Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Apr-2019

المصري: الأردن لا يطمئن كثيرا لواشنطن وموسكو تلعب لعبة مصالح

 الغد-حاوره: د. محمد أبو بكر

 في الحوار مع رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري؛ أنت أمام قائد سياسي، هذا المصطلح الغائب عن قاموسنا السياسي الأردني منذ أكثر من خمسين عاما، حيث لم يصل إلى هذه (المرتبة) إذا جاز التعبير، سوى عدد محدود من السياسيين على مدى تاريخ الدولة منذ الاستقلال قبل أكثر من ثلاثة وسبعين عاما.
أبو نشأت؛ ابن مدينة نابلس العريقة، الذي يفتخر بأردنيته كما هو اعتزازه بفلسطينيته، هو واحد من أولئك الرجال الذين يمكن لك أن تلجأ إليهم في وقت الشدّة السياسية، وفي زمن الأعاصير والمفاجآت التي تأتي إلى بلادنا من كل حدب وصوب، والاستئناس برأيه غاية في الأهمية، والوقوف على أهمّ الأحداث، فهو من أولئك الذين يمكن لهم الإمساك بالمبضع والقيام بعملية تشريح بكلّ دقّة، وبتفاصيل واضحة حتى نستطيع معرفة أين سنضع أقدامنا.
ومن خلال سلسلة شخصيات وأحداث التي تنشرها “الغد”، حاورنا رئيس الوزراء الأسبق والسياسي العريق الذي ولج العمل الوزاري منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما، حول العديد من القضايا التي باتت اليوم تؤرّق البلاد والأمة.
كان التركيز في هذا الحوار حول القضية الفلسطينية وما ينتظرها في قابلات الأيام، والأخطار التي يمكن أن يواجهها الأردن، وهو الأقرب للقضية، والمتفاعل معها، والمتأثّر بتداعياتها، ولا يخفي المصري القول بأنّ الأردن سيكون في بؤرة المواجهة، وربما نشهد تصعيدا، خاصة وأن الأردن يدرك بأن لا حلّ للموضوع الفلسطيني بدونه، مؤكّدا أنّ المعطيات معقّدة ومتداخلة، وربما تشكّل عبئا على الأردن من خلال كيفية التعامل معها بحرص ودقّة.
المصري في حواره؛ يتحدّث بصراحة قائلا.. لا مجال اليوم لأن نضع رؤوسنا في الرمال، فالحقائق يجب أن يعرفها الجميع، فيكفي أننا خُدعنا (بضم الخاء) مرّات عديدة منذ المشروع الصهيوني في بازل عام 1897، والأردنيون اليوم أمام مرحلة مهمّة في تاريخهم، وليس لهم إلّا التكاتف مع قائد الوطن، وتحمّل المسؤولية دفاعا عن الأردن وفلسطين، صدّا لأيّ مؤامرة تستهدفهما.
وفيما يلي نص الحوار…
 
• لنبدأ من الآخر يا سيدي؛ فبعد زيارة جلالة الملك للولايات المتحدة، ولقائه مع المستشار كوشنر والمبعوث غرينبلات، ظهر أن الملك يريد إرسال العديد من الرسائل لبعض الجهات، بأن لا تراجع عن مواقفنا، ماذا حدث، وما هي توقّعاتك؟.
 
