Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Mar-2020

ثقافة ما بعد الكورنة

 الدستور-نايف النوايسة

 
هل أعاد فيروس الكورونا هندسة العالم؟
 
أو بلغة ثقافية هل يُعيد هذا الفيروس إنتاج البشرية من جديد، بعد مرحلة التوحش بكل إداراتها المتجبرة، ومرحلة الرعب التي أنتجت الظَلَمةَ ووكلاءهم في العالم؟
 
هذا الفيروس أصبح أقرب للواحد أيّ كان لأقرب من حبل الوريد، ألغى الحدود وطوى الأوراق الملونة للترف والثراء وغيّب الأنوات الخاصة وغدا التكافل الحميم بين الجماعات البشرية أنسب المتاريس لمواجهته مع  ضرورة التباعد الجسمي، كل بدلاً من التموضع المُركّب على الشحناء وإلغاء الآخر وتصفيته.
 
ضاق الواقع علينا كلما اقترب الفيروس منا، حتى ألفى الإنسان بلا واقع، فجنح المبدعون وأصحاب البصيرة إلى الاستشراف، واعتلاء أجنحة الثقة على كفّ الحياة إلى ما وراء هذا العدو الذي لا يرحم ولا يهادن، نعم المثقف وحده هو من يُواجه الحصار الكوروني بإبداعاته الاستثنائية، هنا، أبوسع المثقف أن يحوّل مصيدة القلق من انتظار للموت إلى فتح آفاق جديدة من الأمل بحياة ممكنة؟ هل يهرب إلى الأمام طالما أن ما خلفه أصبح يباباً؟ وأمام هذا الواقع الذي ضاق، اهتزت قواعد لمفاهيم نظنها استقرت، ومعايير استحكمت، ودول وكيانات مللنا وجودها ولا ندري كيف ستنزاح وتغرب أثقالها.. إنه عصر جديد فتح لنا أبوابه هذا الفيروس (ما بعد الكورنة)، ولعلكم تعرفون الحداثة وما بعدها والعولمة وما بعده، وهذه المرحلة تَجُبُّ ما قبلها.
 
ليتساءل كل مبدع الآن، أي هزّة أصابت الذهن البشري من مخلوق لا يُرى بالعين المجردة من مخلوقات الله القدير؟ فكيف نكتب القصيدة والنص السردي والمقالة والموت المتربص فوق كل هامة، كيف يكتب والمسافة بينه وبين الهاوية قد قصرت؟
 
أقول وهو ما أراه  إن الكتابة زمن القلق هي أصدق الكتابات.
 
ورحلة الاستشراف لغد جديد في مثل هذه المرحلة هي أقرب للشهادة، هي الغوص الخطر في لجج البحر للتقاط محارة الحياة كعشبة جلجامش. 
 
ما بعد الكورنة، ستكون هناك إبداعات ذات طعم خاص، ولون متفرد، لأن مبدعها إنآ بقي حياً سيكون قد وُلد من جديد من رحم الملحمة، 
 
لننظر إلى المستقبل متسلحين بإيماننا بالله، وبرغبتنا بالحياة التي ابتلانا بأعبائها، وبالعيش المبرّأ من الزيف والعبث، والتعامل مع فيروس الكورونا على أنه الثانية قيل الأخيرة من نهاية العالم، فماذا نعمل بها؟
 
هي فرصة ليوظّف الإنسان عقله بالمستوى الذي أراده الله ليكون نِعم المستخلف، ويتلمس دفء قلبه ليرسّخ في كلماته المعاني الحقيقية للحياة، ويضع حريته سقفاً حامياً لصنع الحياة المعقولة لكل البشر نظيفة من الكراهية والعبث والأنانية.