Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Apr-2020

صناعة الزيف من أجل البقاء

 الدستور-أحمد بشير العيلة

لا تجيد البشرية إصحاح نفسها من الأدران الاجتماعية الكبرى عبر التاريخ، لهذا فإن الأخطاء الكبرى تتكرر عبر العصور حتى لو كان لها حلولٌ ومعالجات، ودوماً يقع البشر في الأخطاء الجسيمة منها المتعلقة بالفرد، أو بالجموع، على الرغم من نمو خط تطويري مذهل هو النشاط العلمي ومنطقيته المستحوذة على التقدير الهائل كون نتائجها دوماً صائبة وفق منظومة سببية دقيقة، لكن الواضح من الأخطاء البشرية الكبرى والمتكررة، أن للنشاط العلمي نمواً في اتجاهٍ واحد تصاعدى إلى الأعلى؛ أعلى من ميل الجموع إلى الوهم، ولم يمتلك النشاط العلمي المقدرة على امتلاك العقول في جميع الأبعاد أفقياً ورأسياً؛ ومازالت الأخطاء الكبرى التي تحمل بصمات العصور المظلمة تسيطر على التفكير الجمعي، وهذا يجعلنا نسأل: هل الأفعال الجمعية في عصرٍ من العصور تمتلك صفات جينية تنتقل من جيلٍ لآخر، بمعنى آخر؛ هل تمتلك ثقافة معينة صفة الانتقال الجيني، ربما نناقش ذلك لاحقاً حول علاقة الثقافة بالجينات..
 
السلوك البشري لا يمكنه أن يعمل في منطقة مقدسة:
 
لعل الأخطاء الكبرى للبشرية القابلة للتكرار والإعادة عبر العصور، تجعلنا نفكر لماذا يفعل البشر ذلك على الرغم من معرفتهم أنها ليست الحقيقة، وأن الأخطاء الواقعة والمتكررة ما هي إلا وهم، وهم يصلون إلى درجة الاعتقاد بالوهم، بل عبادة الوهم، وقد لاحظنا في الصدامات الكبيرة والأحداث الجسيمة كيف تميل الجموع إلى منظومة الوهم: صناعة الوهم ونشره والاعتقاد به، بل لماذا تنتشر صناعة الزيف في الأزمات على الرغم من أن العقل البشري وصل إلى الوعي الكافي برفض كل ما هو زائف وكاذب؟ إن هذا يدل وبلا شك أن السلوك البشري لايزال متخبطاً بين الواقع والخيال، بين المنطق والوهم، بين الحقيقة والكذب، وأن السلوك البشري لا يمكنه أن يعمل في منطقة مقدسة تسمى (التفكير العلمي) بل هو أداء تفاعلى يعمل ضمن خليطٍ عجيبٍ بين العلم والجهل والظلام والنور، وأرجع وأقول خاصة في الأزمات الكبرى التي تجد البشرية فيه نفسها على مشارف الهلاك، فالعلم تفكيراً وإنتاجاً ووعياً يصبح مجرد ذراع لآلة كبرى تصنع الوهم من أجل البقاء.
 
حين تصطدم الأرض بالفناء
 
هنا يجب أن نفرق بين تزوير الحقائق التاريخية من أجل إطعام وحش الأيدولوجيا، وصناعة التزوير من أجل البقاء، أو إدعاء ذلك، حيث يكون الكذب والزيف وسائل مزعومة من أجل البحث عن طمأنينة ما ولو كانت في المجهول، أتكلم هنا عن الفزع الجمعي الذي ترى البشرية فيه أنها على مقربة من نهايتها، حين تصطدم الأرض بالفناء، كالساعات التي نعيشها اليوم في تهديدٍ للوجود البشري من فيروس متطور جينياً، هنا؛ هل تنتهي قداسة العلم في في الوقت الذي يجب الدفع به في الخندق الأمامي ليكون مدافعاً شرساً عن البشرية، هل من المسموح وجدانياً إنتاج حالات تزييفٍ في الحقائق التاريخية والعلمية من أجل تهدئة النفس الجمعية، هل الوهم والتعلق بالخرافات والأكاذيب ظلٌ ظليل للحماية من وهج الكارثة؟!
 
لماذا نتعامل بسعادة مع الأكاذيب؟
 
شهدنا وتابعنا الكثير من الوثائق المزيفة بأسماء وهمية وتواريخ قديمة تجتمع على أن ما يحدث من كوارث أشياء متوقعة بل ومدونة في كتب التاريخ بتنبؤٍ دقيق، وكأن وقتنا الحالي كان مكشوفاً على علماء وهميين امتلكوا صفة العلم بالغيب...
 