الأردن قريب في سياساته من الولايات المتحدة، وهي دولة عظمى ولها تأثير بالــغ في المنطقة وكلّ العالم، وسياسات الأردن تتماشى مع المعسكر الغربي. وإسرائيل محتلّة لأراض فلسطينية، كانت في السابق جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، وارتباط فلسطين والأردن لا يمكن فصله أبدا، وهناك سياسات ترامب المنحازة للدولة العبرية، وبشكل سافر، وكل هذا يقع تحت تأثير ثلاثة عوامل: 
الأول؛ أنّ كل ما تفرضه إدارة ترامب من حلول للقضية، صفقة أو غيرها، غير مقبول للأردن ولا يؤدّي للسلام المنشود أو حلّ لها، ولا يمنع الخطر عن الأردن. والعامل الثاني؛ أن الأردن لا يستطيع وحده حماية الفلسطينيين مما هو قادم، والثالث؛ لا حلّ بدون الأردن. 
إنّها ثلاثة معطيات معقّدة ومتداخلة، وسوف تكون عبئا على الأردن بالذات في كيفية التعامل معها بحرص ودقّة، لذلك مهما حدث في الاجتماع المذكور، فهذه هي القضايا الرئيسية أو الإطار العريض لما جرى فيه، وأنا لا أدّعي معرفتي بما دار في واشنطن، ولكن رأينا بصورة واضحة خلال الأشهر الماضية تصاعدا غير طبيعي في الانحياز الأميركي لدولة الاحتلال وتنفيذ ذلك واقعا.
ولذلك؛ من الطبيعي أن يصعّد جلالة الملك من تصريحاته ومواقفه، لأنّه يدرك ما هي أفكارهم، وعلى ماذا تدور وكذلك خطرها، وهو الأقدر على تقدير ذلك، فالأردنيون وبكل فئاتهم يعلنون اليوم تأييدهم للملك بشكل واضح وصريح، ويدعمونه في لاءاته المتعلّقة بالقدس والوصاية والموضوع الفلسطيني برمّته.
• هل ترى بأنّ الأردن ربما يقدم على خطوات مهمّة في المرحلة القادمة، خاصة وأنّ الخطر القادم بات لا يهدد فقط فلسطين، بل المملكة أيضا؟.
 
نمرّ اليوم بمرحلة تاريخية بالنسبة للقضية الفلسطينية وللأردن، وسوف يذكر ذلك في كتب التاريخ، كنقطة تغيير جذريّة في الإقليم، فوضع القدس تحت الهيمنة اليهودية وما هو قادم بالنسبة لها كبناء الهيكل وتهويدها، وضمّ الجولان والضفّة الغربية لاحقا؛ كلّها أمور ستعمل على تغيير خريطة المنطقة جغرافيا وديموغرافيا.
الخطر هنا لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل أصبح خطرا يهدد الأردن، ونحن كأردنيين نعي كلّ ما يخطط له، لقد مارسوا معنا الخداع والوعود الكاذبة، منذ المشروع الصهيوني في بازل 1897، ولسنا في مجال لأن نضع رؤوسنا في الرمال بعد الآن أو نختبئ وراء حجاب، لتقال الحقائق بوضوح، فالأردنيون يجب أن يتحمّلوا المسؤولية مع جلالة الملك، وهذا مدعاة لتكاتف القيادة والشعب. ولا شيء أبقى وأجدى من تحالف الشعب مع قيادته. 
حتى اللحظة لا نعرف ما حصل أو ما سيحصل، أو ماذا يجري داخل الغرف المغلقة، كلّ ذلك ما زال محصورا في نطاق ضيّق، ومن الظلم الوطني والإنساني أن يتحمّل جلالة الملك كل ذلك وحده، فشعبه يجب أن يقف معه ويتحمّل المسؤولية، والقرار يجب أن يكون مشتركا بينهما.
• هل تعتقد بأنّ الأردن يتعرّض لضغط سياسي أميركي، قد تكون له كلف سياسية عالية، كاستغلال الوضع الاقتصادي؟.
 
الملك قالها بوضوح بأنّه يتعرّض لضغوط كبيرة، لن يقبل الأردن بأيّ ابتزاز مهما كان الثمن، الهدف اليوم هو الدفاع عن الأردن وعن أمننا الوطني، نريد أن نحمي الأردن من أيّ مضاعفات أو تداعيات على هويتنا وكياننا وكينونتنا، فالشعب يؤيّد هذا التوجّه، ولذلك سيكون هناك رفض شعبي ورسمي لما يعرض علينا قد يؤثّر على مواقفنا الثابتة والمبدئية، ويؤثّر أيضا على أمننا الوطني.
الأردن يرفض أي ضغوطات، والملك سيكون أقوى بوجود مؤسسات دستورية وحرية رأي وسيكون قادرا على الاعتماد على شعبه حفاظا على الثوابت.
• وهل هناك من ضغوط على الأردن من قبل بعض العواصم العربية للقبول بما هو قادم حسب رأيكم؟.
 
