Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Jan-2018

تغيير وجه لبنان الحضاري* سوسن مهنا

تغيير وجه لبنان الحضاري* سوسن مهنا

العربية نت -

لم يكن لبنان دولة يوماً ولن يكون، ارتاح زعماء الطوائف وأمراء الحرب الأهلية إلى هذا البلد، فهم من خلال تواطؤهم الضمني ضد المصلحة الوطنية ضمنوا لنفسهم البقاء على كراسيهم طوال ثلاثين عاماً من بعد اتفاق الطائف، تعاونوا مع السوري في الفساد الحاصل اليوم، وهم يساعدوا الآن حزب الله في ما وصل إليه البلد من تردٍ وقمع للحريات العامة وتدهور في حال القضاء.
 
لا يريد السيد حسن نصر الله أن يعرض فيلم ستيفن سبيلبرغ الأخير The Post في صالات العرض اللبنانية، حتى بعد أن وقّع وزير الداخلية نهاد المشنوق قرار السماح بعرض الفيلم، بعد اطلاعه على قرار لجنة المراقبة التي أوصت بمنعه، يقول السيد: "لا يوجد أحد ضد الفن ولا أحد يقول لكم أقفلوا السينما ولا أحد يقول لكم لا تذهبوا إلى السينما، لا أبداً لا أحد داخل أصلاً في هذا الموضوع، لكن تحت عنوان الفن وتحت عنوان السينما وتحت عنوان السياحة تعمل تطبيع مع إسرائيل هذا خلاف التزام الدولة اللبنانية"، على المواطن اللبناني أن يفرح سمح السيد له الذهاب إلى السينما إلى الآن، لكن استدرك السيد وتوجه بشكل مبطن الى وزير الداخلية قائلاً: "نحن نرفض هذا القرار ونعتبره قرارا خاطئاً، ولا أريد أن أقول أكثر من هذا الآن، هذا خطأ".
 
الفيلم كان أثار بلبلة منذ دخل إلى لبنان بحجة أن مخرجه يدعم إسرائيل وقدم لها مساعدة إبان حربها مع لبنان عام 2006 بقيمة مليون دولار، لكن منذ 2006 إلى اليوم مر على شاشات السينما اللبنانية خمسة أفلام للمخرج نفسه ولم تثأر هذه الضجة، ما يدفع إلى التساؤل لما هذه الحملة الآن ولما هذه الحمقة على هذا الفيلم هل لأن ما وراء الأكمة ما وراءها؟ قد يكون محتوى الفيلم الذي يتحدث عن الفساد السياسي وحرية الصحافة هذا ما أثار حفيظة الممانعين، وهو ما يحصل الآن تماما في لبنان، ولكن للأسف في لبنان قبل أن يعرض الفيلم في دور السينما يقرصن ويباع على الأرصفة بأسعار زهيدة فمنعه لا يجدي.
 
على المقلب الآخر يترشح فيلم المخرج العالمي زياد الدويري قضية رقم 23 لجائزة "اوسكار" لكن السيد حسن يرى فيه "مُطبعاً"، "مثلاً مخرج لبناني يذهب إلى فلسطين المحتلة وإلى السفارة الإسرائيلية ليأخذ فيزا ويدخل ويخرج ويبقى أشهراً ويصور فيلماً هناك وهذا ليس تطبيع"، هذا ما جاء على لسانه في خطابه الأخير.
 
السؤال الذي يطرح نفسه اذا كان السيد حريصاً على مقاطعة داعمي إسرائيل مادياً، ماذا عن الشركات العملاقة التي ترسل مليارات الدولارات سنوياً إلى إسرائيل وهي تملك مئات الأفرع في لبنان، وفي الضاحية تحديدا معقل حزب الله وشعب الممانعة يصرف مئات الدولارات في هذه الفروع، لما لا تتم مقاطعتها؟
 
منذ مدة كان قد منع فيلم آخر هو فيلم "المرأة الخارقة" لأن بطلته إسرائيلية "غال غالوت"، ذلك يعني أن السيد سوف يطل كلما لم يعجبه فيلم أو بطلة فيلم بحجة الممانعة أو المقاطعة ذلك أنه لا يوجد معايير وقوانين تحدد أصول المقاطعة، وطالما أن كلامه الأخير حمل تهديداً مبطنا:" ولا أريد أن أقول أكثر من هذا الآن، هذا خطأ"، يعني في المستقبل قد يستعمل قمصانه السود أمام دور السينما أو المكتبات في حال لما يعجبه كاتب أو فيلم، وقد حدث هذا فعلا إذا انتشر هاشتاغ "لن يعرض في لبنان"، وانتشرت بعض التجمعات أما بعض دور السينما لاعتراض على عرض الفيلم، وقد رأينا سابقاً كيف قامت التعبئة التربوية في حزب الله بمنع بث أغاني السيدة فيروز في مبنى كلية الهندسة التابع للجامعة اللبنانية، في منطقة الحدث، تحت ذريعة أن بعض الناس لا تسمع الأغاني.
 
