Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Oct-2017

‘‘فيكتوريا وأبدول‘‘: علاقة ضبابية وتناول منقوص

 

رشا سلامة
عمان-الغد-  لم يبدُ فيلم "فيكتوريا وأبدول"، للمخرج ستيفن فريرز، معنياً كثيراً بسبر غور العلاقة الغريبة التي جمعت بين الملكة البريطانية الأسبق فيكتوريا وبين خادمها الهندي عبد الكريم، بقدر ما كان حريصاً على التعريج على الأمر سينمائياً، فحسب.
لربما يعود الأمر لكون هذه العلاقة بقيت طيّ الكتمان، حتى صدور كتاب بصددها في العام 2010، يحمل العنوان ذاته للكاتبة شراباني باسو؛ إذ اعتُبِرت من الفصول المحرجة في تاريخ الملكة التي حكمت بلادها إبان هيمنتها على معظم بقاع العالم، ما دفع بابنها لحرق هذه المراسلات والصور الفوتوغرافية بمجرد إعلان وفاتها، غير أن شيئاً منها قد نجا وبقي في عهدة العائلة الهندية حتى وقت قريب.
لكن لربما يكون السبب الآخر عدم توفر مادة يُستنَد إليها حول تفاصيل هذه العلاقة وتعقيداتها، سوى بعض الإشاعات التي بقيت تتداوَل على مرّ العقود، والتي لم يفلح حتى الكتاب في توضيح طبيعتها؛ إذ يُقال إن ثمة حبا في الأمر، فيما يدحض بعض آخر هذا فيؤكد أنها لم تعدُ صداقة حميمية جمعت بين ملكة وخادم، يُصبِح فيما بعد معلمها الخاص، "المنشي"، الذي يُلقّنها اللغة الأردية والقرآن الكريم ويُطلعها على أحوال الهند وطقوسه وتوابله وثماره التي لم تسمع عنها مثل المانجو، لتتصدّى هي في المقابل لمن يكيدون له من داخل القصر، ولتصبح معنية بشؤونه الخاصة جميعها، بما فيها علاقته بزوجته وتأخر الإنجاب لديه.
حَرِصَ مخرج العمل على تحرّي أدق عوامل السينوغرافيا (وإن كان لباس المرأتين الهنديتين غير دقيق وتشوبه النظرة الاستشراقية، كما أن ثمة خلطا واضحا بين الهندوس والمسلمين)، مع عرض مدهش للطبيعة الخلاّبة التي شهدتها تلك الحكاية، كما كان أداء الممثلين على سوية عالية، وتحديداً بطليّ العمل الممثلة جودي دينش والممثل علي فاضل، لكن ليس الأمر بجديد حين يصار للحديث عن تناول السينما لحكايات الحب في العائلة المالكة البريطانية؛ إذ تناول فيلم "ديانا"، للمخرج أوليفر هيرشبيغل، قبل أعوام، حكاية أميرة ويلز التي وقعت في غرام الجرّاح الباكستاني حسنات خان.
تطرّق الفيلمان "ديانا" و"فيكتوريا وأبدول" لجدلية العلاقة بين ذلك الجزء من العالم من جهة والإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس من جهة أخرى، وتحديداً الأخير؛ إذ جاءت أحداثه إبّان الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية، وما لحق بالأخيرة من ويلات، بيد أن التعريج على الأمر، في الفيلمين، لم يتجاوز كونه مجرد تربيت خفيف على كتف الضحية، من دون استعراض واضح ومحدد المعالم لحجم الأسى الذي ألحقته بريطانيا بالشعوب التي بقيت تحت قبضتها عشرات السنين. بل حتى الخطاب العنصري حيال الحبيب المسلم لم يكن بدرجة الوضوح التي كان عليها في الواقع، وتحديداً في فيلم "ديانا"؛ إذ ظهر هاجس تقريب رجل مسلم من العائلة الحاكمة مجرد حالة قلق استثنائية لدى بعض أفراد القصر وليس موقفاً سياسياً واضحاً كما هو عليه في الحقيقة.
من حيث النزعة الرومانسية، فقد تميّز "ديانا" عن "فيكتوريا وأبدول" الذي لشدة ما كانت العلاقة ضبابية في الواقع، لم يُفهَم ما الذي يريد المخرج إيصاله من وجهة نظر، حتى الانطباعات بين الملكة وخادمها كانت غائمة. لذا، بالوسع القول إن التناول من أساسه كان منقوصاً، وإن كانت الحكاية برمتها إنسانية شيقة، لكن ليس من الممكن بمكان إدراجه بشكل واضح تحت تصنيف فيلم رومانسي أو تاريخي أو سيرة شخصية؛ إذ يبدو أنه أخذ من كل جانب قبس، وحتى المنحى التاريخي الذي حاول التركيز عليه جاء غير دقيق وبلا تناول عميق أو محاولة لتقديم جانب تحليلي للحكاية.
يبقى للسينما العالمية قصب السبق دوماً في تحويل الحكايات التاريخية والأدبية لأعمال سينمائية، بل هي تستطيع اجتراح الجديد في كل مرة تحاول فيها طرق الحكاية. لذا، قد يكون متوقعاً، في غضون أعوام، أن يُعاد تناول حكاية "فيكتوريا وأبدول" بمزيد من العمق والحس النقدي، تماماً كما حكاية "ديانا" التي بقيت تختمر حتى وصلت لما هي عليه في فيلم هيرشبيغل.
life@alghad.jo