 
 
هـــي موجودة بالفعل، وبصراحة الأردن وحده لا يستطيع أن يحمي القضية، ويجب على الأشقاء العرب الوقوف معه والعمل على تقديم كل أشكال الدعم اللازمة له.
إسرائيل اليوم لا تهتم ولا تكترث بالتواصل مع صاحب الحق الشرعي، فقفزت فوقهم لتتعامل مع دول عربية وغيرها، وهذا يضعف الموقف الأردني، لأنّه يبقى وحيدا ويزيد من الأعباء عليه في القضايا الداخلية، ورأينا مؤخرا تصريحات صادرة عن مسؤولين عربا إضافة لمواقف عربية مختلفة باتت معلنة وظاهرة في الإعلام تدعو للأسف فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني ووضع إسرائيل في المنطقة.
• هل هناك ما يشبه المؤامرة على الأردن فيما يتعلّق بالوصاية على القدس من قبل واشنطن وتل أبيب وربما بعض العرب؟.
 
جميعنا يعرف من المقصود بذلك؛ ولكن هذا غير وارد إلّا في أذهانهم ومخططاتهم، ربما يأملون أن تتحوّل الأمور بهذا الاتجاه، وهذا تفكير سطحي من قبلهم، ولكنه لن يحدث على الصعيد العملي، فالخطر ليس من هؤلاء، بل من المخططات الصهيونية بتهويد القدس وبناء الهيكل المزعوم.
• هل الأردن على استعداد لتنويع خياراته السياسية والانفتاح أكثر على بعض الدول؛ روسيا إيران وتركيا وربما غيرها؟.
 
الأردن قادر على ذلك ولكن بحدود ضيّقة، فهو بوضعه الجغرافي وقدراته المالية والأخطار والسياسات السابقة التي أدّت لهذا الوضع الهشّ في مجتمعنا فإنّ خياراته محدودة؛ فهذه إمّا مخطط لها أو جاءت نتيجة للظروف، واليوم علينا أن نوازن بميزان الذهب علاقاتنا مع الجميع، فالوضع الإقليمي معقّد جدا، وهناك تنوّع رهيب من المشاكل والالتزامات المتضاربة، إضافة للتعقيد الدبلوماسي وفي العلاقات مع الدول الأخرى، لذلك يحاول الملك أن يوازن بقدر الإمكان خصوصا مع بعض الأشقاء العرب.
الأردن اليوم يرتبط بعلاقات وثيقة مع حلف الأطلسي، وهو يستعين بحماية نفسه مع هذا الحلف، وهذا نوع من الحماية التي نطلبها في هذه الظروف، لذلك لا أقول إلّا أنّ التنوّع في الخيار السياسي موجود ولكن بحدود ضيّقة، فنحن اليوم أمام تداخل عجيب وتناقض يسبب لنا صداعا في الرأس.
• بصراحة؛ هل الأردن يثق بالولايات المتحدة؟، وقادر على مواجهتها في المرحلة القادمة إن حدث شيء؟.
 
الجميع متفق بما فيهم القيادة الأردنية أنّ الولايات المتحدة ليست خاضعة لقواعد وقوانين التعامل السياسي خاصة في منطقتنا، وهناك بصراحة عدم اطمئنان للولايات المتحدة ومطالبات بعدم وضع كل ثقتنا بسلّة واشنطن، ومن هنا أعتقد أن الملك خلال الأعوام الماضية حاول فتح طريق ممهّدة لعلاقة مع الروس، ولا أعلم إذا ما كانت هذه الخطوة قد أدّت إلى ما كان يسعى إليه الملك.
• ولكن يا سيدي؛ نشعر أحيانا بالحيرة من العلاقة الروسية الإسرائيلية، ماذا يجري بالضبط؟.
 
