Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2020

عن فكرة العدالة والإنصاف*د.نهلا عبدالقادر المومني

 الغد

قبل أكثر من ألفي عام (384 – 322 ق.م) وعلى هذه الأرض، سطّر فيلسوف البشرية أرسطو مبدأ قانونيًا يحكم مسار التشريع وغاياته، مفاده أنّ القوانين هي تعبير عن العدالة والإنصاف. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه العبارة (العدالة والإنصاف)، تتردد في التشريعات المختلفة وما تبعها من أنظمة وتعليمات، وأمست الشغل الشاغل لفقهاء القانون ومريديه.
بالرغم من أنّ هذه الفكرة وهذا المبدأ هو جوهر القانون وغايته ومبتغاه، وأحد المصادر الأساسية التي أسهمت في بناء القاعدة القانونية، وبالرغم من أن البشرية خاضت نضالات عديدة وتضيحات كبيرة للوصول إلى ضفاف العدالة والإنصاف في التشريعات والسياسات والإجراءات والممارسات المتبعة من قبل الدول والسلطات، إلا أنّ هذا المبدأ ومعطياته والسمو نحو تطبيق روحه ومضمونه ما يزال بعيدًا في العديد من الحالات.
ونتيجة هذه الإشكاليات في التطبيق، ذهب البعض إلى أنّ الجدل حول هذه الفكرة يقود حتما إلى طريق مسدود، نظرًا لكونها فكرة غير قابلة للتحديد بسبب ما تتصف به من مرونة وغموض، تخرج عن قواعد التعريف والقدرة على وضع الأسس والمعايير التي تحكمها.
في السياق التاريخي، كان القاضي (البريتو) عند الرومان يستنجد بفكرة الإنصاف والعدالة من أجل تحرير النصوص القانونية من رتابتها وحرفيتها وجمودها عند تطبيق القانون، وبخاصة عند تطبيق قانون الألواح الاثني عشر وذلك حتى تكون القرارات المتخذة استنادًا له أكثر عدلًا وإنسانية. وقد يكون التشريع الروماني عمومًا صاحب الفضل عندما منح القضاء صلاحيات استثنائية في تفسير النصوص وفي بعض الحالات إهمالها إذا تبين له أنها لا تتلاءم مع مبادئ العدالة والإنصاف، وإن كانت هذه الفكرة تمّ إساءة استخدامها في العديد من الحالات، إلا أنّ هذا النهج ترك أثرًا عميقًا في التشريعات الحديثة وفي إعطاء مبادئ العدالة والإنصاف حيزا في التشريع تحسبًا لجمود النصوص وصرامتها وغموضها أحيانًا.
من المؤلفات المهمة التي تناولت هذه الفكرة في سياقات قانونية واجتماعية وفلسفية ضاربة في العمق، كتاب “مبادئ العدالة والإنصاف، أصول الفكرة وتجلياتها في الحقلين الإنساني والقانونيّ”، لمؤلفه القاضي اللبناني عدنان نعمه الذي أشار إلى مسألة تتسم بالعمق والأصالة بأنّ فكرة الإنصاف والعدالة كامنة في الذات الإنسانية، وهي تشكل الإرادة المتحركة لإيصال الحق إلى صاحبه، ولا يمكن بأي حال فصل العدالة والإنصاف عن الأخلاق؛ ذلك أنّ العدل وعاء أخلاقي. ولربما من أوضح ما تظهر خلاله تجليات مبادئ العدالة والإنصاف في التطبيق العملي عندما يجد من يطبق القانون ذاته أمام غموض في النصوص القانونية وأحيانا عدم كفايتها للوصول إلى الحقيقة أو جمودها أمام المعطيات الراهنة أو وجود مصالح متضاربة تقتضي ترجيح واحدة على أخرى.
الحديث حول مبادئ العدالة والإنصاف وهي التي تنطوي على جوانب أخلاقية وقانونية وفلسفية يطول، ولكن الثابت أنّ هذه الفكرة بالفعل كامنة في الذات الإنسانية وبصورة فطرية، وأنّ العديد من التشريعات التي نراها في التطبيق والممارسة تحتاج إلى قراءة ومقاربة تقوم على نهج العدالة والإنصاف وصولًا لمجتمعات تؤمن بأن سيادة القانون والحق مصلحة تعلو وغاية سامية فيها نهضة وتطور وأمن للمجتمع وأفراده.