منذ بداية هذا العهد ومسيرة الحريات العامة في لبنان تشهد تحولاً مرعباً، بدأت مع مراقبة صفحات ناشطي التواصل الاجتماعي ومراقبة كل كلمة تصدر عنهم وملاحقتهم من قبل النيابات العامة وتوقيفهم احتياطياً تارة بحجة التعرض لمقام رئيس الجمهورية وطوراً للجيش اللبناني، علما أنه بموجب قانون المحاكمات لا يجوز التوقيف الاحتياطي في جميع جرائم المطبوعات.
 
كان فاقعاً ملاحقة الإعلامي مارسيل غانم على خلفية استضافته للصحافيين السعوديين في برنامجه "كلام الناس" وإصدار مذكرة توقيف بحقه، كما ومنذ أسبوع أو أكثر إصدار حكم غيابي بحق الباحثة والصحافية حنين غدار، وغدار تعمل منذ مدة في واشنطن والحكم صدر بحقها من المحكمة العسكرية، على خلفية كلام لها في ندوة اقيمت عام 2014 في واشنطن تحدثت فيها عن تدخل "حزب الله" في الحرب السورية ودوره في لبنان، وأن الجيش يميز في تعامله بين الإرهاب الشيعي والإرهاب السني. اللافت هو مقاضاة الصحافيين من قبل النيابات العامة او المحكمة العسكرية وكأنهم إرهابيون، علماً أنه هناك محكمة للمطبوعات وقانونا للإعلام المرئي والمسموع.
 
ما هو فاقع أكثر من تضامن مع الإعلامي مارسيل غانم إذ حوت الخيمة التضامنية من قام بقمع الحريات على مدى ثلاثين عاماً ومن هو يؤازر ضمنياً وبالعلن هذا النظام وحزب الله، إذ رأينا الإقطاعي والسياسي الفاسد ومن تهجم على محطات إعلامية واحرقها كشباب حركة أمل، ولكن وقفوا مع غانم لأن خيمته قد تبّيض شيئاً من صفحاتهم على أبواب الانتخابات، وللانتخابات شرح مفصل قادم.
 
المهم أن السيد نصرالله يصعد إلى المنبر ويخطب حتى في أمور الفن السابع يتخطى دوره كجزء من المكونات اللبنانية إلى مرشد للجمهورية اللبنانية ولا أحد يرد عليه بحرف، من الرئاسة الأولى والثانية والثالثة، كأن البلد يخضع لقوانين المستوردة من دولة الملالي، وما تقرير وكالة "أسوشيتد برس" الذي تحدث عن عملية قرصنة قام بها الأمن العام اللبناني من عمليات التجسس التي تطال المواطنين إلا ليضع البلد في مصاف الدول البوليسية القمعية، بدأت مع التضييق على حرية التعبير و الآراء السياسية، والآن المواطن يخضع للمراقبة بأدق التفاصيل ينقصه البوليس السري.
في هذه المقايضة التي تتم أمام عيون اللبنانيين أي بين السلطة الحاكمة وحزب الله،
 
إنما هي توازن قوى بين الاثنين، حزب الله بحاجة للسلطة الفاسدة كي يبقي على سلطة سلاحه، وهم بحاجة إليه في المعركة النيابية القادمة، استعملت السلطة السياسية الفاسدة هذه المقايضة في السابق إبان الاحتلال السوري لتقول ليس في اليد حيلة "الأوامر تأتي من فوق"، الآن تتذرع بسلاح حزب الله لتقول إن لهيمنته سطوة على البلد وما يحصل فيه.
 
إلى الآن لا يزال نظام لبنان جمهوري ديمقراطي ولم يتحول إلى ثيوقراطي، وإذا كان أهل الحكم ارتضوا أن يتلقوا أوامرهم من رجل دين، هناك من لا يزال يعول على دور الثقافة ويرفض سياسة تكميم الأفواه في هذا البلد ويتسأل عن وجه لبنان القادم؟ لا أحد يملك الحق في أن يصادر حرية الفرد بماذا يقرأ او يشاهد أو يفكر، الأفكار المعلبة والمستوردة من الدول القمعية عفا عنها الزمن، الابداع لا دين له، والثقافة عابرة للحدود، القمع يولد التطرف.
 
لبنان بلد شارل مالك اللبناني الوحيد بل العربي الوحيد الذي شارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي دولة الملالي أرض الخوف نفسها الناس ثاروا ضد الظلم والطغيان فكيف بشعب نشأ على الحرية.