في الوضع الروسي والعلاقة معنا؛ نتنياهو قبل فترة أقدم على ضمّ الجولان واعترف ترامب بذلك، وهناك قوات روسية لا تبعد إلّا بمقدار كيلومترين عن حدود الجولان، ولم يصدر ردّ روسي فعلي وحقيقي سوى التنديد بتلك الخطوة، وهذا أمر مستغرب، والأكثر استغرابا، استقبال الرئيس بوتين لنتنياهو عدّة مرات في غضون فترة قصيرة وقبل انتخابات الكنيست، وكأنّه يريد مساعدته على النجاح، في إشارة لثقل اليهود الروس الذين يبلغ عددهم تسعمائة ألف، وهؤلاء من الناخبين المؤيدين لرئيس حكومة اسرائيل، فروسيا باختصار تلعب لعبة مصالح لا أكثر.
• ألا يفترض في هذه الظروف أن يكون لدينا في الأردن ما يشبه (بيت الخبرة) يتم اللجوء إليه حين تقع المشكلات أو تداهمنا الأخطار؟، أم أنّ ذلك لا يعني الكثير للحكومة الآن؟
 
أنا أقدّر ذلك، وهذا راجع لجلالة الملك، وهناك من يظنّ أن لقاءات جلالته مع مجموعات مختارة من الشخصيات يحقق هذا الغرض، وفي اللقاء الأخير مع رؤساء الحكومات قلت بأننا نمرّ بمرحلة لا نشعر بخطرها بشكل صحيح، وأضفت أننا اليوم بحاجة لحكومة تعكس هذه الأوضاع وشريكة مع الملك في تحمّل المسؤولية والسير بالبلاد لنقاوم الهجمة والضغوط التي نتعرّض لها. ولنحمي الوطن من تداعيات الإجراءات والسياسات الإسرائيلية – الأميركية التي تنفذ على أرض الواقع بشكل علني واستفزازي.
لا يمكن لنا العبور من عنق الزجاجة إلّا بدعم شعبي عميق، وموضوع بيت الخبرة يمكن تحقيقه، للاستفادة من الخبرات وغيرها.
• لنتحدّث في شأن محليّ مهم وهو قانون الانتخابات النيابية؛ فمنذ ما يقارب الثلاثين عاما والأردنيون باتوا حقلا للتجارب، إلى متى يمكن لنا الخروج بقانون يحظى بتوافق وطني؟ فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم، وهل أنت مع الكوتات؟.
 
ترأست لجنة الحوار الوطني قبل عدة سنوات، ووضعنا نظاما مقبولا للانتخابات، وفي بداية النقاش سألنا أنفسنا ماذا نريد من القانون أن يحقق للأردنيين؟ فكانت الإجابة تتمحور حول الشفافية والتمثيل الحقيقي للمواطن وكذلك الاستمرارية، وقلنا يجب أن يتوافق القانون مع النظرة المستقبلية للإصلاح، وبالفعل بدأنا بذلك ووضعنا التفاصيل.
ولكن للأسف في كل حقبة هناك من يأتي باقتراح قانون جديد حتى أصبحنا بالفعل حقلا للتجارب، حتى أنّ مفهوم النزاهة بات مجالا للتندّر، خاصة بعد أن علمنا أنّ مسؤولين كشفوا أنهم تلاعبوا بالانتخابات وتدخّلوا بها، وهذا بحدّ ذاته استخفاف بالمواطن وقدراته ورغباته، لذلك يكفي التلاعب بمثل هذه الأمور المهمة، فالانتخابات أحد أهمّ أعمدة الديمقراطية، فمن خلالها يجري اختيار مجموعة من الأشخاص يديرون شؤون البلاد لمدّة محدودة، ويمكن أن تقرر الأمّة انتخابهم مرّة أخرى أو غيرهم بالنظر إلى مدى تحقيقهم لأهدافهم.
ومفهوم الانتخاب أساسي في عملية الإصلاح السياسي، وهو غير خاضع للتجارب بصورة أو بأخرى، أمّا بالنسبة للكوتات فأنا ضدها باستثناء كوتا المرأة.
• الحكومات يبدو أنّها لا تلتفت كثيرا لما يجري في الشارع، والمواطن يعيش ظروفا اقتصادية صعبة؟.
 
