلادة من النجوم، وأجرى حوارا بينها وبين القمر، وجعل إشعاعات الكون المضيئة حول عنقها، تشعل درب التنوير والمعرفة في الأرض.
لجأ مدانات في مجموعته للميتا قص، وهو القص الذي يجعل من نفسه موضوع حكيه، فكان بعض ابطاله ساردين ضمنيين، مثلما هم ابطال ضمنيون، وكان عدي واقعيا، والسارد تخييليا، حتى إنه قال لبطل قصة «فسحة حوار»: أنت الشخصية الرئيسية، وما يشغلني هو حياتك، وليس الكتابة عنك».
القاص والروائي عدي مدانات نسيج وحده، متميز، لم يتأثر بأحد غيره من المبدعين العرب، كتب السرد وفي أعماقه كتابة المشاهد السينمائية والصور البصرية التي تتغلغل إلى أعماق النفس البشرية، ضمن القصة السيكولوجية التي أتقنها، وجعل من نفسه في بعض القصص طبيبا نفسيا يـُشخص حال الأمة، ويرسم معالم مشروعها النهضوي.