يعلم كل قارئ لهذا النوع من المنتجات التزويرية أن هذا كذب، ولكنه يرضاه، بل ويساعد على نشره، يقول علماء النفس المختصين بالكذب الجمعي:
 
(في الحقيقة ، الكل يكذب) بل يقدر الباحثون أن معظم الناس يكذبون مرة أو مرتين في اليوم، وأن «الكذابين غزيري الإنتاج» وينتجون خمسة أكاذيب أو أكثر في اليوم من أجل حضور الشخصية، ولو عن طريقٍ خاطيء.
 
وهذا يقودني إلى السؤال: لماذا يكذب الناس؟ وهو سؤالٌ شائك، لايزال مادة غنية للبحث؛ كما يقول الكاتب والكوميدي البريطاني داني والاس(Danny Wallace) ، بل يقول في مقالة له بعنوان (لماذا نصدق الناس عندما يعرف دماغنا أنهم يكذبون) في مجلة تشكيل (froge) البريطانية المهتمة باستثمار الإبداع: «الحقيقة رقم واحد في الكذب: الكذب عمل تعاوني». ولكن ربما السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: كيف نتعامل بسعادة وغافلين في الوقت نفسه عن كل ذلك الكذب الذي نتعرض له؟ فهناك العشرات من القرائن التي تعمل معها أدمغتنا عندما يكذب الناس، لتنبهنا أنه كذب. فلماذا الرضا عمّا هو كذب؟
 
تشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من الذكاء العاطفي هم في الواقع أكثر عرضة لتصديق الأكاذيب التي يتم إخبارهم بها. أشارت دراسة أجريت عام 2012 إلى أن الأشخاص الأذكياء عاطفيًا يميلون إلى تسجيل درجات عالية في «التوافق»، لذا «قد يكونون متعاطفين بشكل مفرط أو حتى ساذج، وقد يؤثر ذلك على قدرتهم على اكتشاف الخداع». ونمو الشعور بالثقة يتولد من الاعتقاد الأساسي لديك بأن الناس صادقون. مع ذلك ، لا أحد يريد أن يكون ساذجًا، ولتجنب استيلاء الكذب على التفكير هناك أشياء يمكنك البحث عنها بنشاط لمساعدة دماغك على تجاهل غرائزه اللطيفة في التقاط الكذب.
 
في كتابه (إخبار الأكاذيب) Telling Lies ، يقول عالم النفس بول إيكمان (1934-.....) الرائد في دراسة العواطف وعلاقتها بتعابير الوجه وواضع «أطلس العواطف» المحتوي على عشرة آلاف تعبيرًا للوجه؛ إن البشر يميلون إلى الرغبة في تصديق شخص آخر، بغض النظر عما يقولونه، خاصة إذا كان هذا الشخص مهمًا إلى حد ما بالنسبة لنا: شريكًا. أو أو مسؤولاً أو حتى طفلاً، وهذا الميول طريقة لتأخير أو تجاهل (ألم الوحي الرهيب): أن هذا الشخص ، الموثوق به للغاية ، قد يشرع في خداعنا. ويقول الطبيب النفسي F. Diane Barth ، نحن نقرر أن نصدق الكذاب من إحساسنا بضبط النفس ورغبة في تجنب عواقب الكذب. هذا اللطف ربما يجعلنا أغبياء.
 
ويقول باحثو علم النفس إن الله أنعم علينا بالقدرة الدقيقة على اكتشاف الكذب وكل ما هناك أن علينا تدريب أنفسنا على اكتشاف الأكاذيب.
 
المعرّف مسبقاً يخفف من هول المجهول
 
ولكن هل يمكن للسلوك الجمعي أن يدرب نفسه على اكتشاف الأكاذيب وتوقيفها في الأحداث الفاجعية الكبرى، بل ولماذا نلجأ إلى الأكاذيب، لم أجد بعد دراسات عن الكذب وقت التهديد العام للبشرية، إنما محصلة الدراسات والخبرات حول طبيعة البشر، أن الكذب (المُعاقب عنه إلهياً) هو وسيلة موهومة من أجل البقاء، فما إن يَنشر مجهولٌ ما كتاباً مزوراً مثل (أخبار الزمان) لشخصية وهمية مثل (ابن سالوقيه) بإخبارٍ مدعٍ عن زمننا هذا 2020، أو أن عالم الفيزياء فلان المتحصل على جائزة نوبل أنه قال في كتاب كذ، أن خطأً بيولوجياً سيقتل في العام 2020 مليون نسمة، وما شابه ذلك من التصاعد الأسي لانتشار أخبار نهاية الزمان، لهو مبعث اطمئنان أنَّ ما يحدث هو معروفٌ مسبقاً، وما هو معروف يخفف من وطأة ما هو مجهول حتى كذباً.