المرحلة اليوم يطغى عليها الجوع والظروف المعيشية الصعبة، وهناك فئات كثيرة أصبحت تحت خطّ الفقر، وداهمت هذه الحقيقة المجتمع بشكل سريع ومفاجئ، والمجتمع لم يستطع أن يكيّف نفسه، بل أصبح واضحا أنّ الفقير يزداد فقرا، ومن هم على حدود الفقر انضموا لخانة الفقراء، والأرقام الرسمية في معظمها لا تمثّل حقيقة الوضع، ومجرّد تغيير رقم خط الفقر بعشرة دنانير، من 400 إلى 410 دنانير مثلاً، فهذا سوف يضيف أعدادا كبيرة إلى خانة الفقراء.
بـرأيي ستبقى الأوضاع المعيشية ملتهبة، وأتمنى أن لا يرمى لها عود ثقاب من آخرين.
• الجميع يعترف بأنّك حافظت على الديمقراطية حين قدّمت استقالة حكومتك، ولم تلجأ لحلّ مجلس النواب حين بدأ الحديث عن مؤتمر للسلام، كيف تصف تلك الفترة؟.
 
في عام 1989 أصبح لديّ تغيير جذري في توجهاتي ومفاهيمي، وكذلك مفهومي للحياة السياسية، فقررت خوض الانتخابات النيابية ذلك العام، وبدون تخطيط مسبق، وكانت فرص النجاح وعدم النجاح متساوية، لذلك قمت بجهود كبيرة في لقاءاتي لتبيان مواقفي، ولم أتعمّد استخدام اسم عائلتي أو عنصر المال في الحملة الانتخابية، بل بنيت ذلك على قواعد وسياسات، ونجحت فيها.
كان مجلسا نيابيا يتمتّع بالعنفوان وكنت أشعر بالفخر لوجودي به، وضمّ العديد من التكتلات، وكنت سعيدا بذلك، لأنني جزء منه، وبوجود نواب من نوعيات مختلفة إلى حدّ كبير، لقد استمتعت بالجو الديمقراطي حتى لو أنّه أتعبني كثيرا، من خلال هذا التنوّع الإسلامي واليساري والقومي والوطني الأردني، لقد شعرت بأهميّة الرقابة والمساءلة التي يمارسها مجلس النواب.
أنا مقدّر تماما ما حصل في تلك الفترة، فالأردن كان معاقبا نتيجة لموقفه من دخول العراق للكويت، وأنا قبلها كنت وزيرا للخارجية، وأفهم مواقف الدول، ولذلك ؛ المفهوم الديمقراطي كان مهمّا جدّا عندهم، وعودّت نفسي أن أتحدّث بصراحة وحسب قناعاتي ودفعت الثمن، لكن يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، بحيث لا نرفع شعارات ولا نقوم بتطبيقها.
إزاء ما جرى في المجلس النيابي عندما كنت رئيسا للوزراء، عرضت استقالتي على الملك الراحل وأن يقوم بتكليف غيري لتولّي المسؤولية، ولم يقبل أحد حينها هذا المنصب، رغم أنني قلت للملك بأنني على استعداد لأن أكون وزيرا للخارجية في أيّ حكومة قادمة.
كنت أرى مجلسا نيابيا ملتزما، ولذلك استمرار هذا المجلس أفضل مائة مرّة من بقاء الحكومة، فاستقلت من منصب رئيس الوزراء دون شعور بالغضب أبدا، وأنا راض عن قراري في ذلك الوقت، وأشعر بالسلام مع نفسي.
• بصراحة؛ هل تعتقد أن دخول العراق للكويت كان خطيئة ما زلنا ندفع ثمنها؟.
 
نعم؛ كان ذلك خطيئة وهو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، فقد امتدّ تأثير ذلك على كافة الدول العربية وفي موضوع القضية الفلسطينية أيضا.
• دائما ما أوجّه سؤالا حول اتفاق أوسلو، ولماذا اختار الرئيس الراحل ياسر عرفات هذا الطريق، هل لأنّه وجد أنّ العرب قد تخلّوا عن القضية؟ وأنّ الحلّ هو دخول فلسطين بأيّ طريقة؟.
 
أبو عمار كان يؤكّد دائما على القرار الفلسطيني المستقل، وكان حينها واقعا تحت أمزجة أنظمة عربية عديدة، وكلّ نظام يطمح بأن يكون (الكارت) الفلسطيني بيده، وهو بصراحة لم يكن يثق بأحد أو يعتمد على أيّ نظام عربي، حتى الروس لم يكن يريد الاعتماد عليهم، وكان هدفه فتح خطوط مع واشنطن. وقرر فتح خطّ مواز سريّ لما كان يجري من مفاوضات في واشنطن مع الجانب الإسرائيلي تأكيداً لاستقلال القرار الفلسطيني واستكمالاً لقرار قمة الرباط عام 1974، وكان لديه اعتقاد بأنّ بطء المفاوضات في واشنطن لن يؤدّي إلى نتائج، فكانت أوسلو والتي انتهت باغتيال اسحق رابين.
أوسلو كانت ستتدرّج إلى حكم ذاتي واسع ثمّ تفضي لإقامة الدولة الفلسطينية، بحيث يمثّل ذلك جهدا فلسطينيا خالصا، ولكن اغتيال رابين عطّل كلّ هذه الجهود مع مجيء اليمين المتطرّف في اسرائيل.
• هل هناك من موقف طريف جمعك مع المرحوم ياسر عرفات خلال تلك الفترة؟.
 
المواقف كثيرة، ولكن أبو عمار كان دائما ما يستعرض حرس الشرف كلّما زار مدينة في الضفة الغربية، فسألته؛ لماذا كلّ هذا أخ أبو عمار؟ فأجاب حتى نؤكّد سيادتنا! هو كذلك، شخصية مختلفة عن الآخرين.
• بصورة عامة؛ كيف تنظر إلى الوضع في الأردن من كافة النواحي وآفاق المستقبل؟.
 
الوضع في الأردن صعب، وهناك أعاصير تجتاح المنطقة، ولن تستطيع الدول أو المجتمعات أن تواجه هذه الأعاصير إلّا إذا كانت هناك مجتمعات متماسكة، وقناعات بحسن الإدارة وبوطنية القرارات.
لقد حدث عبر العقود الماضية تراجعات وخلخلات مجتمعية وإدارية وسياسية، وأصيب الجهاز الإداري للدولة بالترهّل وربما الفساد، والبيروقراطية، كما أنّ الوضع الاقتصادي والمالي أصبح خطرا على النسيج الإجتماعي.
علينا العودة إلى القواعد القويمة، ونعيد كلّ حسنات ومقومات المجتمع والإدارة، هناك الكثير مما يهدد حياتنا، ويؤثّر على ميّزتنا بالأمن والاستقرار الذي نتمتع به، وهذا يحتاج إلى عمل دؤوب ووطنية خالصة والتزام، وهنا لا يسعني إلّا القول؛ بأننا بحاجة إلى مراجعة شاملة وجدية لكل سيرتنا الوطنية وأن نثق بقدرتنا على التعامل الديموقراطي في ضوء التشريعات الهادفة، وعليها أن تعلي سيادة القانون واحترام رغبات الشعب.